روسيا تقرأ فشل عزل ترامب بلا آمال كبيرة

09 فبراير 2020
يصف الروس ترامب بالرئيس البراغماتي (براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

استقبلت الصحافة الروسية، وكذلك المحللون الروس، أنباء فشل عملية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وارتفاع حظوظ الأخير للفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بتفاؤلٍ حذِر، بعدما شهدت سنوات ولاية ترامب الأولى كسراً لعزلة موسكو على الساحة الدولية، ولكن من دون إبرام "صفقة كبرى" بينها وبين واشنطن، ورفع العقوبات المفروضة عليها بسبب الوضع في أوكرانيا.

وفي أول ردّ فعل من الكرملين على تبرئة ترامب من تهمتي عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة في مجلس الشيوخ في قضية فضيحة أوكرانيا، أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن أمله في توقف شيطنة روسيا في المعارك السياسية الداخلية الأميركية، مؤكداً أن بلاده "تعتبر أنه ليس من حقها التدخّل في الشؤون الداخلية الأميركية". وأشار بيسكوف إلى أن قرار تبرئة ترامب كان متوقعاً حتى بالنسبة إلى غير المتخصصين في الشؤون الأميركية، في ظلّ سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ.

وتعليقاً على هذا التطور، اعتبر الخبير في الشؤون الأميركية بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أليكسي ناوموف، أن فشل عملية عزل ترامب لا تترتب عليه أي مكاسب أو خسائر مباشرة لروسيا، ولكن تعزيز فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ازدادت، ما سيشكل سيناريو محايداً بالنسبة إلى موسكو. وأوضح ناوموف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا مجال للحديث عن أي مكاسب أو خسائر مباشرة بالنسبة إلى روسيا تترتب على تبرئة ترامب، إذ لم تعد موسكو تتوهم بقدرته على تحسين العلاقات، ولكن يجب النظر إلى ذلك في سياق تعزيز مواقع ترامب وزيادة فرص إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل".

وحول الموقف الروسي من تعزيز احتمال إعادة انتخاب الرئيس الأميركي، قال ناوموف: "إذا لم يكن فوز ترامب نتيجة إيجابية بالنسبة إلى موسكو، فإنه سيناريو محايد ذو ملامح إيجابية، لأن أي مرشح آخر، لا سيما إذا كان من الديمقراطيين، سيضطر إلى انتهاج سياسة معادية لروسيا بشكل استعراضي للتشديد على اختلافه عن ترامب".

ولفت ناوموف إلى أن روسيا تتابع من بعيد ما يجري في الولايات المتحدة، ولكن بقدر من التقييم الإيجابي، مضيفاً أن "ترامب معروف بأنه سياسي يفي، أو يسعى دائماً للوفاء بوعوده، ولا يزال تحسين العلاقات مع روسيا من بين المجالات التي لم تحقق نجاحات كبيرة فيها، فسيحاول تدارك الوضع بلا شك، ولكنّ هناك إجماعاً معادياً لروسيا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وبالتالي لا مجال لانتظار حدوث أي اختراق".

من جهته، شكّك المعلق السياسي في إذاعة "كوميرسانت"، دميتري دريزه، أول من أمس الجمعة، في إبداء ترامب المزيد من الولاء لروسيا في حال إعادة انتخابه. وذكّر دريزه بأن التعليق الأكثر شيوعاً الذي كان يصدر من الجانب الروسي في السنوات الأولى لرئاسة ترامب، كان يشدد على أنه رئيس براغماتي ومنفتح على روسيا، ولكن خصومه يهاجمونه ويعرقلونه، فيضطر حتى إلى الإدلاء بتصريحات شديدة اللهجة تجاه موسكو.

وأضاف المحلل السياسي الروسي أن زيارة ترامب غير المؤكدة إلى موسكو للمشاركة في الاحتفالات بذكرى مرور 75 عاماً على النصر على ألمانيا النازية في 9 مايو/أيار المقبل، ستثير أملاً في مرحلة جديدة من العلاقات، ولكن ما هو قائم اليوم هو توقف أعمال مدّ خط "السيل الشمالي - 2" لنقل الغاز الروسي بسبب العقوبات الأميركية واحتمال فرض عقوبات حساسة جديدة على روسيا. أضف إلى ذلك، برأيه، أن انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى والغموض حول مصير الاتفاقيات الدولية الأخرى ووعود ترامب بإطلاق برنامج عسكري فضائي، سيجرّ روسيا إلى سباق تسلح جديد ومواجهة إيران التي تعد حليفاً استراتيجياً لموسكو.

وخلص دريزه إلى أنه "لم يحدث تدهور من هذا القبيل في عهد الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي باراك أوباما، ما يعني أنه ينبغي النظر إلى زعيمة الأغلبية الديمقراطية، رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وأنصارها، فربما ليسوا بهذه الدرجة من السوء"، على حدّ تعبيره. 

وكان مجلس الشيوخ الأميركي قد برأ ترامب، يوم الأربعاء الماضي، من التهمتين الموجهتين إليه، إذ صوّت أغلبية أعضائه الجمهوريين ضد العزل. من جهته، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف، في تصريحات أثناء مؤتمره الصحافي السنوي الكبير نهاية العام الماضي، أسباب محاكمة ترامب بأنها "مفتعلة" وتندرج ضمن استمرار الصراع السياسي الداخلي وسعي الحزب الديمقراطي الخاسر في الانتخابات الرئاسية لتحقيق النتائج بأساليب أخرى، مثل اتهام ترامب بالتآمر مع روسيا أولاً، ثم بالضغط على أوكرانيا بهدف فتح تحقيق بحق هنتر بايدن، نجل نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وأمس السبت، دعا السفير الأميركي الجديد لدى روسيا، جون ساليفان، إلى عدم انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة لتحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن، مقراً في حديث لقناة "إر بي كا" الروسية، بأن العلاقات الروسية الأميركية انخفضت إلى أدنى مستوى منذ انتهاء الحرب الباردة، ملخصاً مهمته في وقف تدهورها وتحسينها. وأشار السفير الأميركي إلى أن وجود خلافات مبدئية بين موسكو وواشنطن لا يعني عدم التزامهما بمواصلة الاتصالات مع بعضهما، موضحا أن الرئيس الأميركي كلفه بالقيام بكل ما في وسعه لذلك.

 
المساهمون