رمضان موسكو بلا مظاهر
موسكو
في غياب المظاهر الرمضانية في موسكو، يسعى المسلمون المقيمون فيها إلى خلق أجوائهم الاحتفالية الخاصة في خلال تجمّعاتهم مع الأصدقاء والأقرباء أو في "الخيم الرمضانية" التي يتشارك فيها الصائمون إفطاراتهم. ويأتي ذلك مع ساعات صيام طويلة تصل إلى 19 ساعة في روسيا، إذ إنّ الفجر يحلّ عند الساعة الثانية من بعد منتصف الليل تقريباً والمغرب عند الساعة التاسعة مساء بتوقيت العاصمة الروسية.
وتتباين مشاعر المسلمين الذين التقتهم "العربي الجديد" في موسكو بين شعور بالعزلة على خلفية انعدام المظاهر الرمضانية، وبين تكيّف مع الوضع الراهن والتغلب عليه ببدائل مختلفة. يُذكر أنّ نحو مليونَي مسلم يتوزّعون ما بين مواطنين روس ومهاجرين من آسيا الوسطى، يقيمون في موسكو.
عبد الكريم، شاب مسلم تعود أصوله إلى جمهورية قبردينو - بلقاريا لكنّه يقيم في موسكو منذ صغره، يخبر بأنّه يتناول الإفطار مرّات عدّة في الأسبوع مع أقربائه وأصدقائه بهدف إحياء أجواء رمضانية وسط زحام موسكو. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "موسكو بعيدة من الصائمين، غير أنّ اللقاءات مع الأصدقاء والأقرباء وبعض الزينة في المنزل تخلق أجواء احتفالية بعض الشيء. لكن من غير الممكن مقارنة ذلك بما يجري في الدول الإسلامية".
من جهتها، تشعر إلفيرا وهي طالبة مسلمة في موسكو تعود أصولها إلى جمهورية بشكيريا، بنوع من العزلة خلال رمضان وراحت بالتالي تتجنّب الخروج من منزلها قبل المغرب إلا عند الضرورة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّه "سبق وعايشت رمضان في تركيا والمغرب، وبالتأكيد ثمّة فارق كبير بين أجواء الدول الإسلامية وغير الإسلامية". تضيف: "إذا كنت أشعر في بلد إسلامي بأجواء احتفالية، ففي روسيا أسقط من الحياة الاجتماعية ويزداد الناس تشدداً". لكنّ إلفيرا تشير إلى أنّ "أصدقائي من غير المسلمين يتفهّمون تحديد مواعيد اللقاءات في ساعات متأخرة من المساء، كذلك يسألونني بفضول عن شهر رمضان والصيام".
ويُعَدّ وضع المسلمين الآتين من مختلف الأقاليم الروسية وجمهوريات آسيا الوسطى أفضل من المغتربين العرب، لا سيّما المقيمين في روسيا منذ فترة قريبة ومن دون أسرهم. فهؤلاء تزداد وحدتهم في الغربة خلال رمضان. شريف، شاب مصري يقيم في موسكو منذ بضع سنوات، يقول لـ"العربي الجديد": "تعودت في مصر على تناول الإفطار مع الناس وسماع الأذان، وليس تحديد موعد المغرب كما هي الحال هنا. أشعر بأنّني وحيد، فالناس من حولي لا يعرفون ما هو رمضان أصلاً".
وتختلف مظاهر رمضان في الأقاليم الروسية بين انعدام المظاهر كلياً في معظم المدن في مقابل احتفالات واسعة في الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة، وفي مقدمتها جمهوريات شمال القوقاز مثل داغستان والشيشان. ألجانا، وهي شابة مسلمة من أصول داغستانية تقيم في موسكو، تتحدّث عن أجواء رمضان في وطنها الأم مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "مدن داغستان تنتعش في المساء، إذ يخرج الجميع لتناول الإفطار ويتوجهون إلى المساجد ويتجمهرون في الشوارع لأداء الصلاة". لكنّ ألجانا اعتادت انعدام المظاهر الرمضانية في موسكو ولم تعد تشعر بأيّ ضيق، وتؤكد: "لا أفكر بالأجواء الرمضانية في موسكو، فهذه مدينة علمانية. ولا أشعر بأيّ انزعاج من الدعوات إلى تناول الطعام من قبل الذين لا يعرفون أنّني أصوم". وتشير ألجانا إلى أنّ "محج قلعة، مسقط رأسي، هي مدينة صغيرة، وبلدي داغستان جمهورية إسلامية، لذا فإنّ الأجواء هناك هي بالتأكيد مختلفة عن موسكو".
وعن إمكانية الشعور بأجواء رمضانية في موسكو، تقول إنّه "في الإمكان زيارة بعض الفعاليات الإسلامية مثل الخيمة الرمضانية بالإضافة إلى الاجتماع بالمسلمين الآخرين من أقرباء وأصدقاء. كذلك أتحدّث هاتفياً مع بنات أعمامي ونتبادل وصفات الوجبات. إلى ذلك، لديّ صديقة تقيم بمفردها وتصوم، لذا نتناول الإفطار معاً في بعض الأحيان في أحد المطاعم في المدينة".
في السياق، باتت الخيمة الرمضانية التي نصبت في محيط المسجد التذكاري في تل بوكلونايا وسط موسكو، ملاذاً لمسلمي العاصمة الروسية، حيث يتناولون الإفطار جماعياً. وإلى جانب توفير وجبات إفطار مجاناً طوال شهر رمضان، تقدّم الخيمة الرمضانية برنامجاً ثقافياً حافلاً يشمل أمسيات خاصة بمختلف الجاليات والقوميات والدول الإسلامية، بما فيها أمسية إنغوشيا وأمسية الشيشان وأمسية تركيا وغيرها.
ويُعدّ الإسلام ثاني أكثر ديانة انتشاراً في روسيا بعد المسيحية، ويقدّر عدد المسلمين فيها بنحو 20 مليوناً، بمن فيهم بضعة ملايين من المهاجرين الوافدين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها طاجكستان وأوزبكستان وقرغيزيا. ويتركّز المسلمون في روسيا في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا، بالإضافة إلى العاصمة موسكو وبعض المدن الكبرى.