ركعتان للتنصّل من القَسَم
كلما مر الوقت، انقشع الظلام، وظهرت الملامح الحقيقية للصورة التي يُراد إخفاؤها، وما يساعد على ذلك أن مَن يكذب كثيراً نادراً ما يمتلك ذاكرة قوية. ولقد شهدت الساحة المصرية، في أسبوع واحد، تصريحات من وكيل الاستخبارات السابق، ثروت جودة، ومن وزير الخارجية، سامح شكري، تستوجب إعادة النظر في أمور عديدة، فضلاً عن تقديمهما للمحاكمة.
كانت كلمة الوزير أمام مؤتمر باريس، المخصص لمحاربة "داعش"، خروجاً عن السياق، ومحاولة انتحال شخصية مهندس العمليات الذي يحدد الأولويات للمجتمعين، ونسي أن دوره مثل المقاول الذي يورّد العمالة، ولا دخل له بتصميمات المشروع، أي "مقاول أنفار"، بالمعنى الشعبي المصري، فحاول الحشد ضد ليبيا، والغريب أنه تحدث عن الشرعية وضرورة تدخل الدول في ليبيا لحماية الشرعية!
لن نتطرق لذلك. ما يهمنا هنا هو اتهامه الشعب المصري بأنه أوصل الإرهابيين إلى سدة الحكم، فقال نصاً: "المصريون الذين عانوا على مدى العامين الماضيين من وصول التطرف إلى سدة الحكم، قبل أن يلفظه الشعب المصري ويحرمه من القدرة على التحكّم بمستقبله"، ولم يخبرنا معالي الوزير كيف وصل التطرف إلى سدة الحكم؟ هل وصل بانقلاب عسكري؟ أم بتحالف الاستخبارات والمجلس العسكري والإعلام الهادم للدولة الوليدة؟ أم أن المزاج العام للشعب المصري هو التطرف، فكان لا بد من تغيير الشعب ومزاجه!
ثم كانت كلمة الوزير أمام مجلس الأمن، في جلسته بخصوص العراق يوم 19 سبتمبر/ أيلول الجاري، فضيحة جديدة، فقد قال: "إن مصر واعية تماماً للتنظيمات الارهابية.. والذي يستند إلى وعي الشعب المصري لأغراضها السياسية الخبيثة مما دفعه للتصدي لها داخلياً في 30 يونيو/ حزيران، للتخلص من حكم جماعة الإخوان"، أي أن انقلاب 3 يوليو/ تموز لم يكن بسبب فشل الرئيس وعدم استجابته لإنذار العسكر بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بل كان للتخلص من حكم الإخوان، وبسبب وصول الإسلام السياسي إلى سدة الحكم بإرادة شعبية، والشعب لا يعرف مصلحته، وأن لديه مزاجاً إرهابياً متأصلاً، يجب تغييره بقوة السلاح.
ثم جاءت تصريحات ثروت جودة، وكيل الاستخبارات الأسبق، في حواره مع جريدة الوطن، بأن الاستخبارات المصرية، التي تعمل لدى الشعب المصري، قررت عدم إمداد الرئيس محمد مرسي بأي معلومة صحيحة، وأنهم لم يكتفوا بذلك، بل كانوا يمدّونه بالتقارير المضلّلة، بل إنه نصح مدير الاستخبارات بصلاة ركعتين للتنصّل من القَسَم الذي أدّاه أمام رئيس الجمهورية، ولم يخبرنا سعادة الوكيل كم من المسؤولين صلوا تلك الركعات.
تستوجب هذه التصريحات المحاكمة العاجلة بتهمة الخيانة العظمى للشعب، ولاختياراته، كما لنظامه الجمهوري، وهدم حلم الدولة الوليدة التي يُحترَم فيها الإنسان وإرادته، كما أنها تجلي الصورة أكثر كما أسلفنا، ولتؤكد أن قرار إقصاء الشعب المصري اتخذه قبل تولي الرئيس مرسي الحكم، وأن تحالف العسكر والاستخبارات أدار المؤامرة واستخدم الإعلام والقضاء وسائل مساعدة، ولعلّهم أشاروا عليهم بصلاة ركعتين لغسل آثار الجريمة.