تختلفُ نكهة "رمضان" في مصر هذا العام. قضى الانقسام السياسي على بعض من طقوسه، وخصوصاً اجتماع العائلة على "مأدبة الإفطار". لكنه لم يؤثّر على استعداد الناس لاستقباله. تبقى الزينةُ عنصراً أساسياً، خصوصاً في المناطق الشعبية، إلى جانب العربات التي بدأت بحجز أماكنها على الطرقات لبيع الناس "المستلزمات الرمضانية" الأساسية التي لا غنى عنها، تحديداً "الكنافة" و"القطايف" (حلويات)، وشراب "التمر الهندي" وغيره.
ولأن المصريين يرفضون أن يباغتهم شهر رمضان، من دون أن يكونوا قد استعدوا له جيداً، تراهم لا يهدؤون. واللافت أن بعض الأطفال يتولون جمع المال من أهالي الحي لتزيينه، على غرار ريم التي تبرعت للمساعدة. قالت إنها "تشعر بسعادة عارمة ما أنْ تطرق الأبواب وتردّد عبارة: نريد ثلاثة جنيهات لتزيين الشارع". ولأنها طفلة، غالباً ما تُقابل بابتسامة، ويلبى طلبها.
"الياميش"
أما الشباب، فيتولون مهمة التزيين. يربطون عواميد الكهرباء والبيوت بالأضواء والفوانيس والمساجد المصنوعة من الخشب. يحرص الكثيرون أيضاً على تزيين شرفات منازلهم. وتتجلّى هذه المظاهر بكثرة في المناطق الشعبية بصورة خاصة. إذ تختلف الاستعدادات فيها عن المناطق الأخرى المصنّفة بـ "الراقية". ففي السيدة زينت، وباب الشعرية والموسكي، تزيد الزينة من الازدحام. ومع غروب الشمس، يتهافت الناس على الأسواق لشراء كل ما يحتاجونه من مواد غذائية. ولا تكتملُ الطقوس الرمضانية إلا بشراء "الياميش" (بلح، تمر، زبيب، مشمش...). يتسابقون لشراء الأصناف التي يريدونها. لكن هذا العام، يبدو أنهم لجأوا إلى سياسة التقشف في ظل غلاء الأسعار بنسبة 30 في المئة.
على الأرصفة، تُبنى أفران مؤقتة لإعداد "الكنافة" و"القطايف"، التي يحرص المصريون على تناولها بشكل شبه يومي عقب الإفطار. وعادة ما تنتشر أيضاً العربات التي تبيع مشروبات "العرقسوس" و"التمر هندي" و"الخروب" و"السوبيا".
"طبقيّة"
في المقابل، وفي حي "غاردن سيتي"، أحد أرقى أحياء القاهرة، القريب من منطقة السيدة زينب، تغيب المظاهر الرمضانية باستثناء "فوانيس عملاقة" عُلّقت على مداخل بعض الأبنية المطلّة على نهر النيل، إضافة إلى عبارات مثل "رمضان كريم"، أو "كل عام وأنتم بخير". هذه الزينة البسيطة يرافقها صمت. الناس هنا في حالها. يضاف إلى ذلك إحاطة عشرات جنود الأمن المركزي معظم المباني، نظراً لانتشار السفارات الأجنبية.
ويقول إبراهيم الذي يعمل حارساً لمبنى في الحي، إن "الناس هنا يكتفون بالقاء التحية"، مضيفاً: "أحياناً، يطلب مجلس إدارة المبنى شراء فانوس كبير لرمضان، أو بعض أنواع الزينة من مصاريف صيانة العمارة".
ينتظرُ المصريون الليلة التاسعة والعشرين من شهر شعبان، الاحتفال الذي تنظمه الدولة، ويجمع مفتي الجمهورية ومشايخ الأزهر وعددا من الوزراء، ويعلن خلاله المفتي بدء شهر الصوم استناداً إلى رؤية الهلال.
بعد كل ذلك، يأمل البعض أن يساهم هذا الشهر في إعادة "اللُحمة" بين العائلات التي أبعدها الانقسام السياسي. فسامية عجلان، التي اعتادت تناول الغداء مع زوجها وأولادها في منزل والدها كل يوم جمعة، تقول إنه "طردها من البيت بسبب نقاش سياسي دافعت خلاله عن الرئيس محمد مرسي". انقطعت العلاقة بينها وبين والدها وأخواتها. مع ذلك، تأمل سامية أن ينتهي الخلاف مع قدوم شهر رمضان.