مع قدوم شهر رمضان في السودان، تزدهر تفاصيل الحياة اليومية بالكثير من العبادات والأنشطة الروحية والاجتماعية، وتنشط الزيارات الأسرية وضروب الرياضة المختلفة، ويوفر الشهر الفضيل فرصاً للعديد من القطاعات لتقديم برامج روحية وترفيهية متنوعة. وينقسم الشباب في الخرطوم إلى مجموعات متباينة ومتعددة ومختلفة اجتماعيا وطبقياً، الأمر الذي ينعكس على طبيعة البرامج الترفيهية والأنشطة التي ينخرطون فيها.
ومن أشهر المواقع التي يقضي فيها الشباب وطلاب الجامعات فترات طويلة من الأنس ويمارسون فيها رياضة المشي والتمارين الرياضية، فتية وفتيات، شارع النيل الشهير في مدينة الخرطوم الذي تتوزع فيه مجموعة من الكافتيريات قبالة كوبري المنشية ويجاورها على شريط النيل المئات من بائعات الشاي اللواتي يقدمن المشروبات الساخنة لضيوفهن والرواد.
يقول الشاب مروان الكنزي إنه يتوجه يومياً خلال رمضان مع مجموعة من أصدقائه إلى شارع النيل بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، لإنفاق الوقت في لعب الورق والأنس وشرب الشاي والقهوة، مضيفاً أنهم يعودون إلى منازلهم في الساعات الأولى من الصباح. يشير إلى أن أغلب شباب العاصمة يتوجهون إلى شارع النيل لأنه أصبح المتنفس الوحيد لهم، وأغلب البرامج التلفزيونية خلال الشهر الفضيل، لا تسد الحاجة لملء أوقات الفراغ.
ومن الأماكن التي وجدت رواجاً وسط مجموعة من الشباب "خيمة الصحفيين" الرمضانية التي تدخل هذا العام موسمها السادس، والتي أضحت قبلة لتجمعات الشباب من الإعلاميين والصحافيين وأسرهم وضيوفهم.
يعرِّف المدير التنفيذي لمؤسسة "طيبة برس" (التي تشرف على تنظيم الخيمة) معاوية أحمد الطيب طبيعة الخيمة، قائلاً إنها بدأت نشاطها في عام 2007 واستمرت لأربعة مواسم رمضانية ثم توقفت، ثم عاودت موسمها الخامس في عام 2015.
ويقول إن فكرة الخيمة تتلخص في أنها ملتقى للصحافيين وأسرهم وأصدقائهم، بهدف تقديم برنامج ثقافي وفني واستضافة ضيوف سياسيين في حوارات بعيداً عن السياسة، مضيفاً أن الخيمة تقدم برنامجاً ترفيهياً في قالب جاد بشكل مختلف عن برامج الترفيه الرمضانية.
يشير الطيب إلى أن الخيمة طوال رحلتها في السنوات الست، استضيفت في عدد من المواقع، أولهم المركز القومي للسلام بالخرطوم بحري الذي استضاف الموسم الأول والثاني، وكان الموسم الثالث في مقر صحيفة "الأخبار" بالخرطوم بحري، فيما كان الموسم الرابع بنادي ضباط قوات الشعب المسلحة بالخرطوم، وكان الموسم الخامس باستوديو المبارك بفندق القراند هوليداي فيلا، وهو مكان الموسم الحالي. ويوضح أن تمويل الخيمة يتم من خلال الرعايات التي تقدمها الشركات، والتي تتراوح بين تقديم المشروبات أو المساهمات العينية الأخرى.
وتقصد مجموعات من الشباب من الطبقات العليا وذات المقدرات الاقتصادية، فنادق الخرطوم التي عادة ما تستبق الشهر الفضيل بدعايات إعلانية مكثفة عن برامجها خلال رمضان، حيث تقدم فقرات متنوعة، ويتم تقديم الأطعمة والمشروبات وتدخين "الشيشة".
وتقول مسؤولة العلاقات العامة في فندق "لا لون" في حي العمارات بالخرطوم شاهيناز جمال، إن الفندق يعمد إلى تقديم برامج وأمسيات ترفيهية وغنائية خلال العشرين يوماً الأولى من رمضان، مضيفة أنهم يتوقفون عن تقديمها في العشر الأواخر بسبب صلاة التهجد، وأشارت إلى أنهم يستضيفون الفرد بمقابل رمزي يبلغ ستين جنيهاً في الأمسية، وأن أغلب جمهور الأمسيات من الشباب والقليل من الأسر، وقالت إن برنامجهم الترفيهي يحتوي على فقرات غنائية رئيسية بمشاركة مجموعة من المطربات الشهيرات كـ"أفراح عصام" و"فاطمة عمر" و"منى مجدي" و"ملاذ".
ويتوزع الشباب الرياضيون وعشاق كرة القدم على مجموعة من ميادين الخماسيات التي تنظم غالب أحياء وأطراف العاصمة، حيث يتم تأجير الملعب بمبالغ تتراوح بين مئة وخمسين جنيهاً ومائتي جنيه للساعة الواحدة، ويبدأ اللعب في هذه الميادين عقب صلاة التراويح ويستمر إلى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي، فيما تشهد بعض الأحياء تنظيم دورات تنافسية تشارك فيها الفرق الرياضية المختلفة، كما يشهد مجمع طلعت فريد الأوليمبي بالخرطوم إقبالاً كثيفاً خلال رمضان من الرياضيين، حيث يتم تنظيم مسابقات في رفع الأثقال وكرة السلة والكرة الطائرة، والمجمع أحد أبرز الدور الرياضية في السودان وهو مزود بمعدات وملاعب مؤهلة.
وفي أحياء العاصمة الطرفية، وهي الأكثر فقراً وتتميز بالبعد الجغرافي عن مركز النشاط الترفيهي بوسط العاصمة، ينقسم الشباب خلال الشهر إلى وجهتين، حيث يذهب البعض إلى طلب المؤانسة في محلات بيع الشاي بالأسواق ومناطق التجمعات كسوق ستة بالحاج يوسف، أو حي مايو والسلمة جنوب الخرطوم أو أحياء الإسكان شمال أم درمان، ويتوجه آخرون إلى أندية المشاهدة طلباً للأفلام والمسلسلات وحلقات المصارعة الحرة. يقول الشاب عبد الهادي أحمد إن فرص وبرامج الترفيه معدومة لديهم خلال رمضان، مضيفاً أنها تتلخص في أندية المشاهدة أو التجمع لدى بائعات الشاي، أو الأندية للعب الدومينو والكوتشينة، مشيراً إلى أن متابعة أي نشاط ترفيهي في وسط البلد يتطلب مقدرات مالية لا تتوفر لدى السواد الأعظم من شباب الأحياء الطرفية.