روسيا تبيع النفط بالذهب لتحجيم الدولار

26 نوفمبر 2014
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ممسكا سبيكة من الذهب(فرانس برس)
+ الخط -

في الربع الثالث من العام الجاري، اشترت روسيا 55 طناً من الذهب، وهذه الكمية وفق المعطيات الرسمية المنشورة أكبر مما اشترت جميع مصارف العالم المركزية مجتمعة في الفترة نفسها.

وتبعاً لحسابات صندوق النقد الدولي، فقد شغلت روسيا، بمعيار احتياطات الذهب، المرتبة الخامسة، بعد الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا، فيما هي تجازوت الصين في احتياطاتها من المعدن الأصفر الثمين.

مزيد من الذهب

في السنوات السبع الأخيرة، راح المصرف المركزي الروسي يشتري الذهب، ويحتاط منه بانتظام ودون صخب إعلامي، فما الذي يقف وراء هذه السياسة؟ للإجابة عن هذا السؤال، لجأت صحيفة "دي ويلت" (Die Welt) الألمانية إلى الخبراء، فانتهت إلى أن بداية نمو احتياطات الذهب الروسية تزامنت مع أزمة السوق العقارية الأميركية، فمنذ بداية العام الجاري زادت احتياطات المعدن الأصفر 70 طناً، لتحقق على مدى 12 شهراً زيادة مقدارها 10%، علماً بأن احتياطي روسيا من الذهب بلغ في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري 1149.8 طن، وفقا لموقع "غولدومانيا.رو".

آراء الخبراء الذين سألتهم الدورية الألمانية عن هدف روسيا من وراء مضاعفة احتياطات الذهب، جاءت متباينة. ومع أن الأغلبية يعتقدون أن الأمر يعود حصراً إلى أسباب اقتصادية، إلا أنّ هناك من يرى في الأمر نهجاً روسياً لزيادة احتياطات الذهب كجزء من استراتيجية جيوسياسية، وأنّ الحديث يمكن أن يدور عن الاستعداد لـ"حرب مالية مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، إذ إن روسيا من خلال امتلاكها الذهب، يمكنها في حالات الطوارئ أن تشتري به من الدول الصديقة السلع الضرورية".

إلاّ أن قيمة احتياطات الذهب الروسية الحالية، وفق سعر السوق، ليست عظيمة، فهي لا تتجاوز 34 مليار يورو. وأن هذا المبلغ قليل جديداً لخلق روبل قوي يمكن أن ينافس الدولار أو يكون بمثابة عملة احتياطية. فاحتياطي الولايات المتحدة الأميركية من الذهب يبلغ 8100 طن، وقيمته السوقية حوالى 240 مليار دولار.

حرب الأصفر والأخضر

خدمة للحلم القومي الروسي في التضييق على الدولار أو حتى الاستغناء عنه، نشر الخبير الاقتصادي ديمتري كالينينتشينكو، الأسبوع الماضي، مقالاً تحت عنوان "الفخ الغربي لبوتين"، على موقع بيت الخبرة "إينفيست كافي.رو"، وقد فاق عدد متابعيه خلال أقل من أسبوع مائة ألف، جاء فيه أن الباحثين البريطانيين توصلوا من فترة قريبة إلى الاستنتاج نفسه الذي سبق أن نشرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية من عدة سنوات، وهو أنه لا غنى لأوروبا عن إمدادات الطاقة الروسية، وأنها لا تستطيع العيش دونها، وبالتالي، فالعالم الغربي القائم على هيمنة البترودولار في وضع كارثي، وعلى روسيا أن تعرف كيف تستغل ذلك، ولا تقبل بيع نفطها وغازها إلا مقابل الذهب.

فهنا يبدأ ما يبدو أنه إيحاء للحكومة الروسية أن تخطو خطوة غير واقعية، سواء من جهة عجز روسيا عن إعادة العالم إلى التعاطي بالذهب بدل الدولار، أم من ناحية حاجتها إلى الدولار لتغطية بنود ميزانيتها المحسوبة بالروبل. ولذلك فليس غريباً أن يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فائدة للميزانية الروسية الفيدرالية في ارتفاع سعر الدولار، بصرف النظر عن الانعكاسات السلبية على قدرة المواطنين الشرائية.

وهكذا، يدفع بيت الخبرة "إينفيست كافي"، عبر مقال كاتبه، نحو اشتراط تسديد سعر النفط والغاز بالذهب. فيقول كالينينتشينكو إن الغرب لا يمكن أن يستمر من دون إمدادات النفط والغاز من روسيا، ويتصور أن تكون روسيا اليوم قادرة على فرض بيع نفطها وغازها للغرب مقابل ذهب فعلي حصراً.

والأهم في النقلة الروسية المتوخاة هو أن آلية بيع مصادر الطاقة للغرب ستعمل بصرف النظر عن موافقة المشترين على التسديد بالذهب أم لا، "لأنّ أوروبا مضطرة إلى ذلك"، كما يقول كالينينتشينكو، ويضيف أن الغرب لم يسبق أن واجه مثل هذه الظاهرة الاقتصادية التي نشهدها الآن. فروسيا الحالية تشتري مزيدا من الذهب في مواجهة انخفاض سعر النفط، على عكس الاتحاد السوفييتي الذي راح يبيع احتياطاته من الذهب مع استمرار انخفاض أسعار النفط، وصولا إلى انهيار الاقتصاد السوفييتي ثم انهيار الامبراطورية السوفييتية برمتها.

ونحو مزيد من الحلم الروسي، يرى كالينينتشينكو أن تشتري روسيا البضاعة الصينية مباشرة بالذهب، وفق الأسعار الجارية، مقابل أن تشتري الصين مصادر الطاقة الروسية بالذهب أيضا، نحو إزاحة الدولار والتقليل من أهميته في التداول التجاري الدولي أو منظومة النقد الدولية، بحيث يتحول من حلقة أخيرة للتراكم في السلسلة المالية إلى وسيط مرحلي للتسديد، نحو أن يغدو الذهب الحلقة التراكمية الأخيرة. وهذا هو المتوخى من سياسات مجموعة "بريكس"، وفق تفسير كالينينتشينكو.

وفي السياق، يلفت موقع "فينانس.رو" إلى أن من يشتري الذهب اليوم هي البلدان التي تساند روسيا في الحلبة الدولية، وأن الصين هي أول من يقوم بذلك. فالأخيرة تشتري المعدن الأصفر منذ فترة طويلة بالتوازي مع إنشاء مركز عالمي لتجارة الذهب. كما أن حجم تداول الذهب في بورصة شنغهاي يزداد باضطراد، علما بأن التداول في البورصة الصينية يتم بذهب حقيقي وليس بمعادل مالي للذهب.

ويشار هنا إلى أن الصين هي الدولة الأجنبية الأولى في حجم الإقراض للولايات المتحدة الأميركية. إلا أنها، كما يبدو، تعيد في الآونة الأخيرة النظر في سياسة الاستثمار في سندات الخزينة الأميركية، كي لا تصبح أسيرة أموالها هناك. فقد قامت في ديسمبر/كانون الأول 2013 بأكبر تخفيض لاستثمارها في سندات الخزينة الأميركية منذ 2011، بنحو 47.8 مليار دولار، كما يقول موقع أخبار المال الروسي "فيستي فينانس.رو"، في مقابل سعيها لزيادة احتياطاتها من الذهب.

دلالات