بعدما وقفت أخيراً على خشبة مسرح "باتكلان" الباريسي العريق، حيث قدمت روائع الراحلة وردة الجزائرية، تستعدّ الفنانة اللبنانية رنين الشعّار لمجموعة من النشاطات المختلفة التي تفتتح بها عامها الفني، على ما تكشف في مقابلة خاصة لـ"العربي الجديد"، تحدّثت فيها عن آرائها في الفن والثورة، مُفصحةً عن جوانب عدّة من شخصيتها ومواقفها. فبعدما قدّمت أمسية غنائية ناجحة في مسرح "باتكلان" الشهير في العاصمة الفرنسية باريس، تحت عنوان "رنين الشعّار تغنّي فيروز" ها هي المطربة الشابّة تكرر التجربة من جديد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولكن في مغامرة غنائية مختلفة حملتها هذه المرّة إلى "ريبرتوار" أميرة الطرب العربي، وردة الجزائرية، فنبشت منه كنوزاً طربية، بعضها معروف، وغالباً ما يستعيده نجوم الغناء الحاليون في حفلاتهم، وبعضها الآخر أقل شهرةً، ولكنه لا يقل جمالاً وسحراً. ومع فرقة "مزيكا" التي ضمّت موسيقيين لامعين من مصر ولبنان وسورية والعراق وتونس والمغرب وغيرها من الجنسيات، استعادت الشعّار مجموعة أغنيات من روائع بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب وسيّد مكاوي وصلاح الشرنوبي وغيرهم من المؤلّفين الموسيقيين الذين طبعوا بألحانهم أشهر أغنيات وردة الجزائرية.
ورنين التي سبق أن غنّت لوردة في أمسيات سابقة كان آخرها ضمن فعاليات مهرجان Festival du monde Arabe في كندا في صيف 2018، تصف ردة فعل جمهور باتكلان بـ "الرائع والمؤثّر"، وتضيف: "الجمهور يعشق وردة. وفي حفلة باتكلان تحديداً، كان هناك جوّ عام من السحر والسلطنة يسود الأجواء. فأنا لم أرَ في حياتي جمهوراً يتفاعل بالطريقة التي تفاعل بها الجمهور الباريسي مع هذه الحفلة. لقد كانوا منغمسين مثلي تماماً في جوّ الأغنيات يرددونها بصوت واحد، يرقصون ويتمايلون مع كل نغمة، ويكادون يطفون كموجة واحدة تغمر المكان كلّه". هذا السحر الذي تشيعه المطربة الشغوفة في صفوف جمهورها يعرفه جيّداً كلّ من حضر لها حفلةً أو مهرجاناً، استطاعت أن تملأ فضاءه طرباً وسلطنةً.
ولكن في المقابل، لا تخفي الشعار امتعاضها من "الاستعادات العشوائية لأغنيات الكبار"، إذ تقول: "أصبح الأمر أشبه بموضة، ولكنها للأسف لا تخضع دوماً للشروط الفنية اللازمة التي تحترم قوالب الأغنيات الأصلية وقيمتها". وتضيف: "وردة ليست مزحة، ولكن للأسف هناك نوع من الاستسهال في تناول أرشيف الكبار من قبل البعض". وتضيف: "نعم لدي عتب على بعض من يتناولون أغنيات الكبار. ليس وردة فحسب، بل فيروز وعبد الحليم وأم كلثوم سواهم من العمالقة".
وعن أعمالها الخاصة، تكشف الشعّار أنها انتهت أخيراً من تسجيل أغنية رومانسية جديدة، وتستعدّ لإطلاقها في وقت قريب، موضحةً أن "الأغنية فيها مقاربة جديدة للأغنية الرومانسية، لا سيما من ناحية الموسيقى التي لن تكون تقليديةً أبداً".
وعما إذا كانت خطوة إصدار ألبوم غنائي ما زالت بعيدةً بالنسبة لها، تقول الفنانة الشابّة التي تعتمد على نفسها لإنتاج أغنياتها: "بالعكس الموضوع ليس بعيداً أبداً، وأنا أستعدّ بالفعل لهذه الخطوة قريباً جداً مع (ميني) ألبوم خاص، ولكنني أفضّل الكشف عن التفاصيل عند الاقتراب من صدور الألبوم". وعما إذا كانت تنوي أن تكتب وتلحّن أغنيات الألبوم بنفسها لا سيّما أنها سبق أن قدّمت أعمالاً من كتابتها وتلحينها كان أبرزها أغنية "بغيابَك يا حبيبي" وهي الأغنية الرسمية لفيلم "اسمعي" للمخرج اللبناني فيليب عرقتنجي، تقول: "لدي الكثير من التجارب التي اختبرتها والتي أشعر برغبة في التعبير عنها وتحويلها إلى عمل فني. وأنا لا أعتبر نفسي شاعرة أغنية، ولكن لدي خواطر أحب أن أعبّر عنها. وفي المقابل، أشعر أن لدي موهبة في التلحين، وهذا الأمر موجود لدي بالفطرة، ومتى اجتمعت الظروف المناسبة لن أتوانى بالطبع عن الكتابة والتلحين لنفسي".
وعن خطها الفني الذي رسمته لنفسها منذ إطلاق أولى أغنياتها الخاصة "حُب ومضى"، تقول: "هذه الأغنية لها مكانة خاصة جداً عندي. ولكنني كفنانة لا أقيّد نفسي بلون غنائي واحد. فكما خضت مجالات فنية مختلفة سواء عندما غنّيت الأوبرا في (كليلة ودمنة) التي جالت مختلف مسارح فرنسا. وكما نوعّت في إطلالاتي المسرحية وفي تجربتي التلفزيونية في تقديم برنامج (أهل الطرب) ، أجد أنني إنسانة مغامرة والفنان بطبيعته يحب المغامرة واختبار موهبته في مجالات مختلفة. لذلك أنا أغنّي كل الألوان ولكن طبعاً هويتي الخاصة ستكون موجودة في مختلف أغنياتي. وألبومي المقبل سيكون مزيجاً موسيقياً مجنوناً يشبه كثيراً شخصيتي" .
وعن مشاركتها في الثورة تقول: "كل شخص لديه كرامة وينتمي إلى هذه الأرض يجب أن تكون مشاركته في الثورة أمراً بديهياً. وأنا أسميها أرضاً وليس وطناً، لأن هذه هي الحقيقة للأسف. فالوطن هو الذي يحتضن أبناؤه ويمنحهم أدنى مقوّمات العيش، وهذه ليست حالتنا في لبنان، حيث العيش هو مسألة صراع يومي". وتضيف: "شاركتُ في التظاهرات كمواطنة لبنانية للمطالبة بحقوقي. وأنا لست مع أي طائفة أو مذهب أو حزب. مطلبي هو دولة مدنية وقانون يهابه المواطن اللبناني بدلاً من أن يهاب زعيمه". وعن تصريحها أنها تتظاهر ضد مفتي الشمال رغم أن المفتي الشعّار هو عمّها، تقول: "الإنسان عندما يكون في حالة ثورة حقيقية يجب أن يبدأ بالنقد الذاتي من نفسه ومن محيطه وبيئته. وكما هو امتعض من الثورة أنا امتعضت منه لأنه عارض الثورة. فرجل الدين من المفروض أن يكون أوّل من يقف إلى جانب المواطن والمظلوم والفقير في مطالبه المحقّة بوجه المستبدّين. أستغرب كيف أصبح رجال الدين عموماً أصدقاء الأرستقراطيين وأصحاب النفوذ والسلطة بدلاً من أن يكونوا في صف الناس والفقراء". وترى أن "الفساد الفني هو أخطر بكثير من الفساد السياسي لأن الفن يعيش في وجدان الأجيال، وتأثيره على الصعيد المعرفي والفني والإنساني لا يُقاس، والفاسدون يتصدّرون المشهد اليوم من دون لا موهبة حقيقية ولا قيمة طويلة أو حتى قصيرة الأمد لما يقدمونه".