روان الضامن: أولوية المعالجة على الأفكار

23 ابريل 2015
+ الخط -

مخرجة ومنتجة ومعدّة ومقدمة برامج، فلسطينية بدأت مسيرتها المهنية التلفزيونية عام 1999 في فلسطين ثم الأردن، كما التحقت بمنظمة اليونسيف مستشارة إعلامية للمكتب الإقليمي. مؤلفة مشاركة لثلاثة كتب "أطفال فلسطين أيام زمان"، و"التاريخ في ذاكرة الطفولة"، و"مدارسنا في قفص الاتهام". حصلت روان على بكالوريوس في الإعلام التلفزيوني والإذاعي من جامعة بيرزيت، ثم على الماجيستير في مجال الإعلام من جامعة ليدز البريطانية.

ومنذ التحاقها بشبكة الجزيرة عام 2006، قدمت باقة من البرامج الوثائقية: سلسلة "رائدات" حول نماذج نسائية عربية، و"النكبة" حول جذور القضية الفلسطينية، و"أصحاب البلاد" حول فلسطينيي الداخل، إضافة الى أفلام وأعمال إعلامية أخرى. جامعة في عملها بين الإعداد والتقديم والإخراج، وقد حصل عملها "النكبة" على عدة جوائز عربية ودولية، كما ترجم إلى سبع لغات.

وفي التالي مجريات لقائنا معها:

- كُلّنا نعلم كم من الصّعب بناء الإنسان الحرّ المتنور في الشّرق، ومع ذلك برزت الإعلامية روان الضامن في مجال مُغاير، ماذا عن الطموح؟ كيف بإمكان الشباب العربي تنميته واستثماره؟

يقول الشابي: "أبارك في الناس أهل الطموح، ومن يستلذ ركوب الخطر"، أرى الطموح مرتبطاً بالمخاطر، لأن التغيير دائماً صعب، السير وراء القافلة، وكما يسير الآخرون سهل لأن الطريق مفتوح هناك، أما أن تختار طريقاً مغايراً، فهذا يحتاج صبراً. ربما إيقاع الحياة السريع هذه الأيام، يجعل كثيراً من الشابات والشباب يشعرون أن كل شيء يمكن الوصول إليه بسهولة، كما الوجبات السريعة، وكما عناوين الأخبار السريعة، وكما مواد التواصل الاجتماعي القصيرة، لكن التغيير والإفادة والعمل النافع يحتاج صبراً ويحتاج مثل الزراعة أن يأخذ وقتاً ليكبر وينضج قبل أن يصبح ثمراً.

- ماذا عن رؤيتكِ وأهدافكِ؟ وكيف يمكن للإنسان في ظل مراحل عصيبة يمر فيها العالم العربي أن يشقّ لنفسه طريقاً؟

الظروف السياسية التي تعصف بعالمنا العربي تجعل وقتنا هذا من أصعب الأوقات المعاصرة خلال الثلاثين سنة الماضية، إن زلازل سياسية وفكرية واجتماعية وأخلاقية تهز دولنا العربية وتفتت عصب وحدتها وقوتها، وهذا ما يجعلنا أشد حاجة إلى العمل المتريث والرد على الهجمة الفكرية على قوميتنا وديننا، وتصوير العروبة والإسلام بصور سلبية لصالح إضعافنا. وعلى كل منا، في مجاله المحدود، أن يعمل على تقوية لغتنا العربية وجذورنا التاريخية الأصيلة، وكشف عورات واقعنا والتصدي له بجدية.

-مسيرة مهنية طويلة قضتها روان في الإعلام، جمعت بين الإعداد والتقديم والإخراج وظهرت في قمّتها الإنتاج الوثائقي، ماذا أرادت أن توصل في هذه المسيرة؟ ولماذا برز الانتاج الوثائقي كونه الورقة الأقوى في يديكِ؟

عندما كنت في المدرسة الثانوية كنت أحلم بإنجاز برامج تلفزيونية عن المجتمع، لأنني كنت أرى ابتعاد جيلنا عن القراءة، وأن التلفاز أصبح المصدر الأول للتأثر والمعرفة، ومع بروز الإنترنت، أصبحت الشبكة العنكبوتية من المضمون التلفزيوني تتنفس، ولذلك أردت أن أصل لعموم الناس بتقديم القضية الفلسطينية، بالتحديد، والقضايا العربية عموماً، بطريقة معلوماتية مشوقة، وليس بطريقة تعتمد العاطفة أو البكائيات. وبحمد الله وجدت في اللون الوثائقي الجاد من العمل التلفزيوني الأداة المثالية لأستطيع من الصوت والصورة والكلمة أن أبني مضموناً معلوماتياً فنياً يصل إلى عقول المشاهدين ومشاعرهم بطريقة تحفزهم على العمل والتفكير.

- ما رأيك في المُتلقي؟ هل استطاع الوثائقي أن يلمس كل فئات المجتمع: من المثقفين حتى عامة النّاس، من جيل الشباب حتى الكبار؟

الوثائقي العربي الجاد عبر التلفزيون، بدأ مع بدايات التلفزيون في العالم العربي في ستينات القرن الماضي، وتطور كثيراً كأداة مع الفضائيات العربية منذ التسعينات، وبروز أسماء لمخرجات ومخرجين عرب حققوا أفلاماً وثائقية هامة شكلت إضاءات قوية على واقع مجتمعنا وواقعنا السياسي، وكان لشبكة الجزيرة بقناتيها الإخبارية والوثائقية دور خاص في هذا المجال، لكن الوثائقي لم يستطع أن يصل حتى اليوم لعامة الناس، فمعظم المشاهدين والمستخدمين للشبكة العنكبوتية ما زالوا يتابعون "الدراما" أكثر من "الوثائقي"، خاصة أن كثيراً من الوثائقيات لا ترقى في البحث والشكل الفني لتنافس الدراما وألوان الترفيه التلفزيونية والإعلامية الأخرى. لقد أصبح للوثائقي العربي الجاد جمهوره وتأثيره، لكن غياب المخرجين الوثائقيين الدارسين المختصصين، القادرين على إنجاز أعمال مختلفة، يجعل "لمعان" الفلم الوثائقي بطيئاً، هو "موجود" لكنه ليس "باللمعان" المطلوب.

- هذا الإنتاج الذي أثرى الساحة الإعلامية، كان واضحاً للناس من صنعه وأبدعه لكن، هناك تساؤل لا بد منه: ما هو المُلهم في مسيرة روان؟

"الظلم" هو الملهم في مسيرتي، أنا أعادي الظلم بكل أشكاله، ظلم الاستعمار والاحتلال، ظلم القوة والغطرسة، ظلم الإقصاء وعدم قبول الآخر المختلف، ظلم الطبقات الاجتماعية المترفة، ظلم الدول الكبرى، ظلم نماذج المدير المتسلط، والوزير الفاسد، والأب القاسي على امتداد وطننا العربي، والظلم محفز لي على مقاومته ومقارعته بأعمال وثائقية تكشفه وتعريه وتظهر ضعف الظلم ولو ظهر لنا يرتدي أقوى الثياب، لأن الظلم بحد ذاته ضعيف لأنه يدرك أن يستولي على جهد أو فكر أو مقدرات أو ثروات غيره.

- كيف يمكن للشباب العربي أن يخطو خطوات واثقة بين صنّاع السينما؟ وعلى أي المؤسسات يعتمد في ذلك؛ مؤسسات الأفراد أم الحكومات؟

إن كنت تقصد الوثائقي السينمائي العربي، فنحن ما زلنا بعيدين جداً عن هذا المجال، تحويل الفيلم الوثائقي العربي الجاد إلى مجال السينما، وليس التلفزيون، لأن الوثائقي التلفزيوني ذو ميزانيات محدودة مقارنة بالسينما التي تحتاج إمكانيات مادية وفنية أكبر، إضافة إلى جمهور مستعد أن يذهب للسينما لحضور الوثائقي، وهذا حصل في الغرب، لكن أيضاً ما زال محدوداً.

- في مجتمع تتقلص فيه الفرص الوظيفية في مجالات الإعلام، والإنتاج الوثائقي، وتتعاظم فيه فرص الريادة الحرة! كيف يمكن للشباب العربي أن ينتج أفلاماً وثائقية بطابع متميز؟

التميز يحتاج إلى موهبة وصبر، لا تكفي الموهبة وحدها، ولا يكفي الاجتهاد وحده، تحتاج أن تكون لديك معالجة متميزة لأي فكرة، فالفكرة ليست المهمة، الأفكار على قارعة الطريق كما يقولون، لكن معالجة الأفكار وطريقة التعاطي معها هي المهمة، ولأن الوثائقي وأدوات تصويره غدت أكثر رخصاً، بميزانية محدودة تستطيع إنجاز فيلم وثائقي، فيمكن للمعالجة القوية أن تثبت نفسها بسهولة نسبية، إذا بذل فيها الجهد المطلوب من ساعات من البحث والتفكير والعمل الدؤوب.

-هل ترسو في مخيلتكِ صورة الإعلام الذي تطمح إليه روان الضامن أن يكون جيل الأفلام الوثائقية الجديد صانِعه؟ وما هي تطلعاتُكِ بهذا الخصوص؟

الفيلم الوثائقي الجاد، كما غيره من ألوان الإعلام، يتطور عبر الزمن، فالأفلام الوثائقية في السبعينات هي غيرها في التسعينات، ومختلفة عن اليوم، وستكون مختلفة بعد عشرين عاماً. ليس علينا أن نحدد نحن شكل الوثائقي المستقبلي، لكنني أعتقد أن الوثائقيات المستقبلية ستعطي مساحة أوسع للتنفس، ستكون ذات إيقاع أهدأ، وليس أسرع، متنوعة باستخدام الغرافيكس والرسوم المتحركة والثابتة والدراما والموسيقى. ما أتمناه فقط أن يدرك المخرجون والمنتجون للأفلام الوثائقية أن دقيقة واحدة في الوثائقي تحتاج جهد ساعات طويلة بحثاً وإعداداً وتصويراً ومونتاجاً، وأن العمق والجهد المبذول ينعكس على الشاشة، حتى لو يدرك المتلقي حجم الجهد بدقة، لكنه يشعر أن هذا العمل متقن يبقى في ذاكرته مقارنة بأعمال سطحية تمر مرور الكرام.

- كيف ترين الأفلام الوثائقية القصيرة، وما أبرز ملاحظاتك على تمويلها وعلى مفهوم السينما المستقلة؟

الأفلام الوثائقية القصيرة والمستقلة تضاعفت كمّاً عدة مرات خلال العقد الأخير في الوطن العربي، وأصبح المزيد من الشباب سواء المحترفين أو الهواة يستخدمون "الكاميرا" للتعبير عن قضاياهم ومشاكلهم وآمالهم، ذلك أن اللغة التلفزيونية أصبحت مثل أي لغة مقروءة مفهومة وسهلة لدى الشباب الذين نشأوا على مشاهدة التلفزيون منذ طفولتهم لذلك أصبح استخدام لغة الصورة سهلاً لهم، وخاصة أن أسعار الكاميرات وأجهزة المونتاج انخفضت كثيراً خلال العقد الأخير، وعليه فإن تمويل أفلام الشباب القصيرة والمستقلة جذب العديد من المحطات التلفزيونية والمؤسسات الإعلامية وكذلك الجمعيات المحلية والعربية والدولية، ومن هذا الواقع انطلق كثير من هؤلاء الشباب للمهرجانات ولمعت أفلامهم ووضعوا بصمة لأعمالهم واسماً لهم مكنهم للانتقال لأعمال وثائقية أو درامية أطول وبتكلفة إنتاجية أعلى. إن التمويل منخفضاً كان أم مرتفعاً ليس السر وراء نجاح الفلم القصير أو المستقل، إن القصة وطريقة المعالجة الموضوعية والبصرية هي السر وراء النجاح، ذلك أنه أحياناً كثيرة تكون الفكرة قوية وهناك قصة والمعالجة الفنية البصرية جميلة، لكن المشكلة في بناء القصة والمعالجة الموضوعية وطريقة التأثير لأن البناء والمعالجة يحتاج جهداً وبحثاً. وإشكالية التمويل أنه أحياناً يتجه باتجاه مواضيع معينة أو مناسبات معينة أو اتجاهات لمؤسسة التمويل، ولذا يحتاج الوطن العربي إلى مؤسسات تدعم الإبداع بمرونة أكبر، وتتنافس فيه المعالجة وسيناريو ما قبل التصوير بغض النظر عن موضوعه.

- ماذا عن كلمة توجهها روان الضامن لجيل الشباب بشكل عام والإعلاميين بشكل خاص؟

أحسب نفسي من جيل الشباب، وأقول لجيلنا لا تهرموا قبل أوانكم، لأنني ألتقي مع شباب كثر هرموا في مشاعرهم وأحلامهم وتطلعاتهم، مكتئبون ومحبطون، وألتقي مع كبار في السن ما زالوا شباباً في تفكيرهم وأعمالهم ينبضون حيوية ونشاطاً، ويعملون ليل نهار من أجل ما يؤمنون به، لذا أقول لكل من يريد أن يكون فاعلاً في هذه الدنيا التي نعيش فيها رحلة من العمل النافع أن آمنوا بما تفعلون وأحبوا ما تفعلون، وآنذاك ستستطيعون فعل المعجزات. وللإعلاميين، الإعلام بين أيديكم أمانة، فأحسنوا استغلال المنبر الذي لديكم صحيفة كان أم إذاعة أم تلفزيوناً أم موقعاً إلكترونياً، فنحن محاسَبون على الكلمة وعلى وقع الكلمة.

المساهمون