وجهت حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضربة اقتصادية جديدة لمحدودي الدخل قبيل موسم شهر رمضان وعيد الفطر الذي يستنزف آلاف الجنيهات من كل أسرة مصرية من الشريحة العظمى للموظفين الحكوميين والعاملين بالقطاع الخاص، برفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى وتدرجها حسب عدد محطات الرحلة.
وتبدأ أسعار التذاكر في مصر من 3 جنيهات لـ9 محطات، ثم 5 جنيهات لـ16 محطة، ثم 7 جنيهات لأكثر من 16 محطة، في أكبر وثاني زيادة في عهد السيسي، والتقسيم لأول مرة في تاريخ خدمة المترو، التي بدأت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وطالما اعتبرها المصريون وسيلة آمنة ورخيصة للتنقل عبر العاصمة.
وكانت تعتبرها الحكومات المتعاقبة وسيلة نقل استراتيجية تؤدي أكثر من وظيفة، كتخفيف الأعباء المرورية عن شوارع العاصمة، وضمان تمتع المصريين البسطاء بوسيلة نقل عامة رخيصة بعيداً عن حافلات النقل العام وسيارات الأجرة الخاصة التي كانت دائماً أغلى سعراً أو أقل آدمية.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مترو الأنفاق يستخدمه حوالي 42% من إجمالي عدد المواطنين المستخدمين لوسائل النقل العام على مستوى الجمهورية، وذلك نظراً لضعف أو انعدام منظومة النقل العام خارج القاهرة، واقتصار شبكات الحافلات الحكومية بمختلف أحجامها على القاهرة الكبرى وبعض عواصم محافظات الدلتا.
وكانت حكومة السيسي تتجه منذ 2014 إلى تخفيض أعداد الحافلات العامة المملوكة لهيئات النقل العام بنسب متدرجة، وصلت هذا العام إلى 5% من إجمالي الحافلات المسجلة عام 2014، وفي ظل عدم دخول حافلات جديدة حيز التشغيل منذ مشروع الحافلات "الذكية" المدعوم من دولة الإمارات قبل 3 سنوات، علماً بأن عدد الحافلات المكيفة أو القابلة لتشغيل تكييف هواء يضفي بعض الآدمية على النقل العام بالعاصمة لا يتجاوز 30% من إجمالي الحافلات المملوكة للدولة.
وما يزيد خطورة القرار الأخير؛ أن ثلث المصريين العاملين بالقاهرة والجيزة يرتحلون يومياً من محافظات أخرى، كالقليوبية والمنوفية والغربية والفيوم وبني سويف والسويس، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ويمثل مترو الأنفاق وسيلة النقل الأساسية لهذه النسبة الكبيرة، لا سيما الذين يستقلونه من ضواحي بعيدة عن قلب العاصمة، كالمرج وأحياء حلوان وشبرا الخيمة وضواحي الجيزة.
وعلى عاتق هؤلاء تقع الزيادة الكبرى في سعر تذكرة الرحلة، من جنيهين إلى 7 جنيهات، بنسبة 350% من السعر القديم، وإذا وضعنا هذا الرقم إلى جانب حقيقة أن الضواحي الأبعد عن قلب العاصمة هي الأفقر والأكثر عوزاً، فهذا يعني أن الفقراء هم الأكثر تضرراً من القرار بالنسبة لباقي محدودي الدخل.
وبلغت نسبة المصريين الذين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر العالمي بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 حوالي 32% ، يعيش نصفهم تقريباً في العاصمة وضواحيها بحسب تقديرات إعلامية قياساً بعدد السكان في القرى الأكثر فقراً، ويحصلون على أقل من 36 جنيهاً يومياً.
وضرب النظام الحاكم بالقرار مثالاً جديداً للكذب الحكومي وانعدام الشفافية؛ فقبل ساعات من تفعيله فجر أمس الجمعة، كان المتحدث باسم وزارة النقل قد نفى أية نية لزيادة أسعار التذاكر قبل شهر رمضان، بل إن وزير النقل هشام عرفات، الذي استخدمه السيسي كواجهة للقرار القاسي، كان قد أعلن قبل أيام معدودة عدم اتخاذ أي إجراء بشأن أسعار التذاكر قبل نهاية العام الدراسي، أي في نهاية يونيو/حزيران المقبل، وبعد عيد الفطر.
في السياق ذاته، كان السيسي ووزراؤه عام 2014 يزعمون أن السعر الحقيقي لتذكرة المترو بدون الدعم الحكومي هو 8 جنيهات.
ويعني هذا أن السعر الأعلى للتذكرة حالياً يكاد يكون عبئاً صافياً على كاهل المواطن، الأمر الذي تجاهلته وسائل الإعلام الحكومية والمقربة من النظام، والتي بدأت عقب القرار في نشر تقارير تزعم أن تذكرة المترو في مصر هي الأرخص على مستوى العالم، دون لفت الانتباه إلى التفاوت الشاسع في متوسط دخل المصريين ومتوسط الدخول في دول أوروبا واليابان وحتى روسيا التي بها خدمة المترو.
وتزعم التقارير أن "زيادات أسعار باقي الخدمات منعت زيادة سعر تذكرة المترو مرتين من قبل، بعد ورود تقارير مخابراتية تحذر من انفلات أمني وغضب شعبي".
وقالت مصادر حكومية مطلعة إن قرار زيادة سعر التذاكر وتقسيم المحطات بهذه الصورة كان محضراً منذ ما قبل تجديد ولاية السيسي الرئاسية بالانتخابات الصورية التي أجريت في مارس/ آذار الماضي، كوسيلة لوفاء مصر بتعهداتها لصندوق النقد الدولي بخفض الدعم على جميع الخدمات والمرافق.
إلا أن تقارير استخباراتية أوصت السيسي بتأجيل تنفيذ القرار لما بعد الانتخابات الرئاسية وقبل شهر رمضان، حتى لا تتحول الانتخابات إلى مظاهرة غاضبة ضد القرار.
وأشارت المصادر إلى سبب آخر أدى للتعجيل بالقرار؛ هو الزيادة الحتمية في أسعار المحروقات وتذاكر النقل العام ووسائل النقل الخاصة المختلفة المتوقعة في يوليو/ تموز المقبل، تزامناً مع زيادة أخرى في أسعار الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي.
وأضافت المصادر أن السيسي لم يوافق على خطة اقترحتها المجموعة الاقتصادية بتثبيت سعر التذكرة الأدنى بجنيهين فقط، وتقسيم المترو بشكل عام إلى 4 مناطق، يكون السعر في أعلاها وأبعدها عن ميدان رمسيس (محطة مترو الشهداء) 6 جنيهات، وكان عدم الموافقة نابعاً من إصرار السيسي على زيادة أدنى سعر للتذكرة تحسباً لمحاولات المواطنين للتحايل على القرار، بتقسيم رحلاتهم الشخصية، بالنزول من القطار في آخر محطة مسموحة بسعر التذكرة الأصلية، ثم الدفع مرة أخرى وهكذا.
وتحسباً لخروج الأمورعن السيطرة وتوقعات التقارير المخابراتية بتجرع المواطنين البسطاء للقرار دون ردة فعل؛ قال مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، مساء أمس الأول، إن مديريات الأمن بالقاهرة والجيزة والقليوبية عقدت اجتماعات تنسيقية مع شرطة المترو على مدار 4 أيام سابقة للإعداد لاستقبال القرار، حيث تم الاتفاق على تكثيف التواجد الأمني في جميع المحطات خاصة الرئيسية، وكذلك عند منافذ التذاكر.
وتوقع المصدر الذي يعمل بمصلحة الأمن العام ألّا يحدث حراك شعبي خطير على سلامة النظام إلا بعد زيادة أسعار المحروقات، خاصة وأن العلاوة الحكومية المنتظرة للرواتب والمعاشات بنسبة 10% لن تكون كافية لسد العجز الجديد في ميزانيات الفئات الأقل دخلا، خاصة بالنسبة للعاملين بالقطاع الخاص، والذين لن يستفيدوا بهذه العلاوة.