روسيا تزج بقوات في معارك ريف حماة: اعتراف بعجز قوات النظام ومليشياته

19 يوليو 2019
يواصل الروس قصفهم إدلب جواً(عبد العزيز كتاز/فرانس برس)
+ الخط -



بدّل صمود الفصائل المقاتلة التابعة للمعارضة السورية في شمال غربي سورية أمام قوات النظام ومليشيات تتبع لها، معطيات مهمة في معادلات الصراع العسكرية والسياسية، خصوصاً أن النظام يحاول منذ نحو 4 أشهر تحقيق تقدم ميداني ما، من أجل معركة الشمال، لكنه فشل في ذلك، ما دفع الجانب الروسي إلى الزج بقوات روسية خاصة للحيلولة دون اتساع دائرة عجز قوات النظام وتهالكها، أمام ضربات مقاتلي الفصائل الذين استنزفوا هذه القوات في الآونة الأخيرة، ما دفعها إلى استقدام تعزيزات إضافية إلى جانب القوات الروسية، التي يؤكد وجودها أن موسكو وأنقرة لم تردما هوّة الخلاف بينهما حيال مصير محافظة إدلب ومحيطها. ونقلت وكالة "رويترز" أمس الخميس، عن قياديين في فصائل المعارضة السورية المقاتلة في شمال غربي سورية قولهم إن "روسيا أرسلت قوات خاصة خلال الأيام الماضية للقتال إلى جانب قوات النظام ومليشيات تتبعها في ريف حماة الشمالي". وأضافت الوكالة أنه "رغم تمركز ضباط وجنود روس خلف خطوط المواجهة حيث يديرون العمليات ويستعينون بقنّاصة ويطلقون صواريخ مضادة للدبابات، فإنها المرة الأولى التي ترسل فيها موسكو قوات برية إلى ساحة المعركة في الهجوم الذي بدأ في نهاية إبريل/نيسان الماضي".

في السياق، قال النقيب ناجي مصطفى المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها إن "روسيا تزج بقواتها عندما تفشل قوات الأسد"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "روسيا تعرّضت للهزيمة في إدلب".

من جهته، اعتبر قائد "جيش العزة" جميل الصالح، أن "النظام وجد أنه في مأزق فاضطر أن يطلب من القوات الروسية أن تكون في الميدان"، فيما أكد المتحدث باسم "جيش النصر" محمد رشيد، أن "الإيرانيين استقدموا تعزيزات وهم يحاربون الآن في بعض الجبهات". ولكن مصادر قيادية في فصائل المعارضة السورية أكدت لـ "العربي الجديد" أن "زجّ الروس بقوات خاصة في معارك ريف حماة الشمالي ليس جديداً، مفصّلة بالقول لـ"العربي الجديد"، إن "مليشيا المخابرات الجوية بقيادة العميد سهيل الحسن، إضافة إلى (الفيلق الخامس اقتحام)، تعتبر عملياً قوات روسية وتأتمر بأمر ضباط روس بشكل مباشر". وأوضحت أن "هناك وحدة قتالية روسية خاصة تقوم بعمليات نوعية"، مضيفة أن "الوحدة ليست قتالية بشكل مباشر مع قوات النظام، بل تعمل بشكل منفرد، خصوصاً عندما تفشل قوات النظام والمليشيات بالسيطرة على نقطة معينة".

وأشارت المصادر إلى أن "هذه الوحدة قامت أكثر من مرة باقتحام مواقع وتسليمها بعد ذلك لقوات النظام"، مضيفة أن "هذه الوحدة لها مهام عدة، منها عمليات الاستطلاع، إذ أجرت منذ أيام عملية استطلاع في مناطق عدة في سهل الغاب شمال غربي حماة، من دون القيام بأي عمل عسكري. ويؤكد زج الروس لقوات خاصة في المعارك أنهم فقدوا الثقة بقوات النظام ومليشيا الحسن الملقب من قبل أنصاره بـ(النمر)، إذ تعرضت في الآونة الأخيرة لهزائم متتالية. ما دفع الروس إلى نقل هذه المليشيا لمنطقة جورين من أجل صدّ هجوم محتمل من قبل فصائل المعارضة على هذه المنطقة، التي تضم واحداً من أكبر المعسكرات لقوات النظام ومليشيات إيرانية".

ووقفت قوات النظام والمليشيات عاجزة تماماً عن التقدم في ريف حماة الشمالي، بل فشلت في استعادة موقعين هامين خسرتهما وهما الجبين وتل ملح، وتعرضت لهزيمة كبيرة في تل الحماميات الاستراتيجي منذ أيام، مع سيطرة فصائل المعارضة على التل قبل أن تضطر للانسحاب بسبب القصف الجوي الذي وُصف بـ "الهستيري" من قبل الطيران الروسي.



من جهته، أكد العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في جيش "العزة" أبرز فصائل "الجيش السوري الحر" في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود قوات روسية في ريف حماة الشمالي، مضيفاً، أنه "بسبب فشل المليشيات بدأ الروس بزج قواتهم". وأشار إلى أن "عدد القوات الروسية في ريف حماة الشمالي يقدّر بالمئات"، موضحاً أن "تسليحهم تسليح الجيش الروسي، وجرى قتالهم بأكثر من موقع".

من جهتها نفت روسيا تدخلها البري، ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها إنه "لم تكن لروسيا وليس لديها حالياً قوات برية في سورية". ومنذ تدخلهم المباشر في سورية بدءاً من 30 سبتمبر/أيلول عام 2015، دفع الروس بقوات خاصة في العديد من جبهات القتال، خصوصاً في جنوب سورية وفي غوطة دمشق الشرقية وفي ريف حمص الشمالي. وهو ما أدى دوراً مهماً في حسم الموقف لصالح قوات النظام، لكون الأخيرة عاجزة عن التقدم على الأرض من دون غطاء ناري جوي كثيف من قبل الطيران الروسي، الذي كان له الدور الكبير في اضطرار المعارضة على الانسحاب من أبرز مناطق سيطرتها في البلاد، ولجوئها الى الشمال الغربي من سورية مجتمعة.

كما قاتل مرتزقة روس ضد تنظيم "داعش" في مدينة تدمر بقلب البادية السورية، وتبيّن لاحقاً أن هدفهم التنقيب والبحث عن آثار في المنطقة لغاية بيعها في الأسواق العالمية، فقد أكدت مصادر محلية أن "الروس أجروا عمليات تنقيب واسعة في محيط تدمر". وفي فبراير/ شباط 2018، قُتل عدد من المرتزقة الروس بقصف من طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة استهدفهم أثناء محاولتهم السيطرة على حقل غاز هام في ريف دير الزور الشرقي، تسيطر عليه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي. وادّعت موسكو في حينه أن "القتلى ليسوا جنوداً روساً"، لكن وسائل الإعلام الروسية أكدت أن العديد من الروس يقاتلون في سورية كمرتزقة، خصوصاً لصالح شركة عسكرية خاصة تدعى "مجموعة واغنر".

ويأتي زج الجانب الروسي لقوات خاصة في معارك الشمال الغربي من سورية تأكيداً جديداً على اتساع هوة الخلاف بين موسكو وأنقرة حيال الموقف في محافظة إدلب ومحيطها. ويبدو أن موسكو لا تزال تصر على موقفها القائم على فرض أمر واقع جديد في المنطقة واعتراف الجانب التركي بالحدود المستجدة بعد بدء التصعيد الأخير أواخر إبريل الماضي، قبيل إيقاف إطلاق النار. وهو ما رفضته تركيا والفصائل بشكل قاطع. وتحاول موسكو تحقيق تقدم كبير على الأرض قبيل انعقاد الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة مطلع الشهر المقبل، في مسعى لفرض رؤيتها حيال الموقف في الشمال الغربي من سورية.

من جانبه، استبعد المتخصص في الشأن الروسي، الكاتب السوري طه عبد الواحد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تُقدم موسكو على نشر قوات رسمية في ميدان المعركة، لأنها منذ البداية كانت حريصة على دعم عمليات النظام العسكرية بأسلوب وأدوات لا تضع الجندي الروسي في مواجهة الموت مباشرة، لأنها لا تريد تكرار سيناريو أفغانستان". واستدرك بالقول: "نشر تلك القوات جاء على الأرجح في إطار تفاهمات ما روسية - تركية، وهي مؤشر على شيء ما تم التحضير له في المنطقة، من قبيل وقف لإطلاق النار مع ضمانات أن لا يتم انتهاكه هذه المرة". ولفت إلى أنه "إذا كانت القوات المنتشرة في ريف حماة الشمالي تابعة للشركات العسكرية الروسية الخاصة، فإن مقتل عدد من عناصرها في ساحة المعركة لا يحرج السلطات الروسية أمام الرأي العام لأنها لا تعترف بهم كقوات رسمية"، مضيفاً أنه "في هذه الحالة فإن انتشارها ربما جاء لتغطية العجز في ساحة المعركة، وتمهيدا لعملية أوسع، تهدف إلى تحقيق قوات النظام تقدماً على الأرض بعد فشلها طيلة الفترة الماضية".