19 نوفمبر 2024
رواية كبيرة.. النسوية الجهادية
للمرة الأولى، تنظر محكمة أمن الدولة الأردنية في قضية امرأة متهمة بترويج أفكار تنظيم داعش. قبل ذلك لم تشهد المحكمة سوى قضية واحدة لعراقية كانت تريد المشاركة بتفجيرات عمان 2005، هي ساجدة الريشاوي التي حكمت بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم أخيرا.
الخشية أنّ هذه الحالة التي فاجأت الشارع الأردني لن تكون فريدة أو استثنائية، فمن الواضح أنّنا أمام تحولاتٍ عميقة، على صعيدي الكم والنوع في مشاركة المرأة في التنظيمات الجهادية المتطرّفة، ما يمكن أن نطلق عليه وصف "الطفرة" النسوية التي حدثت مع صعود تنظيم داعش الذي استطاع استقطاب أعداد كبيرة من النساء وتجنيدهن وجذبهن، وبرزت "نساء جهاديات" في الأعوام الأخيرة، قيادات وناشطات فاعلات في هذا التنظيم.
تتحدّث أغلب الدراسات عن قرابة 550 امرأة "هاجرن" من أوروبا وحدها للالتحاق بالتنظيم في العراق وسورية، لكن، في المقابل، لا توجد أي إحصائيات أو أرقام تقريبية علمية لحجم مشاركة النساء العربيات، وهو، وفقاً لتقديرات منطقية، كبير، ممن هاجرن أو التحقن بأراضي التنظيم، فضلاً عن السوريات والعراقيات اللواتي أصبحن لأسباب عديدة، أبرزها القرابة والمصاهرة، جزءاً من التنظيم.
في أثناء الإعداد لكتابنا الجديد "عاشقات الشهادة.. تشكلات النسوية الجهادية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية" (متوفر إلكترونياً على موقع مؤسسة فريدريش أيبرت، مكتب عمّان، وقيد الترجمة للإنكليزية والألمانية) قمت، مع زميلي حسن أبو هنية، بمراجعة واسعة لتطور دور المرأة في الجماعات الجهادية، وصولاً إلى تنظيم الدولة، والتحولات التي حدثت خلال العقود الأخيرة في هذا المجال، وبمتابعة عشرات القصص للنساء الجهاديات من العالم العربي والغرب ودراستها.
المشكلة الكبيرة التي واجهتنا في عسر المعلومات المرتبطة بالجهاديات العربيات وندرتها والتباسها، وبعدم حيادية الإعلام العربي المرتبط بالرواية الأمنية، والعتمة المعرفية تزداد بصورة كبيرة في حال تحدّثنا عن العراقيات والسوريات، إذ تكاد تختفي النماذج والمصادر المعلوماتية المتاحة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل مصدراً رئيساً للبحث عن الجهاديات ورواياتهن من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
لكن الملاحظة المدهشة كانت في مرحلة البحث والدراسة تتمثل في أنّنا عندما بدأنا بفكرة البحث كنّا نظن أنفسنا أمام موضوع جزئي، لاستكمال دراسة تنظيم الدولة الإسلامية، واختبار الفرضيات السخيفة التي راجت في الإعلام العربي عن "زواج النكاح" وغيرها، لنجد أنفسنا مع التعمق أكثر في البحث والمعلومات والتحقيقات أمام عالمٍ كامل كبير ومرعب، ويكتنفه غموض كبير، من نساء كثيراتٍ دخلن إلى التيار الجهادي، بدوافع متعدّدة، ولأسباب مختلفة، وفي ظروف سياسية مجتمعية معقدة، وما نقرأه ونسمع به اليوم من قصص عن النساء الداعشيات ما يزال بمثابة رأس جبل الجليد، أمام أجزاء أخرى عديدة كبيرة، ما تزال مجهولة وغير مدروسة بصورة دقيقة وموضوعية.
لم تعد المرأة فاعلاً ثانوياً، كما كانت سابقا، وليست فقط هي "زوجة الجهادي"، ولا تقتصر وظيفتها على الدعم المعنوي والمنزل، أصبحت المرأة هي نفسها "جهادية"، وتقوم بأدوار رئيسة، في عملية التجنيد والدعاية و"الحسبة"، وحتى الأعمال القتالية والانتحارية، ليس فقط في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، بل في دولٍ كثيرة ينشط فيها عناصره وأفراده.
لدينا اليوم عشرات الحالات النسوية المعروفة، من بينها فتيحة المجاطي ومليكة العرودي، والفقيهة الأولى في تنظيم داعش، الدكتورة إيمان مصطفى البغا، والأوروبيات والغربيات المعروفات، ونساء آخريات، مثل وفاء الشهري زوجة سعيد الشهري الذي قتل، وكان قائداً في قاعدة الجزيرة العربية، ووفاء اليحي التي قتلت، وكانت زوجة الزرقاوي، وهي سعودية حاصلة على الدراسات العليا، وعشرات الأسماء من الطبيبات والحاصلات على شهادات عليا، مثل تاشفين مالك، وطالبات الطب السودانيات، وغيرهن.
لم نعد أمام قصصٍ لأفراد من الذكور، بل أصبحنا أمام مجاميع من الأطفال والنساء والرجال، وعائلات، ليس فقط في مناطق التنظيم، بل في دول ومجتمعات أخرى. ومن مراقبة شبكات الزواج والمصاهرة والعلاقات الاجتماعية والصداقات، نجد أنّ الخيوط وثيقة بين حالات كثيرة، وأمام مرحلة جديدة فيها زوجات الجهاديين "جهاديات" وأبناؤهم وأشقاؤهم أصبحوا "جهاديين".. لكن للأسف ما تزال المقاربات العربية متأخرة كثيراً عن إدراك هذه التحولات التراجيدية والمرحلة الجديدة.
تتحدّث أغلب الدراسات عن قرابة 550 امرأة "هاجرن" من أوروبا وحدها للالتحاق بالتنظيم في العراق وسورية، لكن، في المقابل، لا توجد أي إحصائيات أو أرقام تقريبية علمية لحجم مشاركة النساء العربيات، وهو، وفقاً لتقديرات منطقية، كبير، ممن هاجرن أو التحقن بأراضي التنظيم، فضلاً عن السوريات والعراقيات اللواتي أصبحن لأسباب عديدة، أبرزها القرابة والمصاهرة، جزءاً من التنظيم.
في أثناء الإعداد لكتابنا الجديد "عاشقات الشهادة.. تشكلات النسوية الجهادية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية" (متوفر إلكترونياً على موقع مؤسسة فريدريش أيبرت، مكتب عمّان، وقيد الترجمة للإنكليزية والألمانية) قمت، مع زميلي حسن أبو هنية، بمراجعة واسعة لتطور دور المرأة في الجماعات الجهادية، وصولاً إلى تنظيم الدولة، والتحولات التي حدثت خلال العقود الأخيرة في هذا المجال، وبمتابعة عشرات القصص للنساء الجهاديات من العالم العربي والغرب ودراستها.
المشكلة الكبيرة التي واجهتنا في عسر المعلومات المرتبطة بالجهاديات العربيات وندرتها والتباسها، وبعدم حيادية الإعلام العربي المرتبط بالرواية الأمنية، والعتمة المعرفية تزداد بصورة كبيرة في حال تحدّثنا عن العراقيات والسوريات، إذ تكاد تختفي النماذج والمصادر المعلوماتية المتاحة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل مصدراً رئيساً للبحث عن الجهاديات ورواياتهن من الباحثين والمتخصصين في هذا المجال.
لكن الملاحظة المدهشة كانت في مرحلة البحث والدراسة تتمثل في أنّنا عندما بدأنا بفكرة البحث كنّا نظن أنفسنا أمام موضوع جزئي، لاستكمال دراسة تنظيم الدولة الإسلامية، واختبار الفرضيات السخيفة التي راجت في الإعلام العربي عن "زواج النكاح" وغيرها، لنجد أنفسنا مع التعمق أكثر في البحث والمعلومات والتحقيقات أمام عالمٍ كامل كبير ومرعب، ويكتنفه غموض كبير، من نساء كثيراتٍ دخلن إلى التيار الجهادي، بدوافع متعدّدة، ولأسباب مختلفة، وفي ظروف سياسية مجتمعية معقدة، وما نقرأه ونسمع به اليوم من قصص عن النساء الداعشيات ما يزال بمثابة رأس جبل الجليد، أمام أجزاء أخرى عديدة كبيرة، ما تزال مجهولة وغير مدروسة بصورة دقيقة وموضوعية.
لم تعد المرأة فاعلاً ثانوياً، كما كانت سابقا، وليست فقط هي "زوجة الجهادي"، ولا تقتصر وظيفتها على الدعم المعنوي والمنزل، أصبحت المرأة هي نفسها "جهادية"، وتقوم بأدوار رئيسة، في عملية التجنيد والدعاية و"الحسبة"، وحتى الأعمال القتالية والانتحارية، ليس فقط في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، بل في دولٍ كثيرة ينشط فيها عناصره وأفراده.
لدينا اليوم عشرات الحالات النسوية المعروفة، من بينها فتيحة المجاطي ومليكة العرودي، والفقيهة الأولى في تنظيم داعش، الدكتورة إيمان مصطفى البغا، والأوروبيات والغربيات المعروفات، ونساء آخريات، مثل وفاء الشهري زوجة سعيد الشهري الذي قتل، وكان قائداً في قاعدة الجزيرة العربية، ووفاء اليحي التي قتلت، وكانت زوجة الزرقاوي، وهي سعودية حاصلة على الدراسات العليا، وعشرات الأسماء من الطبيبات والحاصلات على شهادات عليا، مثل تاشفين مالك، وطالبات الطب السودانيات، وغيرهن.
لم نعد أمام قصصٍ لأفراد من الذكور، بل أصبحنا أمام مجاميع من الأطفال والنساء والرجال، وعائلات، ليس فقط في مناطق التنظيم، بل في دول ومجتمعات أخرى. ومن مراقبة شبكات الزواج والمصاهرة والعلاقات الاجتماعية والصداقات، نجد أنّ الخيوط وثيقة بين حالات كثيرة، وأمام مرحلة جديدة فيها زوجات الجهاديين "جهاديات" وأبناؤهم وأشقاؤهم أصبحوا "جهاديين".. لكن للأسف ما تزال المقاربات العربية متأخرة كثيراً عن إدراك هذه التحولات التراجيدية والمرحلة الجديدة.