رهان إسرائيلي خليجي خاسر على ترامب

19 أكتوبر 2017
+ الخط -
لم يؤد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي المبرم في العام 2015 إلى النتائج التي توقعتها دول خليجية طالما راهنت على ترامب، والتمست مساندته لمواجهة إيران، بل بدت الولايات المتحدة في عزلة دولية أكثر من أي وقت، فقد سارعت الدول الكبرى المشاركة في الاتفاق النووي إلى إعلان معارضتها قرار ترامب، وأكدت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في بيان مشترك، تمسكهم بالاتفاق، وتأكيدهم على التزام إيران به، بل ذهب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أبعد من ذلك، عندما أكد قصر الإليزيه أن ماكرون قد يزور إيران تلبية لدعوة الرئيس حسن روحاني، فيما يبدو أنها محاولة لطمأنة الإيرانيين. كما لم يختلف رد فعل الاتحاد الأوربي، فقد قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيه، فيديريكا موغيريني، بلهجة حادة، إن ترامب لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاق النووي. ودخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط، لتؤكد صرامة إجراءات المراقبة التي تتبعها بحق إيران، لمنعها من امتلاك سلاح نووي، وذلك رداً على مزاعم ترامب إن الاتفاق مع طهران يتيح إجراءات مراقبة ضعيفة.
على الجانب الآخر، اقتصر الترحيب بقرار ترامب على عدد محدود من الدول، هي حصراً: إسرائيل والإمارات والسعودية والبحرين واليمن. سارع هؤلاء إلى مباركة القرار والترحيب الشديد به، بل وشدد بعضهم على أن دولته أول دولة ترحب بتلك الاستراتيجية الجديدة، وكأنه في سباق لنيل هذا "الشرف"، لكن هذه البروباغندا لم تخف أن حصيلة الموافقة على الاستراتيجية الجديدة متواضعة بكل المقاييس، وتؤشر إلى عجز الإدارة الأميركية الحالية عن إقناع مراكز القوى في العالم بسياستها.
تبدو هذه الحصيلة متناسبة تماماً مع عزلة ترامب نفسه على المستوى الداخلي، وهي عزلة امتدت إلى سياسته الخارجية، فهو يتعرّض لحصار من المؤسسات الأميركية الراسخة، خصوصاً وزارتا الدفاع (البنتاغون) والخارجية والكونغرس والقضاء. ولا يستطيع تمرير أي قرار إلا بشق الأنفس، وشهدت إدارته حملة استقالاتٍ غير مسبوقة لإدارة حديثة العهد، حتى إن مايك بنس نائب ترامب حاول جاهداً ثني وزير الخارجية ريكس تيلرسون عن الاستقالة، بعد أن وصف الأخير ترامب بأنه "أحمق"، وهو سلوك إدارة تدرك أنها في مأزق شديد، ولا تريد زيادة أزماتها المتلاحقة، وترغب في التسامح مع وزير خارجيتها، حتى بعد أن تطاول على الرئيس نفسه.
على المستوى الخارجي، قرار ترامب متناسب تماماً مع استراتيجيته الخارجية المرتكزة على التحلل من الالتزامات والاتفاقيات الدولية، وكان إعلان انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) آخر تجليات تلك الاستراتيجية، وهو انسحاب أدى بالتبعية إلى انسحاب إسرائيل. وكانت تقارير غير مؤكدة قد جاءت على اعتزام دول حصار قطر الانسحاب من المنظمة، لو نجح مرشح قطر، حمد الكواري، في انتخابات المدير العام، وهي تقارير لن تكون هناك وسيلة للتأكد من صحتها، طالما أن مرشح قطر قد خسر.
وقد سبقت هذا الانسحاب الأميركي من يونسكو انسحابات أخرى، أبرزها إعلان إدارة ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في يونيو/ حزيران الماضي، ومن "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ" بداية العام الحالي، وتعليق المحادثات المرتبطة باتفاق الشراكة عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تهدد الإدارة الأميركية بالانسحاب من اتفاق التبادل الحر لدول أميركا الشمالية (نافتا) بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى انتقادات مستمرة يوجهها ترامب لمنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التجارة العالمية. ويبدو مشروع جدار ترامب العازل الذي يريد إقامته على الحدود مع المكسيك مكملاً لمشروعه في فرض العزلة على بلاده مع العالم.
إذن، لا تبدو هذه الإدارة البائسة في وضع يسمح لها بتغيير قواعد اللعبة التي اتفقت عليها القوى الكبرى في العالم أجمع. ولذلك تبدو الدول المؤيدة لتلك الإدارة منعزلة عن تطورات العالم وحركته وتغيراته، ويبدو رهان دول خليجية (يصادف أنها دول حصار قطر) إضافة إلى إسرائيل، على ترامب فاشلاً هو الآخر، وسيكون حظه من حظ الإدارة الأميركية التي فشلت وستفشل مجدّداً.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.