أما اليوم، فنشر القواعد العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم، وتعزيزها بأسلحة متوسطة وبعيدة المدى فتاكة، بما فيها صواريخ وقاذفات استراتيجية ثقيلة، يسمح بالسيطرة على البحر الأسود، بحر أزوف، آسيا الصغرى، وحدود رومانيا الجنوبية، إضافة إلى بلغاريا، روسيا، أوكرانيا، والقوقاز عموماً؛ وعلى السفن الأميركية المتمركزة حتى في البحر المتوسط.
سلاح جيوسياسي
ستظهر وحدات عسكرية جديدة من الجيش الروسي في القرم. ذلك ما أعلن عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 14 أغسطس/آب الجاري، أثناء لقائه مع برلمانيي روسيا الاتحادية ووزرائها في يالطا. فقد قال، إني "أريد أن أحيطكم علماً بأنّ وزارة الدفاع أعدت ملحقاً لبرنامج التسليح وبرنامجاً منفصلاً لتشكيل قوات عسكرية في القرم وتطويرها. ولقد صادقتُ على هذا البرنامج". وأضاف أنه "سوف تُزوّد الوحدات المقاتلة، في القرم، بأسلحة حديثة لا نظير لها في العالم".
ولم يبدأ تجهيز وحدات عسكرية مزدوة بأسلحة حديثة، للتمركز في القرم، مع حديث بوتين الأخير، فقد نقلت عنه وكالة "إيتار تاس" تأكيده أمام مجلس الأمن القومي الروسي، في 22 يونيو/حزيران الماضي، قوله إنه "بصرف النظر عما يقوله زملاؤنا الأجانب، فإننا نرى بوضوح ما يجري في الواقع. قوات الحلف الأطلسي على أراضي دول أوروبا الشرقية، يتم تعزيزها بصورة استعراضية، بما في ذلك في مياه البحر الأسود وبحر البلطيق".
وأوضح أنه "سنستجيب بشكل مناسب ومتكافئ لاقتراب بنية الأطلسي التحتية من حدودنا، وسنهتم بنشر المنظومة العالمية المضادة للصواريخ، وزيادة احتياطات الأسلحة الاستراتيجية العالية الدقة". وأكد أنهم "يكررون (الأطلسي)، على مسامعنا أن منظومة الدرع الصاروخية دفاعية. لا علاقة لهذا القول بالواقع، فهي منظومة هجومية، إنها جزء من منظومة الدفاع الهجومية الأميركية، وقد نقلت إلى مناطق محيطية قريبة من روسيا".
من جهته، تحدّث قائد الدائرة العسكرية الجنوبية الروسية، الأميرال أناتولي دولغوف، أثناء مؤتمر صحافي في وكالة "إنترفاكس يوغ"، في 24 يوليو/تموز الماضي، عن برنامج فيدرالي هادف، لتطوير تمركز أسطول البحر الأسود، حتى العام 2020. وقال في كلمته، إن "كلفة هذا البرنامج حوالى 2.5 مليار دولار، وقد أنفق منها إلى الآن حوالى 1.2 مليار دولار". وقد نقلت الوكالة عن مصادر مختلفة في هيئة أركان الأسطول تأكيدها، أن حاملة المروحيات "ميسترال" التي يتم بناؤها في حوض بناء السفن في سان نازير في فرنسا، ستنضم إلى أسطول البحر الأسود قبل نهاية العام 2015، ويتم تجهيز رصيف خاص من أجلها الآن في سيفاستوبول.
كما تحدث معاون وزير الدفاع الروسي، ديمتري بولغاكوف، عن التعديلات الجارية لتطوير أسطول البحر الأسود، فقال، بحسب ما نقلته وكالة "إيتار تاس" الروسية، إنه "تم تجهيز مركز إمداد مادي وتكنولوجي لأسطول البحر الأسود وتم تزويده باختصاصيين مؤهلين، وهو يعمل بكامل طاقته الآن".
وأضاف أن "وحدات عسكرية جديدة وأسلحة نوعية جديدة ستظهر في القرم. وفي الأعوام القريبة المقبلة، سيتم تزويد الأسطول بسفن قتالية جديدة من فئات مختلفة، إضافة إلى سفن الإمداد. وسيتم كذلك بناء مدن عسكرية ومراكز تدريب جديدة". وأكد أن "هذه البنية كلها تتطلب دعماً كاملاً ونوعياً، ومن أجل ذلك تم إنشاء مركز إمداد أسطول البحر الأسود".
في السياق، أُعلن عن تشكيل فوج مدفعية جديد لتغطية سواحل شبه جزيرة القرم، في الثاني من يوليو/تموز الماضي، وقد تم تسليحه بحوالى 300 قطعة من العتاد الحربي. إضافة إلى ذلك، ترابط في سيفاستوبول أفواج الحرب الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، وفقاً لصحيفة " موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية.
ويقول خبراء عسكريون، على موقع هذه الصحيفة، إن 50 صاروخاً من تلك التي تحملها القاذفة الروسية الثقيلة "تو-22 إم3" ومن صواريخ "إسكندر-إم" كفيلة بتدمير قواعد الدرع الصاروخية في رومانيا وبولندا.
وكان العسكريون الروس قد أعلنوا قبل ذلك عن تجديد كامل وتحديث للقوات الجوية في شبه جزيرة القرم مع حلول العام 2016، مؤكدين أن ذلك يشمل طائرات "سو-27" والطائرات المضادة للغواصات "تو-142"، و"غيل-38" وكذلك المروحيات "مي-27"، وكا-29".
مفاجآت بانتظار أميركا والأطلسي
المفاجأة العسكرية التي أعدتها روسيا للأطلسي، تتمثل بتمركز فوج من القاذفات الثقيلة "تو-22 إم3" في قاعدة "غفارديسكي"، الجوية في القرم. ومن شأن ذلك أن يغير ميزان القوى في عموم أوروبا. ويتساءل الخبراء هنا؛ لماذا " تو-22 إم3" من دون سواها؟ والجواب لأن نصف قطر دائرة عملياتها الحربية يبلغ ألفي كيلومتر، وهي مزودة بصواريخ مجنّحة من نمط "خ-22" ذات المدى المجدي (500 كيلومتر، وسرعة 4000 كيلومتر في الساعة، وبصواريخ "خ-15"، ذات المدى المجدي (250 كيلومتر وسرعة 6000 كيلومتر في الساعة).
ويمكن تزويد الصواريخ التي تحملها القاذفة "تو-22 إم3" برؤوس نووية. ورهان روسيا العسكري والسياسي على هذه الطائرات وصواريخها كبير، في مواجهة تمدد الأطلسي نحو حدودها. ومن أجل هذه الطائرات، يتم تطوير صاروح "خ-32"، الذي يمكن أن يدمر أهدافاً على مسافة 1000 كيلومتر.
وإذا ما أخذ بعين الاعتبار، مجال تحليق هذه الطائرة ومدى طيران صواريخها، يغدو واضحاً أنه يمكنها، انطلاقاً من قاعدة القرم، أن تصل إلى أبعد نقطة في أوروبا الغربية، ناهيك عن دول أوروبا الشرقية إلى حيث يدفع الأطلسي بقواته، بما فيها الأسلحة النووية التكتيكية والتقليدية ومكونات الدرع الصاروخية.
ويتوقف الخبراء العسكريون الروس عند سلاح آخر لا يسر أميركا وحلفاؤها الأوروبيين، هو صواريخ "إسكندر-إم"، التي سرعان ما تتحدث روسيا عنها رداً على "أنشطة الأطلسي المعادية". فالمدى المجدي لهذه المنظومة، تبعاً لنوع الصاروخ، تتراوح بين 500 و2000 كيلومتر. وهي صواريخ فائقة الدقة وقابلة للمناورة أثناء طيرانها، ولذلك تعجز منظومات الدفاع الجوي عن اصطيادها، علماً أن صواريخ "اسكندر" و"توشيك" ليس من الضروري أن تكون كثيرة، على حد قول بوتين.
يكفي روسيا للقضاء تماماً على قواعد الدرع الصاروخية في رومانيا وبولونيا وأية سفن تابعة للولايات المتحدة وكذلك قواعد الدرع الصاروخية في منطقة البحر الأسود والبحر المتوسط، 22 - 25 صاروخاً من نمط "إسكندر-إم"، وعدداً مماثلاً من الصواريخ المجنحة المحمولة على طائرات "تو-22 إم3". هذا ما يقوله الخبراء العسكريون، فيما النزال الجيوسياسي بين روسيا والغرب محتدم اليوم على مختلف الجبهات ودول احتكاك سياساتهما ومصالحهما، وبكافة الوسائل.