رفض دولي لقرار ترامب حول الجولان... وخيارات محدودة للرد

27 مارس 2019
قرار ترامب قدّم هدية لنتنياهو (براندون سميالوفسكي/ فرانس برس)
+ الخط -
جُوبه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف رسمياً بـ"السيادة الإسرائيلية" على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، برفض عربي ودولي واسع النطاق، لما يُشكله من تجاوز للقانون الدولي الذي ينظّم العلاقة بين الدول ويحرّم ضم أراضٍ محتلة، ويفتح الباب واسعاً أمام العبث بمنظومة العلاقات الدولية، ويقضي على أي آمال في التوصل لحلول للصراع العربي الإسرائيلي وفق قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر هضبة الجولان أرضاً محتلة تجب إعادتها إلى سورية. غير أنه لا تتوفر أي أدوات فعلية للرد على هذا القرار، فالنظام السوري المنهك عسكرياً غير قادر على فتح جبهة جديدة، ولا راغب في ذلك بعد سنوات من التهدئة مع الاحتلال، كما أن إيران التي لها وجود في سورية، ليست معنية باستفزاز الاحتلال. أما الرد السياسي عبر تحرك في مجلس الأمن الدولي، سيُواجه بتعطيل أميركي، ليبقى الرد الممكن عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ووقّع ترامب يوم الإثنين، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرسوماً يمنح إسرائيل رسمياً اعترافاً أميركياً بأن الجولان أرض إسرائيلية، ما شكّل تحولاً كبيراً في سياسة أميركية استمرت عشرات السنين حيال الوضع القانوني للهضبة.
ولقي القرار الأميركي رفضاً كبيراً من قبل كل الدول الإقليمية والدولية، كونه يعد تجاوزاً كبيراً للقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، ويحرّم ضم أراضٍ محتلة. واتفق النظام والمعارضة السورية على رفض الاعتراف الأميركي، في خطوة تؤكد المكانة التي يحظى بها الجولان لدى السوريين موالين ومعارضين. وفي هذا الإطار، أكد عضو اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني السوري، ياسر الفرحان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرار الرئيس الأميركي "لا يغيّر من التعريف القانوني لهضبة الجولان بأنها أرض سورية محتلة، ولا يغيّر من طبيعة توصيف الوجود الإسرائيلي في الجولان على أنه احتلال". وأضاف: "القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، تدين كلها الممارسات الإسرائيلية في المنطقة وتطالب إسرائيل بالانسحاب منها؛ ووفق نظام روما الأساسي يُعتبر الوجود الإسرائيلي على أنه جريمة عدوان تدخل ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية".

وأشار الفرحان إلى أن إسرائيل "هجرت أبناء المنطقة، وفرضت الجنسية الإسرائيلية على الذين تمسكوا بأرضهم ورفضوا الخروج منها في تصرّف يحمل سمة عنصرية". ولفت إلى أن الجريمة الإسرائيلية طاولت الجولان أرضاً وشعباً، فهجّرت أغلب أهله واستولت على ممتلكاتهم، ما يُعد جريمة ضد الإنسانية بحق المدنيين، الأمر الذي يضع الرئيس الأميركي تحت المساءلة القانونية تجاه حقوق الضحايا أمام المحاكم الأميركية والدولية. وأعرب الفرحان عن اعتقاده بأن القرار الأميركي "لن يخدم السلام في المنطقة"، مشيراً إلى أن الموقف الدولي يؤكد بطلان هذا القرار، معلناً أن المعارضة السورية "ستطرق أبواب المحافل الدولية لمواجهة قرار الرئيس الأميركي، وللدفاع عن الجولان". وأشار إلى أن حافظ الأسد سلّم الجولان بشكل "مريب" للإسرائيليين، فـ"الجولان كان ثمن توليه السلطة في سورية"، معرباً عن اعتقاده بأن النظام "سيصعّد كلامياً تجاه القرار ولن يُقدم على خطوات أخرى"، محذراً من محاولة رئيس النظام بشار الأسد شرعنة التنازل عن الجولان بشكل مستتر، مقابل بقائه في السلطة.

أما الحقوقي السوري وكبير المفاوضين السابق في وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، محمد صبرا، فقال إن الرئيس الأميركي "دق المسمار الأخير في نعش القانون الدولي باعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان بذريعة الأمن"، مضيفاً في منشور على صفحته في موقع "فيسبوك": "جعل مبدأ القوة أساساً للعلاقات الدولية، هو تدمير لمنظومة المجتمع الدولي، وإطلاق لديناميات العنف والعدوان بين الدول التي سترى من حقها احتلال أي أرض بذريعة حماية أمنها".

من جهته، اعتبر النظام السوري إعلان ترامب "اعتداء صارخاً" على سيادة سورية ووحدة أراضيها، وفق ما نقلت وكالة "سانا" عن مصدر في وزارة الخارجية في حكومة النظام. وأضاف المصدر وفقاً لوكالة "سانا": "يأتي القرار الأميركي تجسيداً للتحالف العضوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في العداء المستحكم للأمة العربية، والذي يجعل من الولايات المتحدة العدو الرئيسي للعرب من خلال الدعم اللامحدود والحماية التي تقدّمها الإدارات الأميركية المتعاقبة للكيان الإسرائيلي الغاصب". من جهته، قال وزير خارجية النظام وليد المعلم إن "ترامب وإدارته برهنوا أنهم عامل هيمنة على المجتمع الدولي، واستمرار هذه السياسة تعطي رسالة للعرب أن اليوم الجولان، وغداً لا نعلم ماذا يريد"، مضيفاً: "مهما مرت السنوات لن يغيّر ذلك شيئاً من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة، وأن الجولان المحتل محصن بدعم شعبنا وصمود قواتنا المسلحة".


ودانت السعودية وقطر والكويت والإمارات والبحرين والأردن والعراق القرار الأميركي، واعتبرته عائقاً كبيراً أمام السلام المنشود بالمنطقة. ومن موسكو، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، أن اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان يتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، مضيفاً أثناء لقائه مع رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، أمس الثلاثاء: "الأمة العربية تعيش يوماً أسود بسبب قرار ترامب حول اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان". فيما أعرب الكرملين عن أسفه إزاء قرار ترامب، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين أمس، إن إعلان ترامب خطوة جديدة تتخذها واشنطن في مخالفة واضحة للقانون الدولي.

ولم يتأخر رد الأمم المتحدة على إعلان الرئيس الأميركي، إذ قال المتحدث باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام أنطونيو غوتيريس "واضح (في القول) بأن وضع الجولان لم يتغير". وأضاف: "سياسة الأمم المتحدة بشأن الجولان انعكست في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتلك السياسة لم تتغير".
كما وصفت وزارة الخارجية التركية الإعلان بـ"أنه انتهاك خطير للقانون الدولي"، مضيفة في بيان: "هذا القرار المؤسف... يبيّن أن الإدارة الأميركية تواصل نهجها لتكون جزءاً من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل في الشرق الأوسط". ودعت المجتمع الدولي إلى احترام المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، مضيفة: "القرار الأميركي باطل تماماً ولاغٍ بالنسبة لتركيا".

في سياق آخر، لا يبدو أن النظام قادر على مواجهة هذا القرار عسكرياً، إذ لم يحاول منذ عام 1973 تغيير المعادلة واسترجاع الجولان بالقوة، والتزم تماماً باتفاق وقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلي في عام 1974، بل يذهب معارضون للنظام إلى القول إن الأخير ظل لأكثر من 40 سنة بمثابة "الحارس الأمين" للحدود الشمالية لإسرائيل. وبعد الحرب المفتوحة التي شنّها النظام على السوريين منذ عام 2011، بات جيش النظام متهالكاً غير قادر على خوض حرب. وبالتالي ليس أمام النظام إلا المسار القانوني، ومن المتوقع أن يلجأ عبر حلفائه الروس إلى مجلس الأمن من أجل التأكيد على أن الجولان السوري أرض محتلة لا يحق قانونياً لإسرائيل ضمه إليها. كما من المرجح أن يلجأ النظام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في حال فشل مساعيه في مجلس الأمن الدولي، ومن المتوقع أن تمنع واشنطن أي قرار في هذا المجلس يمكن أن يجعل من الخطوة الأميركية بلا جدوى من الناحية القانونية.

كذلك ليس من المتوقع أن تُقدم إيران حليفة النظام على أي خطوة استفزازية للاحتلال رداً على القرار، إذ يُرجح أن يكون رد إسرائيل قاسياً في حال قيام مليشيات موالية لإيران متمركزة في جنوب سورية بإثارة بلبلة أمنية أو عسكري في الحدود الإسرائيلية أو داخل إسرائيل. ويرتبط الاحتلال الإسرائيلي بتفاهمات مع الجانب الروسي حيال الوضع العسكري في جنوب سورية، تحول دون تصعيد عسكري يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين إسرائيل والنظام السوري وحلفائه الإيرانيين.

يُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي استولى في حرب عام 1967، على 1158 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كيلومتراً مربعاً. وضمّ ما استولت عليه عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، ولقيت مقاومة من سكان القرى الأربعة التي تسيطر عليها إسرائيل في هضبة الجولان. واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 497 بالإجماع في 17 ديسمبر/كانون الأول 1981 رفضا للخطوة الإسرائيلية بضم هضبة الجولان. ونزح أغلب سكان الجولان السوري، والمقدّرين وقتها بعشرات الآلاف، إلى العاصمة دمشق وريفها عقب دخول الجيش الإسرائيلي للهضبة، في خطوة لا تزال تثير تساؤلات حتى اليوم، إذ يتهم معارضون سوريون كانوا وقتها في مفاصل السلطة، وزير الدفاع حافظ الأسد، والذي أصبح بعد ثلاثة أعوام رئيساً لسورية، بتسهيل دخول الجيش الإسرائيلي إلى الهضبة المحصنة.