ويكشف مصدر خاص في حكومة النظام السوري، لـ"العربي الجديد"، أنّ الروس دخلوا في تسوية جديدة لملف الزبداني ومضايا في ريف دمشق، إذ يتم التوافق على خطة لوقف حصار مضايا ومعالجة أوضاع المسلحين المعارضين في الزبداني، على أن يبقوا في مناطقهم، ويعملوا على حفظ أمنها بالتعاون مع القوات النظامية، شرط أن يُفتح مكتب للأمم المتحدة في المنطقة، متوقّعاً أن يبدأ تطبيق الخطة خلال الأيام المقبلة. وتأتي هذه التسوية المرتقبة في وقت يتحدث فيه ناشطون عن كارثة إنسانية يعيشها عشرات آلاف المدنيين في مضايا والزبداني وبقّيْن.
اقرأ أيضاً: الزبداني بعد الهدنة... تدمير ممنهج لجعلها غير صالحة للسكن
تقول مصادر مطلعة من داخل مضايا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السفير الروسي، ألكسندر كينشاك، زار المنطقة، أخيراً، واجتمع في منطقة الكازية، على أطراف بلدة مضايا، مع عدد من ضباط القوات النظامية ولجنة المصالحة الوطنية، في حين تحدث عبر الهاتف مع القيادي في المعارضة المسلحة، عبود ذياب ناصيف، من بلدة مضايا، وتمّ الاتفاق على تنفيذ الخطة خلال الأيام القليلة المقبلة".
ودخلت الزبداني في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هدنة مع النظام، إثر اتفاق إيراني مع تنظيم "أحرار الشام"، يمتد لمدة ستة أشهر، يتم خلال هذه المدة وقف إطلاق النار على جبهات الزبداني (ريف دمشق) وبلدتَي كفريا والفوعة (في ريف إدلب)، إضافة إلى إخراج المسلحين في الزبداني مع عائلاتهم إلى إدلب، بالتزامن مع إخراج نحو 10 الآف مدني من بلدتَي الفوعة وكفريا إلى مناطق سيطرة النظام، إلّا أن هذا البند لم يُطبّق حتى الآن.
ويفيد المصدر نفسه في حكومة النظام أنّ "الخطة الجديدة التي تم التوافق عليها، تتضمن رفع الحصار عن مضايا خلال فترة قصيرة بإشراف روسي وأممي"، مبيّناً أنّ "الخطة تشمل أيضاً انسحاب عناصر حزب الله اللبناني وعناصر الفرقة الرابعة والمليشيات الموالية للنظام إلى خارج المنطقة، لتتسلم مواقعها للفرقة العاشرة في القوات النظامية، من سرغايا إلى قمة النبي هابيل، في وقت يتم إصدار عفو رئاسي عام عن أبناء المنطقة، إضافة إلى سحب قوائم المطلوبين لدى الفرقة الرابعة، على أن يتم تحديد فئة من المعارضة المسلحة المعتدلة لتسوية أوضاعها وتوليتها مسؤولية أمن المنطقة بالتعاون مع الفرقة العاشرة"، على حد قول المصدر.
ووفقاً للمصدر، فإن "المنشقّين عن قوات النظام، سيتم ضمهم إلى القوات التي تتولى أمن المنطقة، وسيكون للروس الذين شاركوا بصياغة هذه البنود، قوات برية مؤلفة من 100 عنصر لتأمين منطقة بلودان الملاصقة للزبداني ذات الأغلبية المسيحية، وإنشاء مكتب للأمم المتحدة فيها".
وتشير المعلومات إلى أنّ روسيا والنظام السوري لم يكونا راضيَين عن هدنة الفوعة ـ الزبداني التي قامت بها إيران منفردة، والتي تسعى طهران من خلالها تأمين خروج سكان بلدتَي الفوعة وكفريا من شمال سورية وترك المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من سورية لصراعات بين المعارضة المسلحّة وتنظيم "داعش"، ومحاولة تأجيج صراعات في ما بين فصائل المعارضة، مع محاولة تأمين ما تسميه بـ"سورية المفيدة" التي تضم منطقة الساحل ودمشق وحمص.
وتختلف الرؤية الروسية لهذا الوضع، إذ يحاول الروس فصل ملف الزبداني عن ملف الفوعة وكفريا، كونهم يرون أن الأهم هو استعادة أكبر مساحة ممكنة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لتكون ورقة ضغط بيد روسيا في المفاوضات ومن أجل منع الدول الداعمة للمعارضة من تزويدها بسلاح نوعي يمكّنها من التمدّد باتجاه الساحل ودمشق.
من جهته، يفيد الناشط الإعلامي في مدينة الزبداني، الملقب بـ"أبو شوكت"، لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك بعض التسريبات حول الخطة التي يرعاها الروس في الزبداني، لكن حتى الآن، لا شيء رسمياً"، مستدركاً بالقول "لكن هناك مؤشرات تدعم هذه التسريبات، إذ نشهد منذ أيام عدة انسحاب عناصر حزب الله من مواقعهم في محيط الزبداني وتسليمها إلى الفرقة العاشرة، إلّا أنهم لم يسلموا بعد مواقعهم داخل بعض أحياء الزبداني التي سيطروا عليها خلال الحملة الأخيرة".
ويوضح أبو شوكت أنّ "الوضع الإنساني داخل الزبداني ومضايا أقل ما يقال عنه أنّه كارثي، إذ يوجد في الزبداني وحدها 267 جريحاً، معظمهم في حالة حرجة، وبحاجة إلى رعاية طبية مستعجلة وإجراء عمليات جراحية دقيقة من قبل مستشفيات متخصصة. وتعاني النقاط الطبية في المدينة من نقص شديد في الأدوية والكوادر الطبية".
ويفيد ناشطون مدنيون من داخل بلدة مضايا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه يوجد في مضايا أكثر من 2200 عائلة من أهلها، و1300 عائلة من الزبداني، و350 عائلة من بقين، و100 عائلة من ريف دمشق، يعانون جميعاً من حصار خانق ومن دون طعام، ما يدفعهم إلى تناول الحشائش وأوراق الشجر. كما لا توجد موارد تدفئة على الرغم من أنّ مضايا تقع في منطقة جبلية معروفة ببرودتها، إضافة إلى عدم توفر الأدوية بمختلف أنواعها، بما فيها الخاصة بالأمراض المزمنة.
ويلفت الناشطون إلى أنّ سعر الكيلوغرام الواحد من الأرز أو البرغل 11 ألف ليرة سورية في حين يبلغ 50 ألف ليرة سعر أسطوانة الغاز المنزلي، ولتر المازوت بـ1500 ليرة، إنْ وُجد، في حين لا يتوفر أي نوع من الخضار أو الفاكهة أو الخبز منذ أربعة أشهر مضت.
وتعاني كل من الزبداني ومضايا وبقين، من حصار خانق منذ أشهر طويلة، إلّا أن الوضع ازداد سوءاً عقب تجمع نازحي الزبداني من مختلف المناطق في بلدة مضايا، ومنعهم من الدخول أو الخروج أو إدخال أي نوع من المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى تعرضهم للقصف، واعتبارهم ورقة تفاوض مقابل فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة، من دون الوصول إلى أي نتيجة تذكر سوى زيادة معاناة عشرات آلاف السوريين.
اقرأ أيضاً: برد سورية يهدّد مئات آلاف المحاصرين هذا الشتاء