19 ابريل 2021
روسيا تحت الضغط
تتعرّض روسيا لضغوط متنوعة، يرجع بعضها إلى ما أصابها من غرور، بعد نجاح حملتها الجوية في رفع الضغوط عن الأسد، وإعادة جزء كبير من الجغرافيا السورية إليه، واستدراج فصائل إلى مسار إرادته موازياً ثم بديلاً لمسار جنيف، هو مسار أستانة الذي أقنعهم بأنه يضع جميع خيوط الأطراف السورية في أيديهم، ويهمش الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التفاوض العليا، ويقيد صلاحياتهما بفضل "منصّاتٍ" يمكن أن تخترقهما وتقدم تمثيلاً موازياً، ثم بديلاً لهما، يتبنى خطاً في الحرب والسلم قريباً من خط روسيا. وقد بلغ الغرور الروسي حداً تسبب في توريط ساستها بما واجه مقترحها هذا من مصاعب أحبطت عقد مؤتمر"شعوب" سورية في قاعدة حميميم التي تقصف السوريين بدوام كامل نهاري/ ليلي، ثم في مطار دمشق الدولي، وأخيراً في سوتشي على البحر الأسود، حيث غدا المؤتمر "وطنياً سورياً"، سيدعى إليه نحو 1500 شخص. وحين قاطعه الائتلاف والهيئة العليا وحزب الشعب، وانضمت إليهم هيئة التنسيق، ومجموعات أخرى بينها اتحاد القبائل والعشائر السورية وفصائل عسكرية أستانية وشخصيات وطنية عديدة، أعلنوا أنهم لم يحدّدوا موعده الذي كان مقرّراً يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في نص دعوتهم الموجهة إلى 33 فصيلاً ومنظمة حزبية وسياسية.
يبدو أن نجاحات موسكو أقنعتها بأنه لن يوجد في سورية من يرفض أو يستطيع أن يرفض لها طلباً، وأن خيوط اللعبة التي في أيديها همشت خصومها وشلتهم، ما يفسر دعوة "شعوب" سورية إلى مؤتمرٍ يعقد في قاعدة عسكرية تحتل الساحل السوري، لبلورة تصورٍ يعتمده مجلس الأمن الدولي حلاً نهائياً، فلا يبقى جنيف ولا من يتفاوضون، ولا قرارات دولية ولا من يقرّرون. فشلت هذه الخطوة، لكن فشلها لم يقنعهم بأنهم ليسوا في مستوىً يمكنهم من ممارسة سياسة: نحن نقرّر وأنتم تنصاعون، نحن ننفرد بالحل وأنتم تقبلون.
ليس هذا الفشل الذي يعتبره كثيرون عابراً أهم ما واجهته موسكو من تطوراتٍ في الأسابيع الماضية، فقد أعلنت واشنطن خطوتين، يحول التزامها بهما دون انفراد الكرملين بالحل: الامتناع عن إعادة إعمار سورية بوجود الأسد، وبقاء وحداتها العسكرية في سورية إلى أن يتحقق حل سياسي، يتفق مع فهمها للسلام، في إشارة صريحة إلى أنها قرّرت منح نفسها صلاحياتٍ تضع حدوداً للدور الروسي في سورية، من خلال رفض تمويل إعادة الإعمار، وإبقاء وجودها العسكري في سورية، فالامتناع يرمي إلى منع إعادة إعمار سورية ما دام بشار الأسد رئيسها. لذلك، تريد واشنطن وضع روسيا أمام مهمةٍ تتخطى قدراتها الاقتصادية، ودفعها إلى التفاهم معها على حلٍّ يحد من وجود إيران العسكري/ الأمني في سورية، بدءاً من الجنوب، حيث توصلت الدولتان إلى اتفاقٍ يقول بـ "خفض"، وفي نهاية المطاف "سحب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب" من منطقة درعا والسويداء والجولان، لكن موسكو وجدت نفسها أمام عجزها عن مطالبة إيران بسحب قواتها ومرتزقتها من المنطقة. لذلك زعمت أن هذه القوات دخلت البلاد بطلبٍ من حكومتها الشرعية.
ليس صحيحاً، كما تؤكد بعض الأقوال، أن "الشغلة خالصة" بين واشنطن وموسكو في سورية. الصحيح أنه بقدر ما نقترب من الحل السياسي سيكون هناك تراجع في أدوار الأطراف الداخلية والإقليمية لصالح الجبارين، وبروز مشكلات روسية/ إيرانية بشأن الجهة التي ستفوز بالموقع الأول في سورية، وخلافات أميركية/ روسية تشير إلى هويتها، العقبتان اللتان تضعهما أميركا في طريق الجهود الروسية التي تكثف نشاطها ردّاً على تزايد الانخراط الأميركي المتسارع والمباشر في قضايا السلام، لتتفادى ما قد يجبرها على البحث عن حلٍّ يغلب مصالح أميركا وأهدافها.
ليس وضع روسيا مريحاً، بما أن مواجهة واشنطن سترغمها على مراضاة إيران وتركيا، لكسبهما إلى جانبها في تجاذباتها مع واشنطن، بينما يعقد الأسد اتفاقية عسكرية مع طهران، يأمل أن تساعده على الحد من ضعفه حيال الكرملين، ويعلن ولايتي مستشار المرشد الإيراني، من دمشق، أن قواتهما ستحتل الرقة، المحمية أميركياً، وإدلب منطقة تركية بامتياز، تأكيداً لرفضهما تسهيل الحل السياسي الذي لن ينجز من دون تنازلات روسية متصاعدة لهما.
لسنا أمام حل دولي توفرت مقوماته، نحن أمام وهم روسي يتصور أن الحل قرار يتخذه بوتين، وينصاع له الآخرون.
يبدو أن نجاحات موسكو أقنعتها بأنه لن يوجد في سورية من يرفض أو يستطيع أن يرفض لها طلباً، وأن خيوط اللعبة التي في أيديها همشت خصومها وشلتهم، ما يفسر دعوة "شعوب" سورية إلى مؤتمرٍ يعقد في قاعدة عسكرية تحتل الساحل السوري، لبلورة تصورٍ يعتمده مجلس الأمن الدولي حلاً نهائياً، فلا يبقى جنيف ولا من يتفاوضون، ولا قرارات دولية ولا من يقرّرون. فشلت هذه الخطوة، لكن فشلها لم يقنعهم بأنهم ليسوا في مستوىً يمكنهم من ممارسة سياسة: نحن نقرّر وأنتم تنصاعون، نحن ننفرد بالحل وأنتم تقبلون.
ليس هذا الفشل الذي يعتبره كثيرون عابراً أهم ما واجهته موسكو من تطوراتٍ في الأسابيع الماضية، فقد أعلنت واشنطن خطوتين، يحول التزامها بهما دون انفراد الكرملين بالحل: الامتناع عن إعادة إعمار سورية بوجود الأسد، وبقاء وحداتها العسكرية في سورية إلى أن يتحقق حل سياسي، يتفق مع فهمها للسلام، في إشارة صريحة إلى أنها قرّرت منح نفسها صلاحياتٍ تضع حدوداً للدور الروسي في سورية، من خلال رفض تمويل إعادة الإعمار، وإبقاء وجودها العسكري في سورية، فالامتناع يرمي إلى منع إعادة إعمار سورية ما دام بشار الأسد رئيسها. لذلك، تريد واشنطن وضع روسيا أمام مهمةٍ تتخطى قدراتها الاقتصادية، ودفعها إلى التفاهم معها على حلٍّ يحد من وجود إيران العسكري/ الأمني في سورية، بدءاً من الجنوب، حيث توصلت الدولتان إلى اتفاقٍ يقول بـ "خفض"، وفي نهاية المطاف "سحب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب" من منطقة درعا والسويداء والجولان، لكن موسكو وجدت نفسها أمام عجزها عن مطالبة إيران بسحب قواتها ومرتزقتها من المنطقة. لذلك زعمت أن هذه القوات دخلت البلاد بطلبٍ من حكومتها الشرعية.
ليس صحيحاً، كما تؤكد بعض الأقوال، أن "الشغلة خالصة" بين واشنطن وموسكو في سورية. الصحيح أنه بقدر ما نقترب من الحل السياسي سيكون هناك تراجع في أدوار الأطراف الداخلية والإقليمية لصالح الجبارين، وبروز مشكلات روسية/ إيرانية بشأن الجهة التي ستفوز بالموقع الأول في سورية، وخلافات أميركية/ روسية تشير إلى هويتها، العقبتان اللتان تضعهما أميركا في طريق الجهود الروسية التي تكثف نشاطها ردّاً على تزايد الانخراط الأميركي المتسارع والمباشر في قضايا السلام، لتتفادى ما قد يجبرها على البحث عن حلٍّ يغلب مصالح أميركا وأهدافها.
ليس وضع روسيا مريحاً، بما أن مواجهة واشنطن سترغمها على مراضاة إيران وتركيا، لكسبهما إلى جانبها في تجاذباتها مع واشنطن، بينما يعقد الأسد اتفاقية عسكرية مع طهران، يأمل أن تساعده على الحد من ضعفه حيال الكرملين، ويعلن ولايتي مستشار المرشد الإيراني، من دمشق، أن قواتهما ستحتل الرقة، المحمية أميركياً، وإدلب منطقة تركية بامتياز، تأكيداً لرفضهما تسهيل الحل السياسي الذي لن ينجز من دون تنازلات روسية متصاعدة لهما.
لسنا أمام حل دولي توفرت مقوماته، نحن أمام وهم روسي يتصور أن الحل قرار يتخذه بوتين، وينصاع له الآخرون.