رمضان شهر السلام الاقتصادي

21 يونيو 2015
+ الخط -
بات شهر رمضان محطة اقتصادية اجتماعية سياسية، حافلة بالجدل فلسطينياً، جدل كاشف لكل ما استجد على الواقع، وتكاثف فيه خلال السنة الفائتة، وكاشف أيضا للتغير المستمر على سلوك الاحتلال والسلطة والفلسطينيين في شأن رئيس، هو العلاقة الحياتية مع واقع الاحتلال والسلطة. 
في هذا الشهر، تستعيد الحكومة الإسرائيلية صورة سيطرتها التفصيلية على حياة الفلسطينيين ووصايتها عليهم في قالب من خطاب إنساني وإغاثي، وراع للتعدد الديني ولحقوق العبادة وغيرها. يبدأ الإعلان عن تسهيلات في الحركة والتنقل وفتح المجال أمام الدخول للقدس للصلاة والعبادة، وكذلك الدخول إلى الأرض المحتلة 48 للسياحة والاستجمام. وتبدأ المرافق السياحية والتجارية باستقبال أفواج الفلسطينيين المصرح بوصولها. وعلى الجهة المقابلة، تنشط السلطة في تسيير التواصل مع "الجانب" الإسرائيلي، في سبيل الاستفادة من التسهيلات، وتتولى تقديم طلبات التصاريح للإسرائيليين، وتسليمها للفلسطينيين، وضمان مضي أيام هذا "الموسم" على أهدأ وجه.
أهم ما في هذا المشهد كشفه عن حقيقة أن ما يجري في رمضان ومواسم الأعياد هو أقصى ما يفكر الإسرائيليون بمنحه للفلسطينيين، سلام اقتصادي وتنسيق أمني تفصيلي، يؤكد التعامل مع السلطة أداة تنفيذية على الأرض، من دون أي اتفاقات واضحة ومحددة، وفيها مكتسبات قابلة للاستثمار. ويبدو أن تطور الجهاز الأمني الإسرائيلي في السنوات الماضية تم وفق تصور هذا السيناريو التفصيلي من إدارة حياة الفلسطينيين، مع توفر أدوار يمكن أن تقوم بها السلطة. ولكن، من دون حاجة إلزامية لوجودها أو دورها. مع وضوح عدم إبداء السلطة اعتراضاً واضحاً على طريقة استدامة الوضع القائم من الإسرائيليين، بل بالعكس، هي تساهم، من جانبها، في جعلها أسهل وأيسر تحت شعارات عريضة، من قبيل التخفيف على الناس، ومساعدتهم في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وهذا منطق يبدو الدفاع عنه سهلاً، أما مواجهته فمعقدة، وتبدو وكأنها تتعارض مع تلبية حاجات الناس الأساسية.
لا بد هنا من النظر إلى سلوك الفلسطينيين، أو كثير منهم، يظهر هنا توسع المضي نحو استصدار التصاريح من الإسرائيليين، لأغراض لا تحمل أي صفة إلحاح، مثل السياحة أو العبادة، بعد سنوات كان فيها التصريح الطبي وتصريح زيارة الأسرى يحتكران دلالة "تصريح" شعبياً، ويحملان تبريراً وحيدا للحصول عليه، أو طلبه.
يضاف إلى ذلك توسع النقاش حول حقيقة السلطة والاحتلال، والتسليم المتزايد بأن العلاقة الاقتصادية المباشرة مع الاحتلال واقع لا بد من التعامل معه، ولا مشكلة، وطنيا وأخلاقياً، فيه. وعلى هذا المستوى، تظهر السلطة مفرغة من مضمونها، ومجرد غطاء يمكن رفعه، والخوض مباشرة في العلاقة الحقيقة الممكنة. الغريب أن السلطة تلتزم صمتاً مريباً حيال هذا الواقع، ولا تنشغل، ولو إعلامياً، في إثبات وجودها منظماً لسوق فلسطينية، أو أي قوة اقتصادية مبررة، لكونها جامع ضرائب، ومحتكرا في خدمات وقطاعات "وطنية" كثيرة. ومن اللافت، هنا، تبرير كثيرين تعاملهم مع السوق الإسرائيلية، أو أي مفردة من مفردات واقع الاحتلال، ضمن تبرير رفضهم السلطة وأدوارها والدفاع عن هذا المنطق بقوة. والتعامل المقصود، هنا، يقصد به أي تعامل مع سلطة قهرية واقعة، ولا ينفي مناوأتها.
مهم هنا التنبه المستمر لذاك الشق العمودي داخل المجتمع الفلسطيني، المتوسع بفعل هذه السياسات وتثبيتها، وهو الذي يفصل الفلسطينيين إلى مستحقي تسهيلات وغير مستحقين لها، ثنائية الزبون والعدو. ترى العين الإسرائيلية الأمنية الفلسطينيين بين زبائن مأموني الجانب وعناصر تهديد. ومن المهم أيضا الانتباه إلى أن هذا التصنيف غير موثوق للإسرائيليين، ويظل يخضع لمراجعة مستمرة، وهذا ما يستدعي التفكير به فلسطينياً وبمآلاته وعواقبه، وأقلها تفشي انعدام الثقة بين الفلسطينيين، وتبدل رؤيتهم لفكرة الواقع والمصير المشترك.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين