تكاثرت مراكز "العلاج بالرقية الشرعية" في عدد من المدن بالمغرب، وبات الرقاة يعتمدون على أحدث طرق التواصل من أجل استقطاب زبائن مفترضين، وصارت لبعضهم شهرة واسعة داخل وخارج البلاد، بل إن منهم من راكم ثروات من عمله راقياً لعدد من "الأمراض الروحية".
ويتنافس الرقاة المغاربة إما عبر فتح محلات تختلف من راق إلى آخر، حسب إمكانياته وعدد زبنائه وعائداته المالية وشهرته أيضا، فقد يكون للراقي مركز عصري فخم، وقد يكتفي بالعمل داخل بيته، وإما عبر التنقل إلى منازل الراغبين في خدمات ما يسمى الرقية الشرعية بالقرآن، لطرد الجن أو علاج المس والعين والسحر وغيرها من الأعراض.
وتعتري عمل عدد من الرقاة في المغرب، وليس جميعهم، الكثير من الوشايات والشكايات التي تصل إلى حد اتهام بعضهم بالتحرش الجنسي تحت ستار إخراج الجني الساكن في جسد المرأة، وهو ما وصل بعضها إلى أقسام الشرطة، وشكايات أخرى ظلت حبيسة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن هذه القصص ما وقع لفتاة مغربية تحمل الجنسية السويدية مؤخرا بمدينة مراكش، لجات إلى خدمات أحد الرقاة المعروفين بالمدينة، فشرع معها في إجراء حصص لطرد الروح الشريرة من جسدها، قبل أن يفاجئها بمحاولة اغتصابها، وهو ما دفع الفتاة إلى تقديم شكوى ضده إلى الأمن الذي سارع إلى اعتقاله وعرضه على القضاء.
راق معروف آخر اتهمته أكثر من سيدة بأنه تحرش جنسيا بها أثناء حصص علاجهن من "أعطاب روحية"، فيما عانت أخريات من ضرب رقاة لهن بدعوى طرد الجن من أجسادهن، كما اشتكت نساء من تصوير بعض "شيوخ الرقية" لهن أثناء العلاج بدون رغبتهن، أو لمس أجزاء حساسة من أجسادهن.
ونبهت تنسيقية المعالجين بالقرآن الكريم بالمغرب إلى خطورة هذه الممارسات التي يقوم بها بعض ممتهني الرقية الشرعية، أو المتطفلون على هذا المجال، من خلال تصوير فيديوهات تروع الناس، وتصور المرضى بلا استشارتهم، ليصل الأمر أحيانا إلى ابتزازهم والتشهير بهم".
ويبقى اللافت في ظاهرة الرقاة بالمغرب أن الأمر لا ينحصر فقط على لجوء نساء ورجال من الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة إلى خدمات هؤلاء "المعالجين"، بل أيضاً أشخاص متعلمون يحملون شهادات جامعية وآخرون لديهم نصيب من الثراء بدورهم يحرصون على حضور حصص الراقي.
ويكشف راق معروف بالدار البيضاء، فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ "العربي الجديد"، هذه الحيثية ليقول إنه من بين زبنائه يوجد نساء متعلمات لهن مناصب محترمة في المجتمع، يأتين إليه إما لفك "النحس" أو لطرد شبح القلق والكآبة، أو لتحسين علاقاتهن مع أزواجهن، أو للعلاج من المس والعين أيضا.
ويفسر المتحدث لجوء هذه العينات من الناس، رغم حصولهم على حظ جيد من التعليم والغنى أيضاً، بكونهم لا يأتون طلبا للعلاج الروحي إلا بعد أن يكونوا قد استنفدوا سبل العلاج الطبي الملموس دون جدوى، فيبقى أمامهم باب العلاج بالقرآن ومحاربة الشرور الروحية، حتى يحصلوا على راحة نفسية وبدنية تعيد لهم الطمأنينة في الحياة.
ويعلق الباحث الديني الدكتور إدريس الكنبوري على الموضوع لـ "العربي الجديد" بالقول إن الظاهرة يمكن النظر إليها من زوايا عدة، فهي من ناحية دلالة على زحف التدين السلفي في المجتمع، ومن ناحية أخرى دلالة على انتشار الأفكار الخرافية حتى وسط النخب المتعلمة والميسورة".
ولاحظ الكنبوري أن هذا الأمر ليس جديدا، فالمغرب معروف بكثرة الأضرحة والزوايا، وهناك العديد من النخب التي تقصدها للعلاج وتطلب بركة شيوخ الزوايا منذ سنوات طويلة"، متابعا بأنه "اليوم هناك تحول نحو الرقية التي تسمى شرعية بينما يتخذها الكثيرون مصدرا للدخل وتجارة رابحة". وذهب المتحدث ذاته إلى أنه "من زاوية أخرى يمكن القول إن البعض يلجأ إلى هذه السبل للعلاج بالرقية من بعض الأمراض المزمنة أو بعد عجز الطب عن مداواته، ما يفسر ذهاب بعض النخب المتعلمة إلى مراكز الرقية الشرعية أو العلاج بالقرآن".