"مدفع الإفطار.. اضرب"، جملة يعقبها مباشرة أذان المغرب بالتوقيت المحلي لمدينة القاهرة، تتكرّر كلّ أيام رمضان منذ عقود عبر الإذاعة المصرية ثم شاشة القناة المصرية الأولى.
ارتبطت طلقة مدفع الإفطار الاذاعية والتلفزيونية في ذاكرة المصريين بالشهر الفضيل، بعدما كانت منذ قرون تُسمع مباشرة من مكان المدفع في قلعة صلاح الدين في القاهرة.
لا يزال مدفع الإفطار الأصلي موجوداً في القلعة في "مصر القديمة"، رغم أنه لا يعمل منذ عام 1992، "لأنّ سكان المنطقة بدؤوا يخشون صوته في ذلك العام الذي شهد حوادث إرهابية عدة، انتشرت في تسعينيات القرن الماضي"، يقول المدير العام لقسم المتابعة الفنية، بقلعة صلاح الدين، ناجي عبد الرحمن.
منذ 1992، يضرب مدفع آخر في منطقة كرداسة بأحد معسكرات الأمن المركزي. يضرب قبل الإفطار، أو لا يضرب، سيان، فلا أحد يسمعه، مع ازدحام القاهرة وتوسّعها، فضلاً عن وجود معسكر الأمن المركزي في منطقة صحراوية نوعاً ما.
المصادفة هي أصل حكاية "مدفع رمضان"، التي يلخّصها عبد الرحمن بالآتي: "حصل السلطان المملوكي خوشقدم، على هذا المدفع، هدية عام 879، وباشر بتجريبه. وكانت المصادفة أنه أطلقه كتجربة أولى مع موعد غروب أوّل يوم في رمضان من هذا العام... فظنّ أهالي المحروسة أنّ السلطان أطلق هذا المدفع لتنبيههم إلى وقت الإفطار، وهو ما أخبره به المشايخ والأعيان في اليوم التالي. استحسن السلطان الفكرة، ومن يومها أصبحت عادة مصرية متوارثة، ومع مرور الوقت أصبحت السلطات المصرية تحرص على استطلاع رؤية هلال رمضان من داخل القلعة أيضا".
ليست قلعة صلاح الدين الأيوبي، التي بُدئ بإنشائها في العام 572 واستمر حتى العام 614 هجرية، الرمز المصري الوحيد الذي يرتبط بشهر رمضان في القاهرة القديمة، فمنطقة القلعة ومصر القديمة والفسطاط، زاخرة بالعمارة الإسلامية الأصيلة، حيث لرمضان رونق خاص.
على بُعد أمتار من القلعة، توجد مجموعة من المساجد العتيقة، التي تعود معظمها إلى عصور المماليك. من أشهرها، مسجد ومدرسة السلطان حسن، الذي امتد زمن بنائه بين 757 إلى 764 هجرية. ويعدّ أعظم المساجد المملوكية، إذ جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، وتوفّرت فيه دقّة الصناعة وتنوّع الزخرف، كما تجمّعت فيه شتّى الفنون والصناعات.
أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. إذ يتكون من مدخل رئيس، يوصل إلى صحن مكشوف مساحته 32 في 34.60 متر. تُشرف عليه أربعة إيوانات متقابلة ومعقودة، أكبرها وأهمّها إيوان القبلة، تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الإسلامية الأربعة. ويتكوّن كلّ منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة، ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكوّنة من عدّة طبقات بارتفاع المسجد.
حالياً يعدّ "مسجد السلطان حسن" من أهمّ الأماكن السياحية التي يتوافد عليها السائحون في مختلف ثقافاتهم، ويحتوي على مدرسة صغيرة للأطفال لتدريس القرآن الكريم، وكان يُقام فيه العديد من الحلقات والندوات الثقافية، قبل إلغائها أخيراً.
في شهر رمضان تمتدّ ساعات زيارة المسجد، إلى العاشرة مساء بعد انتهاء صلاة التراويح التي تقام، كباقي الصلوات، في الساحة الصحن المكشوف. وفى باقي شهور السنة، ينتهي الوقت المخصّص لزيارة المسجد بعد صلاة العصر مباشرة.
ومع ذلك يفضّل سكّان مصر القديمة صلاة العشاء والتراويح في مسجد الرفاعي، المقابل للسلطان حسن مباشرةً، إذ يعتبرون الثاني مزاراً سياحياً، أكثر منه مسجداً، يقصده الزوّار بهدف الاستجمام والسكينة مع الصلاة، وكثيراً ما يعجّ بالأطفال والسائحين... أما الرفاعي، فعلى الرغم من كونه مزاراً سياحياً أيضاً، إلا أنّه مؤسّس على طراز وعمارة مسجد، مما "يمنح شعوراً بالخشوع"، كما يقول معظم قاصديه.
داخل مسجد السلطان حسن - القاهرة (العربي الجديد)
مدفع القلعة - القاهرة(العربي الجديد)