دفع الركود الذي يعاني منه قطاع البناء والأشغال العمومية في المغرب، الشركات العاملة في القطاع، إلى حرق الأسعار، في منافسة شرسة بينها، من أجل الفوز بالصفقات، خاصة المشروعات التي تطرحها الدولة والمؤسسات التابعة لها.
ويعاني قطاع البناء والأشغال من أزمة خانقة، منذ خمس سنوات، ما أثر سلبا على الكثير من الشركات، بينما كانت المشروعات العمومية أحد محركات الاقتصاد الأساسية في الأعوام السابقة.
ووفق تقرير صادر أخيرا عن المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، سجل قطاع البناء والأشغال العمومية نمواً ضعيفاً في العام الماضي 2018، لم يتجاوز 0.9%، مقابل 0.7% في العام السابق عليه.
وجاءت هذه البيانات، بعد أقل من شهر من إعلان وزير التجهيز والنقل واللوجستيك، عبد القادر اعمارة، أن الاستثمارات في قطاع البناء والأشغال العمومية، ستتجاوز، خلال العام الجاري 2019، نحو 4 مليارات دولار، فيما نظمت الوزارة لقاءً مع المستثمرين في قطاع البناء والأشغال العمومية، من أجل التعريف بالمشاريع التي سيتم طرحها.
وتقرر رصد حوالي 1.4 مليار دولار لقطاع الطرق، ونحو 1.3 مليار دولار للمشروعات في الموانئ، و700 مليون دولار لأعمال البنية التحتية، و510 ملايين دولار لمشروعات المياه، و120 مليون دولار للسكك الحديدية.
غير أن المنافسة الشرسة بين الشركات في ظل تراجع الاقتصاد في الأعوام الأخيرة، أدى إلى تدهور وضع العديد من المنشآت. هذا دعا مولودي بنحمان، رئيس فيدرالية البناء والأشغال العمومية (تجمع للمستثمرين)، إلى التحذير من نتائج اللجوء إلى خفض الأسعار بنسب مرتفعة، بهدف الفوز بالصفقات.
وقال بنحمان إن البيانات حول وضع الشركات تفيد بارتفاع حالات الإعلان عن الإفلاس، وسلوك مسار التصفية أو التسوية القضائية، وتعرّض شركات للمتابعة القضائية التي تتخذ في بعض الأحيان أبعاداً جنائية. وأرجع هذا الوضع إلى حرب الأسعار، لافتا إلى أن بعض الشركات تخفض الأسعار التي تقترحها إلى مستويات، تفضي إلى تهديد وجود شركات أخرى.
وتعمد شركات في قطاع البناء والأشغال العمومية، إلى اقتراح أسعار جد منخفضة، حيث تغطي في بعض الأحيان التكاليف فقط، من أجل الفوز بالصفقات العمومية.
وتلجأ هذه الشركات إلى تقديم عروض يتراوح مستوى الانخفاض مقارنة بالمنافسين بما بين 20% و25%، بينما يفترض ألا يتجاوز المستوى المقبول 5%، حسب المعايير الجاري العمل بها، وفق رئيس فيدرالية البناء والأشغال العمومية.
ودعا بنحمان، جميع مسيّري (مسؤولي) الشركات، إلى إعادة النظر في سياسة الأسعار التي تعتمدها، مشددا على ضرورة اقتراح أسعار معقولة عند التقدم لطلبات عروض الصفقات العمومية، بما يغطي التكاليف ويتيح تحقيق أرباح.
ومن جانبه، أشار إدريس الفينا، الخبير الاقتصادي، إلى أن إنعاش قطاع البناء والأشغال يجب أن يجري بعيداً عن المشاريع التي تنجزها الدولة، والتي راهن عليها القطاع كثيرا، في الأعوام الماضية. وأوضح الفينا أنه يفترض في الحكومة، تبنّي تدابير تنظيمية وجبائية، تساعد على إنعاش قطاع البناء والأشغال العمومية، بالموازاة مع استعادة ثقة القطاع المصرفي في قطاع البناء لتنشيط الأعمال.
وأشار إلى أن من مؤشرات الركود العقاري، تراجع استهلاك الإسمنت في المملكة منذ 2010، حيث انخفض بنسبة 17.8% بين 2011 و2017، ليصل إلى 13.3 مليون طن مقابل 16 مليون طن.
واعتبر أن انخفاض استهلاك الإسمنت في الخمسة أعوام الأخيرة، يعني عدم إنجاز استثمارات بحوالي 51 مليار درهم (5.35 مليارات دولار) في البناء والأشغال العمومية، وهو مؤشر يدل على الوضعية الاقتصادية في الدولة.
ويتزامن تباطؤ النشاط الاقتصادي، مع ارتفاع معدلات البطالة، حيث أشارت بيانات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى أن نسبة البطالة وسط الشباب القاطنين في الوسط الحضري والمتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة تبلغ نحو 43.2%، فيما يقترب إجمالي عدد العاطلين من 1.2 مليون شخص.
ولفتت البيانات إلى أن حوالي 58% من العاطلين، لم يسبق لهم أن حصلوا على فرصة عمل، وتتوزع تلك النسبة بين الرجال بنسبة 51.8% والنساء بنسبة 69.1%. وذكرت مندوبية التخطيط أن 87% من العاطلين الذين لم يسبق لهم العمل يوجدون في المدن، 90.9% منهم حاصلون على شهادات.
وشهد المغرب، في العشرين من فبراير/شباط الماضي، إضراباً عاماً في العديد من القطاعات العمومية، وانطلقت مسيرة حاشدة في العاصمة الرباط، للمطالبة بتحسين المعيشة، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثامنة لتظاهرات حركة "20 فبراير" التي انطلقت في المملكة بموازاة الربيع العربي.
وتندد الاتحادات العمالية بعدم احترام الحكومة، ما أسفر عنه الحوار الاجتماعي، الذي تزامن مع احتجاجات الربيع العربي، بتحسين مستويات المعيشة، مشيرة إلى استمرار الارتفاعات المتوالية للأسعار، وعدم اتخاذ تدابير ذات طابع اجتماعي، من أجل تحسين ظروف العمل، وتبني إصلاحات فعالة في التعليم والصحة والنقل.
ولا يساعد معدل النمو الاقتصادي على تقليص البطالة، حيث تتوقع المندوبية السامية للتخطيط، تحقيق نمو في حدود 2.9% في العام الحالي، مقابل 3% في 2018.
وكان المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، قد قال، في تصريحات مؤخرا، إن الاقتصاد المغربي يعاني من ضغوط تتمثل في تراجع الناتج الإجمالي الداخلي في المتوسط إلى 3.7% بين 2009 و2017، مقابل 5% في الفترة بين 2000 و2008، مشيرا إلى أن نقطة من النمو الاقتصادي، كانت تتيح، في الفترة بين 2000 و2008، خلق 30 ألف فرصة عمل، غير أن ذلك المعدل تراجع في الفترة بين 2009 و2017 إلى 10500 فرصة عمل.