"ليت كل العام رمضان"، يقولها الجميع في تونس تقريبا وخاصة الشباب، فالشهر الكريم ارتبط لديهم بكل ما يتمنونه طيلة السنة. المقاهي الصاخبة وأحدث المسلسلات والكوميديا وأشهى الأكلات إضافة إلى جلسات العائلة والسهرات الرائقة مع الأصحاب وحضور صلاة التراويح، هي أبرز ما يميز حياة الشاب التونسي في رمضان منذ سنوات.
لكن الشهر الكريم يتأثر بالمستجدات السياسية والتغييرات المناخية والأحداث الكبرى، ورغم ذلك أضاف الشباب التونسيون لعاداتهم القديمة عادة ارتياد البحر والسباحة قبل ساعات الإفطار، وحضور المهرجانات والحفلات الفنية ليلا، لتزامن الشهر مع فصل الصيف وعاش معظم الشباب التونسي في رمضان 2014 على وقع مونديال كرة القدم.
وشهدت ليالي رمضان خلال السنوات الأخيرة التي تلت الثورة تظاهرات واحتجاجات لم يألفها الشهر الكريم، وأهمها الاحتجاجات والمسيرات واعتصام "الرحيل" في رمضان 2013 والتي شارك فيها الشباب التونسي بكثرة واختلفت مطالبها بين المناداة بإسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي والمطالبة من جانب آخر بالحفاظ على الشرعية وذلك غداة اغتيال النائب والمعارض القومي محمد البراهمي في 25 من يوليو/ تموز 2013، لكن سحر الشهر يطغى على أي حدث أو مستجد.
خلال رمضان، تستعيد المدينة العتيقة في العاصمة التونسية وهجها، فالمدينة التي تنام باكرا معظم أيام السنة تتحول إلى المكان الأكثر حيوية خلال الشهر الكريم. يقبل الشباب على مقاهيها، خاصة بعد صلاة التراويح وأشهرها مقهى "الشواشين" التي يعود تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر، وكانت قبلة في الماضي البعيد للفنانين والمثقفين وأهل الأدب والشعر. تزدحم مقاهي العاصمة بروادها المقبلين على تدخين الشيشة (الأرجيلة) واحتساء القهوة العربية أو الشاي الأخضر التونسي وترتفع الأصوات ضحكا وضجيجا سرعان ما يختلط بمعزوفات موسيقية عتيقة.
ولا يقتصر السهر الرمضاني على الشبان إذ تغص أزقة المدينة العتيقة بالفتيات أيضا. وفي حديث لـ "جيل العربي الجديد"، تقول "مريم حمدي"، طالبة تقطن بضواحي العاصمة: "إن الشباب التونسي يحب الحياة ولن يغير عادة السهر حتى السحور في رمضان تحت وقع هجمات إرهابية أو أزمات سياسية" وتضيف "في رمضان وبعد الإفطار لا يبقى في المنزل من الشباب إلا من اضطروا إلى ذلك لعجز مادي أو اعتبارات عائلية.
وعرف شهر رمضان خلال السنة الماضية هجمات مسلحة استهدفت الجيش التونسي ونتج عنها قتل 15 جنديا تونسيا في منطقة جبل الشعانبي في عملية اعتبرت وقتها الأبشع أسلوبا والأخطر ثم تلتها مع نهاية الشهر الكريم اشتباكات مع مسلحين قتل إثرها 3 جنود وأحدثت بذلك اضطرابات كبرى في البلاد ونتج عن ذلك شيء من الحذر والتخوف واليقظة حتى قبل انطلاق شهر رمضان الحالي.
وغير بعيد عن مقاهي المدينة العتيقة، يرتاد الشباب التونسي الفضاءات الثقافية التي تحتضن ومنذ سنوات خلال رمضان عروضا فنية تجمع السينما والمسرح والموسيقى والإنشاد الصوفي ومعارض الصناعات التقليدية والفنون التشكيلية. تقام هذه الأنشطة ضمن ما يعرف بـ "مهرجان المدينة" وذلك في أزقة المدينة العتيقة وبطحائها التي تعود إليها الحياة، أو في منازل تاريخية تم تجديدها وتوظيفها لاستقبال هذه الأنشطة الفنية كـ "دار الجلد" و"دار الأصرم" و"العلي" و"دار حمودة باشا" و"دار الراشيدية" و"نادي الطاهر الحداد.
ونظرا لتزامن شهر رمضان مع فصل الصيف، يعرف "مهرجان المدينة" منافسة شديدة مع المهرجانات الصيفية الكبرى خاصة "مهرجان قرطاج" والذي يستقطب عادة أسماء فنية معروفة تجلب الشباب. كما تستهوي الأحياء الراقية والسياحية كسيدي بوسعيد والمرسى والنصر والمنار الشباب خلال السنوات الأخيرة.
في هذه الأحياء مهرجانات حديثة النشأة كـ "العبدلية" في جهة المرسى ومقاهي باهظة التكلفة توفر كل ما يطلبه الشباب خلال سهراتهم الليلية، لكن "ألفة"، وهي تلميذة ستجتاز امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) السنة المقبلة، تؤكد "أن عبق المدينة العتيقة وروحها في رمضان لا تقارن بأي مكان آخر، فالمدينة التي بنيت حول جامع الزيتونة تنبض روحانيات وتستقبل الجميع من دون استثناء بعيدا عن البذخ".
يختلف الوضع بالنسبة لشباب تونس الأعماق في وسط البلاد وجنوبها، حيث لا بحر يلتجؤون إليه قصد الظفر بقسط من الاستجمام والراحة، وحيث تغيب مظاهر الرفاهية لقلة المادة في أغلب الأحيان، ويضطرون لقضاء ليالي شهر الصيام الحارة والطويلة داخل المنزل أحيانا، ويقتصر نشاطهم الخارجي على لعب الورق أو "الخربقة" بشوارع الحي أو مقاهيه البسيطة، هربا من الحرارة وفي ظل غياب أنشطة وأماكن أخرى.
وتتعدد خيارات الشباب في رمضان فعلى مرمى حجر من المقاهي تستقبل المساجد المصلين. يواظب جزء من الشباب التونسي على الالتحاق بالمساجد لأداء صلاة التراويح ويلتزم بعضهم أيضا بقراءة القرآن اقتداء برسول الله وصحابته. لكن "أمينة بن منصور"، أم في أواخر الأربعين تقطن بمحافظة أريانة إحدى ضواحي العاصمة التونسية، تعتبر أن "شباب اليوم قد تخلوا عن مقاصد الشهر، وأهمها العطاء، وتحول رمضان إلى شهر الكسل والنوم والسهر طيلة الليل في المقاهي والحفلات وغاب الجانب الروحاني والديني".
(تونس)
لكن الشهر الكريم يتأثر بالمستجدات السياسية والتغييرات المناخية والأحداث الكبرى، ورغم ذلك أضاف الشباب التونسيون لعاداتهم القديمة عادة ارتياد البحر والسباحة قبل ساعات الإفطار، وحضور المهرجانات والحفلات الفنية ليلا، لتزامن الشهر مع فصل الصيف وعاش معظم الشباب التونسي في رمضان 2014 على وقع مونديال كرة القدم.
وشهدت ليالي رمضان خلال السنوات الأخيرة التي تلت الثورة تظاهرات واحتجاجات لم يألفها الشهر الكريم، وأهمها الاحتجاجات والمسيرات واعتصام "الرحيل" في رمضان 2013 والتي شارك فيها الشباب التونسي بكثرة واختلفت مطالبها بين المناداة بإسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي والمطالبة من جانب آخر بالحفاظ على الشرعية وذلك غداة اغتيال النائب والمعارض القومي محمد البراهمي في 25 من يوليو/ تموز 2013، لكن سحر الشهر يطغى على أي حدث أو مستجد.
خلال رمضان، تستعيد المدينة العتيقة في العاصمة التونسية وهجها، فالمدينة التي تنام باكرا معظم أيام السنة تتحول إلى المكان الأكثر حيوية خلال الشهر الكريم. يقبل الشباب على مقاهيها، خاصة بعد صلاة التراويح وأشهرها مقهى "الشواشين" التي يعود تأسيسها إلى نهاية القرن التاسع عشر، وكانت قبلة في الماضي البعيد للفنانين والمثقفين وأهل الأدب والشعر. تزدحم مقاهي العاصمة بروادها المقبلين على تدخين الشيشة (الأرجيلة) واحتساء القهوة العربية أو الشاي الأخضر التونسي وترتفع الأصوات ضحكا وضجيجا سرعان ما يختلط بمعزوفات موسيقية عتيقة.
ولا يقتصر السهر الرمضاني على الشبان إذ تغص أزقة المدينة العتيقة بالفتيات أيضا. وفي حديث لـ "جيل العربي الجديد"، تقول "مريم حمدي"، طالبة تقطن بضواحي العاصمة: "إن الشباب التونسي يحب الحياة ولن يغير عادة السهر حتى السحور في رمضان تحت وقع هجمات إرهابية أو أزمات سياسية" وتضيف "في رمضان وبعد الإفطار لا يبقى في المنزل من الشباب إلا من اضطروا إلى ذلك لعجز مادي أو اعتبارات عائلية.
وعرف شهر رمضان خلال السنة الماضية هجمات مسلحة استهدفت الجيش التونسي ونتج عنها قتل 15 جنديا تونسيا في منطقة جبل الشعانبي في عملية اعتبرت وقتها الأبشع أسلوبا والأخطر ثم تلتها مع نهاية الشهر الكريم اشتباكات مع مسلحين قتل إثرها 3 جنود وأحدثت بذلك اضطرابات كبرى في البلاد ونتج عن ذلك شيء من الحذر والتخوف واليقظة حتى قبل انطلاق شهر رمضان الحالي.
وغير بعيد عن مقاهي المدينة العتيقة، يرتاد الشباب التونسي الفضاءات الثقافية التي تحتضن ومنذ سنوات خلال رمضان عروضا فنية تجمع السينما والمسرح والموسيقى والإنشاد الصوفي ومعارض الصناعات التقليدية والفنون التشكيلية. تقام هذه الأنشطة ضمن ما يعرف بـ "مهرجان المدينة" وذلك في أزقة المدينة العتيقة وبطحائها التي تعود إليها الحياة، أو في منازل تاريخية تم تجديدها وتوظيفها لاستقبال هذه الأنشطة الفنية كـ "دار الجلد" و"دار الأصرم" و"العلي" و"دار حمودة باشا" و"دار الراشيدية" و"نادي الطاهر الحداد.
ونظرا لتزامن شهر رمضان مع فصل الصيف، يعرف "مهرجان المدينة" منافسة شديدة مع المهرجانات الصيفية الكبرى خاصة "مهرجان قرطاج" والذي يستقطب عادة أسماء فنية معروفة تجلب الشباب. كما تستهوي الأحياء الراقية والسياحية كسيدي بوسعيد والمرسى والنصر والمنار الشباب خلال السنوات الأخيرة.
في هذه الأحياء مهرجانات حديثة النشأة كـ "العبدلية" في جهة المرسى ومقاهي باهظة التكلفة توفر كل ما يطلبه الشباب خلال سهراتهم الليلية، لكن "ألفة"، وهي تلميذة ستجتاز امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) السنة المقبلة، تؤكد "أن عبق المدينة العتيقة وروحها في رمضان لا تقارن بأي مكان آخر، فالمدينة التي بنيت حول جامع الزيتونة تنبض روحانيات وتستقبل الجميع من دون استثناء بعيدا عن البذخ".
يختلف الوضع بالنسبة لشباب تونس الأعماق في وسط البلاد وجنوبها، حيث لا بحر يلتجؤون إليه قصد الظفر بقسط من الاستجمام والراحة، وحيث تغيب مظاهر الرفاهية لقلة المادة في أغلب الأحيان، ويضطرون لقضاء ليالي شهر الصيام الحارة والطويلة داخل المنزل أحيانا، ويقتصر نشاطهم الخارجي على لعب الورق أو "الخربقة" بشوارع الحي أو مقاهيه البسيطة، هربا من الحرارة وفي ظل غياب أنشطة وأماكن أخرى.
وتتعدد خيارات الشباب في رمضان فعلى مرمى حجر من المقاهي تستقبل المساجد المصلين. يواظب جزء من الشباب التونسي على الالتحاق بالمساجد لأداء صلاة التراويح ويلتزم بعضهم أيضا بقراءة القرآن اقتداء برسول الله وصحابته. لكن "أمينة بن منصور"، أم في أواخر الأربعين تقطن بمحافظة أريانة إحدى ضواحي العاصمة التونسية، تعتبر أن "شباب اليوم قد تخلوا عن مقاصد الشهر، وأهمها العطاء، وتحول رمضان إلى شهر الكسل والنوم والسهر طيلة الليل في المقاهي والحفلات وغاب الجانب الروحاني والديني".
(تونس)