رهان واشنطن على طريق بغداد عمّان وفرصة إيران الأخيرة

03 أكتوبر 2017
معبر طريبيل بين العراق والأردن (صلاح ملكاوي/ Getty)
+ الخط -


يرى كثر أن إدراج إعادة فتح معبر طريبيل الحدودي بين العراق والأردن ضمن التنافس الأميركي - الإيراني على وراثة تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وذلك بسبب رهان واشنطن على تأمين طريق بغداد - عمّان الدولي، هو لفرض معادلة جديدة، لمحاصرة النفوذ الإيراني في العراق بين كماشتي كردستان ومحافظة الأنبار. وللرهان الأميركي فرص نجاح توازي مخاطر تعزيز الانقسام والتقسيم في العراق كما تعميق أزمة الحكم فيه.
طريق المرور السريع رقم 1، الرابط بين مجلس التعاون الخليجي بالأردن وسورية، له أبعاد استراتيجية تكتسب أهمية الآن أكثر من أي وقت مضى. وتعني عودة الحياة إلى هذا الطريق، تغيير دينامية التبادل التجاري في المنطقة، وإعادة الحديث عن خط أنابيب النفط بين البصرة العراقية والعقبة الأردنية من جديد، الممتد من مرفأ أم قصر في محافظة البصرة، عابراً بغداد والفلوجة والرمادي، قبل وصوله إلى الرطبة، الممر الخلفي لمعبر طريبيل. ومن الرطبة يتفرّع الطريق إلى طريقين، الأول إلى سورية عبر معبر الوليد حيث تُرابط القوات الأميركية في قاعدة التنف، والثاني إلى معبر القائم، حيث المعركة المرتقبة لإنهاء سيطرة "داعش" في العراق.
وكانت الحكومة العراقية قررت في الربيع الماضي منح عقد تأمين طريق بغداد – عمّان، لشركة أمنية أميركية مقرها الإمارات واسمها "أوليف غروب"، ودفعت إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، باتجاه إبرام الصفقة مع الشركة، العاملة على تأمين مطار النجف الدولي وحقول نفط في الجنوب العراقي. مع العلم أن عناصر أمنية عراقية وحرس الحدود وقوات "الحشد الشعبي" المدعومة من ايران منتشرة في محطات عدة من الطريق، في ظلّ ازدياد التوترات السياسية في العراق حول مسألة من سيحكم السيطرة في نهاية المطاف على هذا الطريق السريع.

وشكّلت جريمة ساحة النسور عام 2007 في وسط العاصمة بغداد، سبباً لتراجع عدد المقاولين الأمنيين الأميركيين من 150 ألف شخص عام 2008 إلى 66 ألفاً لعام 2014، وذلك بسبب فتح حراس أمنيين من شركة "بلاكووتر" النار على مدنيين عراقيين، ما أدى إلى مقتل 17 منهم. وفي ظلّ عدم اعتماد الولايات المتحدة الخدمة العسكرية الإلزامية، سيستمرّ الاعتماد على خدمات هذه الشركات الأمنية في مناطق النزاع أو عندما تدعو الحاجة. ومع منح العقد لـ "أوليف غروب"، عادت إلى الواجهة مسألتان رئيسيتان في العراق: دور الشركات الأمنية الأميركية ومقاربة واشنطن لمرحلة ما بعد "داعش". بالتالي فإن دور "أوليف غروب" ستكون له تداعيات طويلة الأمد على العراق وجيرانه. والمعلومات المتوفرة حول عقد الشركة لا توضح طبيعة وحجم وحدود هذا الدور، مع واقع أن العقد مستمر لـ25 عاماً، في سياق تأمين وصيانة الطريق السريع وبناء الجسور المهدمة وتشييد محطات استراحة، مع فرض الشركة رسوماً على الشاحنات العابرة للحدود في مقابل دفع الضرائب للحكومة العراقية.



ومحافظة الأنبار تحتلّ ثلث مساحة العراق، ولها منافذ مع سورية والأردن والسعودية. بالتالي ينظر مجلس المحافظة إلى مشروع "أوليف غروب" على أنه استثمار اقتصادي وسياسي سيؤدي إلى تأمين المحافظة وتعزيز استقلاليتها وإيجاد فرص عمل واستلام حصة من مداخيل المشروع عبر الحكومة المركزية. كذلك يأمل المجلس في توظيف 5 آلاف عنصر من قوات "الحشد العشائري" البالغ عددها نحو 17 ألفاً، كحرّاس أمنيين. حجج المؤيدين لهذا المشروع تتمحور حول اعتبار أنه يوفّر أموالاً طائلة على اقتصاد عراقي يرزح تحت عجز كبير في الميزانية، وأن الحكومة العراقية لديها خبرة محدودة في صيانة الطريق السريع. أما انتقادات المعترضين فتتمحور حول هوية الشركة الأمنية الأميركية وصوابية قرار إعطائها السيطرة على كل إحصاءات المرور في معبر طريبيل، وكذلك الروابط التي تجمع "أوليف" بشركة "بلاكووتر".

بدوره، يخضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لضغوط في هذا الملف، في وقت يحاول فيه إدارة التوازنات الأميركية – الإيرانية التي أوصلته إلى الحكم عام 2014. ويعمل العبادي على استيعاب الانتقادات التي يواجهها، عبر منحه الإذن لـ"الحشد الشعبي"، والذي يقوده، ببناء ساتر ترابي طوله 300 كيلومتر على طريق بغداد – عمّان، غربي الأنبار لحماية وسط الفرات، أي النجف وكربلاء والديوانية وبابل والمثنى، من اعتداءات "داعش".

ليست الجغرافيا فقط هي التي تتحكم بالحسابات الأميركية، بل هناك بطبيعة الحال اعتبارات عسكرية أيضاً، فتأمين طريق بغداد – عمّان يعني حماية قاعدة التنف في سورية. كذلك توجد القوات الأميركية في قاعدة الحبانية (بين مدينتي الفلوجة والرمادي) وقاعدة عين الأسد الجوية في مدينة البغدادي. وتنظر إدارة ترامب إلى منح "أوليف غروب" هذا العقد بأنه يخدم غرضين: تنمية محافظة الأنبار اقتصادياً وإبعاد قوات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران عن الحدود مع الأردن والسعودية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن طريق المرور السريع رقم 1 يتفرّع منه أيضاً الطريق الذي يؤدي إلى معبر عرعر الحدودي مع السعودية، والذي أعيد افتتاحه الشهر الماضي بعد 27 عاماً من الإغلاق. وكل هذه الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية تسعى لإيجاد توازن مع النفوذ الايراني في العراق. ومشروع "أوليف غروب" بحدّ ذاته قد يؤدي إلى إقامة منطقة عازلة سنية، تخفف الهواجس الأردنية والسعودية، من احتمال انتشار "الحشد الشعبي" على حدودهما.



لكن تأمين طريق المرور السريع رقم 1 لا يعتمد فقط على شركة أمنية بل أيضاً على الإطار الأوسع للتفاهمات الأميركية - الروسية في سورية. وبالتالي تسيطر القوات العراقية على الطريق بين الرطبة ومعبر الوليد، والتي تحمي القوات الأميركية في التنف، لكن لا تمكن حماية طريق بغداد - عمّان من دون تحرير مناطق أعالي الفرات التي لا تزال تحت سيطرة "داعش"، لا سيما راوة والقائم. هناك أيضاً طريقان رئيسيان، من المفترض أن يؤديا دوراً حاسماً في هذا السياق: الطريق 20 بين الرطبة والقائم، والطريق 12 بين القائم والحسكة في شمال سورية، والذي يعبر منفذ البوكمال الحدودي، ويمرّ عبر بلدات حدودية رئيسية في دير الزور.

مجموعات "الحشد الشعبي" المدعومة من ايران، والتي ترفض منح عقد تأمين الطريق إلى الشركة الأمنية الأميركية، تتحرك على طول الحدود. وهي التقت في شهر يونيو/ حزيران الماضي مع قوات النظام السوري في قرية أم جريص. وكانت تسعى للتقدم جنوباً نحو القائم. هذا الأمر لم يحصل نظراً لعمليات "داعش" التي منعتها من التقدم ولافتقاد هذه المجموعات لغطاء جوي.

وفي هذه الأثناء، تتقدم ببطء نحو القائم كل من القوات العراقية و"الحشد العشائري" و"الحشد الشعبي" الموالي للعبادي، بالتنسيق مع الجيش الأميركي. وعلى الجهة السورية، لم تُحسم الأمور بعد، لكن النظام وحلفاءه، باتوا في وضع عسكري أفضل للسيطرة على معبر البوكمال مع العراق، على اعتبار أن "قوات سورية الديمقراطية" تسيطر على معبر اليعربية والشركة الأمنية الأميركية في طريبيل تضيّق خيارات إيران لفتح خط إمداد عبر العراق وسورية إلى لبنان، وقد تكون معركة القائم الفرصة الأخيرة لتحقيق مشروعها الإقليمي.


دلالات
المساهمون