روسيا تشدد إجراءاتها: الإعلام يخفّف مؤامراته

06 ابريل 2020
دأبت البروباغاندا الروسية على نشر معلومات تضليلية (أوليغ نيكيشين/Getty)
+ الخط -
مع الارتفاع المستمر في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، شددت السلطات الروسية إجراءاتها، خلال الأسبوع الماضي. وأعلنت السلطات الاشتراعية الروسية حرباً على مروجي "الأخبار الكاذبة" في وسائل التواصل الاجتماعي، والمخالفين لقانون العزل الذاتي أو الحجر الصحي. وأقر مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، ومجلس الاتحاد (الشيوخ) على عجل، تشريعات تصل عقوبتها إلى السجن سبع سنوات وغرامات تصل إلى 7 ملايين روبل في حال التسبب في موت أحد المواطنين، كما صادق المشرعون على تعديلات تتيح للحكومة فرض حالة الطوارئ في البلاد.

وفي حين أغلقت أكثر من 40 مقاطعة وجمهورية في الاتحاد الروسي حدودها، وصف معارضون الإجراءات المتبعة في العاصمة موسكو من أجل الخروج من المنازل بأنها "معسكر اعتقال نازي رقمي"، محذّرين من أنّ السلطات سوف تواصل مراقبة معارضيها بعد انتهاء الجائحة، وأنّ القوانين الصارمة قد تُستغل لتكميم الأفواه، وتشديد رقابة الأمن مستقبلاً.

وبعد تعمّدها لأسابيع التقليل من خطورة فيروس كورونا وتقليل خطره على مواطني البلاد والترويج لنظريات المؤامرة بقصد التصويب السياسي، غيّرت وسائل الإعلام الروسية، في الأيام الأخيرة، لهجتها، فبدأت ببث فيديوهات تصور معاناة المصابين بالفيروس المستجد لحثّ المواطنين على الالتزام بقواعد الحجر الصحي. والتزم مقدّمو البرامج والأخبار في قناة "روسيا 24" منازلهم وباشروا تقديم البرامج من بيوتهم عبر "سكايب". وفي تحول لافت، أكثرت القنوات من استضافة أطباء وعلماء لمناقشة كورونا بعدما كانت تركّز سابقاً على استضافة خبراء في السياسية والاقتصاد، انصبّ اهتمامهم على تأثيرات الفيروس الخطيرة على أوروبا والولايات المتحدة، وتناقل نظريات المؤامرة، وحصانة "القلعة الروسية" في وجه المرض.

ويلقي كثير من الروس باللوم على وسائل الإعلام الروسية، في عدم التزام المواطنين الحذر، وتعاملهم المستهتر مع التهديد الوبائي، فقد دأبت البروباغاندا الروسية منذ انتشار فيروس كورونا في مقاطعة ووهان الصينية بداية العام الجاري، على نشر معلومات غير دقيقة، والترويج لنظريات المؤامرة، متهمة حينا المخابرات الأميركية بإنتاج الفيروس ونشره في الصين وحينا ملقية باللوم على الأغذية المعدلة جينيا وعلى حيتان المال العالميين الذين يريدون تحقيق مكاسب مالية إضافية من نشر الذعر بين سكان الكوكب.

ففي الوقت الذي بدأت فيه حكومات العالم باتخاذ إجراءات الحجر الصحي وإغلاق المدن وإيقاف الرحلات الجوية، استمر الإعلام الروسي في التأكيد على أن الفيروس الجديد لا يزيد خطورة عن الإصابة بالإنفلونزا "بل إن الإنفلونزا تقتل سنوياً أكثر بكثير من كورونا"، مادحاً "مناعة روسيا" ونجاعة الإجراءات الحكومية، ومكرراً أنّ هذا الفيروس "يهدد أوروبا وأميركا، أما روسيا فيحميها الله وبوتين"، الأمر الذي أدى -برأي خبراء- إلى "اكتساب المواطنين الروس مناعة ضد التحذيرات، وإيمانهم المطلق بأن فيروس كورونا ليس سوى مؤامرة جديدة هدفها نشر الذعر".

وفي استطلاع أجراه مركز "ليفادا" الروسي الاستقصائي من 19 إلى 25 آذار/مارس، شمل 1624 روسيا فوق سن 18 عامًا، أعرب أكثر من نصف الروس عن عدم قلقهم من احتمال الإصابة بفيروس كورونا، إذ أكد 25 بالمئة من المستطلعين عن ثقتهم المطلقة بأن الفيروس لن يصيبهم، واعتبر 29 في المائة أن الإصابة بالفيروس احتمال مستبعد، في حين أبدى 20 بالمئة فقط من الروس تخوفاً من العدوى.

لكن وسائل الإعلام بدأت تغيير تغطيتها بموازاة تصاعد الإجراءات الحكومية، وباتت تركز على ضرورة التزام المنازل، مع بعث تطمينات بأن العلماء الروس قادرون على إيجاد الحلول لعلاج الفيروس قريباً، والتأكيد أن إمكانات المشافي الروسية ستمنع تكرار السيناريوهات السيئة لتفشي المرض كما حدث في إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة. واستغلت وسائل الإعلام بعث مساعدات إلى إيطاليا والولايات المتحدة للإشارة إلى أن السلطات قادرة على التعامل مع الأزمة.

وتسارعت الإجراءات الروسية خلال الأسبوع الماضي، بعدما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم اتباع التعليمات الخاصة المفروضة للتخفيف من انتشار فيروس كورونا بأنها "إهمال جنائي". وشدد في اجتماع عبر الفيديو مع ممثليه في الدوائر الفيدرالية الروسية على ضرورة تنفيذ التعليمات في شكل صارم، موضحاً أنّ المهمة الأولى في إطار حملة مكافحة الفيروس تتمثل في تحديد مصادر انتشار الوباء في روسيا ومنع خروجه من هذا النطاق. ومع إشارته إلى أهمية أن "تكون إجراءاتنا مهنية وعقلانية"، حض بوتين على "ضرورة إبلاغ الناس بتطورات الأوضاع المتعلقة بفيروس كورونا والإجراءات التي تتخذها السلطات لمكافحة الوباء".

من جانبه، حضّ رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين حكام المقاطعات الروسية على دراسة إمكانية فرض إجراء حظر على غرار الحظر الذي فرضته مدينة ومقاطعة موسكو اعتباراً من الإثنين الماضي. وحذّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي حالياً ورئيس الوزراء السابق، دميتري مدفيديف، من "خطر حقيقي" على روسيا والبشرية جراء فيروس كورونا، وطالب الروس، في ظهورٍ نادر عبر رسالة على صفحته في "فيسبوك"، بالالتزام بتعليمات الحكومة، لكنه دعاهم إلى "عدم الفزع". وكان عمدة موسكو سيرغي سوبانيين، أعلن، مساء الأحد، عن تشديد القيود على تنقلات السكان داخل العاصمة منعا لتفشي كورونا، على خلفية فشل الإجراءات الحكومية في دفع المواطنين لالتزام بيوتهم خلال فترة عطلة العشرة أيام التي أعلنها بوتين اعتبارا من 28 مارس/ آذار الماضي للحدّ من انتشار المرض وطالب فيها المواطنين الالتزام ببيوتهم، والتي استغلها سكان موسكو يومي السبت والأحد الماضيين للخروج في نزهات وحفلات شواء جماعية، فلجأت سلطات المدينة "الغاضبة" إلى التشديد.

وخلافاً للدول التي أعلنت إغلاق مدنها وفرضت حظراً للتجول، اكتفت روسيا، حتى بداية الأسبوع الماضي، بمنع من تتجاوز أعمارهم الـ65 عاماً من مغادرة منازلهم، وإعلان إجازة عامة في البلاد تمتد من 28 آذار/ مارس وحتى الرابع من نيسان/إبريل.

وبعد ظهور التعليمات الخاصة بالخروج من المنازل التي تتضمن حسب صحيفة "كوميرسانت" الروسية التسجيل في موقع حكومة موسكو، وتقديم بيانات حول مكان الإقامة الفعلي ومكان العمل، وصورة شخصية، وبعدها يحصل المقيم في موسكو على "رمز خاص" (QR code) يجب نسخه على ورقة، أو المحافظة عليه في الهاتف الذكي، ويطلب في كل مرة ينوي فيها الخروج من المنزل إذنا خاصا يمكنه من ذلك. ويجب على الراغبين باستخدام سياراتهم إدخال رقمها من أجل السماح لهم بذلك. وقالت السلطات إن الأطباء والعاملين في المجال الصحي سوف يحصلون على الرمز والإذن في شكل آلي.

وأثارت الإجراءات حفيظة معارضين، فقد قال السياسي الليبرالي ليونيد فولكوف المقرب من المعارض ألكسي نافالني في صفحته على "تويتر" إن هذه الإجراءات غير مسبوقة ولم يتم تطبيقها حتى في وهان مركز تفشي الوباء العالمي، ومع إشارته إلى أن السلطات تفرض مراقبة شاملة لأغراض أخرى، وصف الإجراءات بأنها "معسكر اعتقال نازي رقمي". وتخشى المعارضة من استخدام كاميرات المراقبة المنتشرة في موسكو، وأجهزة التعرف على الوجوه مستقبلا لمنع أي حراك معرض في الشارع، كما تبدي خشيتها من أن القوانين الجديدة تسمح للسلطات بأن تعتقل أي مدون قد يكشف عن إخفاء السلطات الحقائق في ظل كورونا.
المساهمون