روسيا تحفّز الإنجاب بمعونات عائلية

04 يناير 2018
موسكو مددت برنامج "رأس مال الأم" (صفا كراكان/ الأناضول)
+ الخط -

مع تفاقم مشكلة تراجع أعداد المواليد، تسعى السلطات الروسية إلى تحفيز الإنجاب من خلال تقديم دعم مادي إضافي للعائلات ابتداءً من عام 2018، وسط ترجيحات أنّ هذه الخطوة تندرج ضمن حملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/ آذار المقبل، والتي سيخوضها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من دون أن تتعامل مع الأسباب الجوهرية للتراجع.

وقبيل الإعلان عن ترشّحه بشكل رسمي، اقترح بوتين رفع معونة الطفل من نحو ثلاثة آلاف روبل روسي (نحو 50 دولاراً أميركياً) إلى 10 آلاف و500 روبل (نحو 180 دولاراً) شهرياً كمعدّل وسط على مستوى البلاد. وقرّر كذلك تمديد برنامج "رأس مال الأم" لمدّة ثلاثة أعوام، حتى عام 2021، وهو معونة تبلغ نحو سبعة آلاف و500 دولار وتستفيد منها كل أسرة روسية عند إنجابها طفلها الثاني أو تبنيه فصاعداً. وعلاوة على ذلك، كشف بوتين أنّ العائلات التي تضمّ طفلين فأكثر، قد تستفيد من قروض رهن عقاري مدعومة من الدولة لتحسين ظروف سكنها.

لكنّ مدير معهد الديموغرافيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أناتولي فيشنيفسكي، لا يتوقع أن تُحدث الإجراءات الجديدة طفرة طويلة الأمد في عدد المواليد، مثلما لم تحدثها القرارات الدعائية السابقة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "من أحد الجوانب، يجب بالطبع الترحيب بعون الدولة للعائلات الشابة. لكن من جانب آخر، ثمّة تساؤلات أخلاقية تُطرَح حول هذا الموقف، إذ إنّ الناس لن ينجبوا إلا في حال دُفع لهم المال، وكأنّ الدولة تشتري أطفالاً من والديهم".

وحول مدى فاعلية الإجراءات المماثلة السابقة، يشير فيشنيفسكي، إلى أنّ "تجربة منح رأس مال الأم للعائلات هي جزرة مشروطة، إذ لا يمكن صرفه إلا على تحسين ظروف السكن أو تعليم الأبناء أو زيادة معاش التقاعد للأم في المستقبل. وقد أسفرت هذه المعونة عن زيادة معدلات الإنجاب على المدى القصير فقط، وبذلك أدّت دورها الدعائي، ثم تراجعت المواليد مرة أخرى". ويحذّر من أنّ "دعم العائلات قد يؤدّي إلى طفرة في المواليد في السنوات القليلة المقبلة، قبل أن تليها سنوات أخرى من التراجع".


وبحسب تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في موسكو تحت عنوان "التحديات الديموغرافية أمام روسيا" الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإنّ قلة الإنجاب "مترسخة في نمط الحياة الحديث لكلّ الدول التي تملك مستوى التنمية نفسه مثل روسيا". وأعاد التقرير ذلك إلى قلة النساء في سنّ الإنجاب (20 - 40 عاماً)، متوقعاً استمرار هذا التوجّه، خلال خمسة عشر عاماً المقبلة، لينخفض عددهنّ بنحو الثلث بحلول بداية ثلاثينيات هذا القرن". وقد رأى معدّو التقرير، أنّ أفضل السيناريوهات لأعداد المواليد لن تعوّض تراجع عدد الأمهات المحتملات ومعدلات الإنجاب لكلّ امرأة، مستبعدين احتمال عودة معدل الإنجاب إلى مستوى منتصف القرن الماضي والذي كان يبلغ 1.8 - 1.9 إنجاب لكلّ امرأة.

إلى ذلك، يرى فيشنيفسكي أنّ مشكلة تراجع عدد سكان روسيا يجب حلها بزيادة متوسط الأعمار المتوقعة أولاً ثم زيادة المواليد، ويقول في هذا السياق: "صحيح أنّ الوضع مع عدد المواليد صعب في العالم أجمع، لكنّ الدول المتقدمة بمعظمها تمكّنت من تجاوز مشكلة الوفيات المبكرة. أمّا نحن، للأسف لا نلاحظ نشاطاً كبيراً من قبل الدولة في هذا المسار".

وعلى الرغم من نجاحات روسيا، خلال السنوات الماضية، في رفع متوسط الأعمار المتوقعة إلى 72 عاماً (68 عاماً للرجال و77 عاماً للنساء) وهو أعلى مستوى تاريخياً، فإنّ معدلات الوفيات تجاوزت عدد المواليد بمقدار 17 ألفاً، بحسب بيانات النصف الأول من العام المنصرم 2017.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد سكان روسيا كان يبلغ 148 مليون نسمة عند تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، لكنّه بدأ يتراجع وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، لينخفض إلى ما دون 143 مليوناً بحلول عام 2007 قبل أن يبدأ منذ عام 2009 في الازدياد مدفوعاً بحركة تدفّق المهاجرين وارتفاع عدد المواليد بالمقارنة مع عدد الوفيات بصورة طفيفة، وصولاً إلى 146 مليون نسمة بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014.

أطر زمنية محددة

في 13 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، تبنّى مجلس الدوما الروسي في القراءة الأولى بالإجماع، مشروعَي قانونَين من شأنهما تحفيز الإنجاب من خلال صرف معونة الطفل الأول وتمديد برنامج "رأس مال الأم". لكنّ ثمّة أطراً زمنية محددة للامتيازات الجديدة، من قبيل صرف معونة الطفل الأول لمدة عام ونصف العام فقط، وثلاثة أعوام للفائدة الميسّرة على قرض الرهن العقاري، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى فاعليتها على المدى البعيد.