حقق برشلونة انتصارا ثمينا على حساب أتليتكو مدريد في قمة هذا الأسبوع بالليغا الإسبانية، ويعتبر هذا الفوز أكثر من كونه مجرد ثلاث نقاط، لكنه شهد تحولات تكتيكية مهمة بين الفريقين طوال الدقائق التسعين، في ملحمة فنية رفيعة المقام بين ثنائي تدريبي مختلف، لويس إنريكي أمام دييغو سيميوني، نزال من نوع خاص في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة.
نقطة الضعف
يُحسب لبيريزو مدرب سيلتا فيغو اندفاعه البدني في الضغط أمام برشلونة، خلال لقاء الفريقين في الدور الأول من البطولة المحلية، وقتها فاز أصحاب الأرض برباعية، وقدم المدرب الأرجنتيني لوحة فنية خصوصا على الصعيد الهجومي. وخلال الأسابيع الماضية، تجرأ أكثر من منافس على المارد الكتالوني، وأصبح الطريق إلى مرمى برافو/شتيغن ليس أمرا صعبا.
يضغط المنافس على برشلونة بطريقة ذكية، تجاه برافو، بيكيه، واللاعب الأهم بوسكيتس، ارتكاز البلاوغرانا هو الأساس، عندما تنجح في الحد من خطورة سيرجيو، فأنت في وضع آمن أمام هذا الفريق. يتم فصل الرقم 5 عن البقية، يجد حارس المرمى خيارات ضعيفة أمامه، فيضطر للتشتيت أو لعب الكرة إلى زميل محاصر، فيتم قطع الكرة وتطبيق مرتدة خاطفة.
في القمة الأخيرة، لعب سيميوني بدون مهاجم صريح من الأساس، مع تحويله لخطة 4-4-2 إلى ما يشبه 4-6-0 في الحالة الدفاعية، و 4-5-1 أثناء الهجوم بصعود كاراسكو بالتبادل مع غريزمان إلى الأمام، وطبق الشولو الأرجنتيني أسلوبا مزيجا بين الرقابة الفردية والجماعية في نصف ملعبه أمام حاملي الكرة من لاعبي البارسا.
لعبة الضغط
من المستحيل تطبيق الضغط المتقدم ضد برشلونة طوال المباراة، لكنه خيار مثالي في نصف الساعة الأولى، وهذا ما فعله كل من ملغا، بلباو، أتليتكو على التوالي، لكن مشكلة هذه الفرق أنها سجلت هدفا واحدا فقط في النهاية، ما جعل قلب النتيجة أمرا غير مستحيل أمام إنريكي وفريقه.
مشاكل برشلونة ليست تكتيكية في المقام الأول، لكنها بدنية بحتة، فالفريق يعاني من نقص حاد في صفوفه، على الرغم من قيد توران وفيدال، لأن الثلاثي الهجومي ليس له بديل، بوسكيتس ليس له بديل، بيكيه ليس له بديل، ألبا مثلهم، وحتى ماسكيرانو، مما يُجبر الطاقم التقني على استهلاك العناصر الرئيسية في كافة المباريات المعقدة.
عرف البرسا كيف يتعامل مع الضغط بالعام الماضي، نتيجة استخدام فكرة المرتدات وتطبيقها بشكل مثالي، لكن في هذا الموسم الأمر بات أصعب، لأن الـ"MSN" يجد صعوبات بالغة في العودة إلى نصف ملعبه، والخروج بالكرات من الدفاع إلى الهجوم، ومع جدول مزدحم للغاية، فإن هذه المعضلة ستتضاعف أمام برشلونة في قادم المواعيد، وستكون نقطة الضعف الأولى خلال بعض المواجهات الحاسمة، إنه الإرهاق الناتج عن ضعف عمق الفريق، والمتسبب في سهولة خنق عناصر الدفاع، وفصلها تماما عن لاعبي الشق الهجومي.
مسكنات ذكية
حصل لاعبو أتليتكو على بطاقات صفراء خلال النصف الأول من الشوط الأول، ومع مرور 25 دقيقة تقريبا، عرف سيميوني أن مواصلة الضغط من المنتصف أو الأمام أمر غير إيجابي بالمرة، والمواصلة بهذه الطريقة تعني الذهاب إلى الشوط الثاني من دون أي بطاريات بدنية مشحونة، مما جعله يعود إلى الخلف قليلا، ويغلق المساحات في نصف ملعبه، مكتفيا بإحراج حامل اللقب، وبهدف كوكي المهم.
هنا قام لويس إنريكي بتعديل تكتيكي بسيط لكنه حاسم، عودة بوسكيتس كقلب دفاع حقيقي بين بيكيه وماسكيرانو، سيرجيو هو "ليبرو" برشلونة، قريب جدا من برافو، وسبب رئيسي في صعود ألفيش وألبا إلى الأمام كأجنحة صريحة، لكن هذا التغيير لم يكن الوحيد، لأن إنيستا تحول أيضا من اليسار إلى اليمين، وترك راكيتيتش مكانه خلف ميسي، ليصبح في الجهة المقابلة على مقربة من نيمار.
أخذ سواريز الجانب الأيمن، بينما دخل ميسي إلى العمق كرأس حربة وهمي، وعاد إنيستا بضعة خطوات للخلف على اليمين، حتى يساهم في خروج الكرة بأريحية، كذلك يفتح فراغا حقيقيا أمام داني ألفيش في الرواق، أما راكيتيتش فهو لاعب مختص بالأدوار الخلفية، بالتغطية المستمرة كلما صعد الثنائي ألبا ونيمار معا على اليسار، من 4-3-3 إلى ما يشبه 3-4-3.
القادم أصعب
لعب أتليتكو مدريد منقوصا من لاعبين خلال آخر نصف ساعة، لكن فريق سيميوني أظهر قوة حقيقية وثبات محترم، ويملك المدرب الأرجنتيني فريق أفضل من ذلك الذي فاز معه بالليغا خلال عام 2014، لكن ينقص الفريق بعض التفاصيل الصغيرة، كمهاجم سريع وخاطف أمام غريزمان، خصوصا مع انخفاض مستوى جاكسون مارتينيز، لكن الأتليتي حاليا يضم تشكيلة متنوعة، بكل تأكيد تبدع في الدفاع، لكنها ممتازة في السيطرة على الكرة، كالبلجيكي كاراسكو، نيغويز، كوكي، غريزمان، وأوليفر توريس.
بينما برشلونة أمامه محطات صعبة في القادم، بعد تعثر المفاوضات مع نوليتو واستحالة عودة دينيس سواريز حاليا، وبالتالي سيلعب لويس إنريكي بنفس العناصر الرئيسية، التي استهلكت بدنيا ولياقيا مؤخرا، وأمام فرق تجيد الضغط القوي في البدايات، من الممكن تعقيد الأمور أكثر، خصوصا في حالة تسجيل أكثر من هدف خلال الشوط الأول.
تبقى فكرة اللعب ببوسكيتس كمدافع صريح أمرا إيجابيا، كذلك محاولة قيام إنيستا بدور صانع اللعب المتأخر، لكن هناك تحديات منتظرة تحتاج إلى مرتدة خاطفة من نيمار/ ميسي كما كان يحدث في الموسم الماضي، فهل ينجح لوتشو في إضافة لمحات تكتيكية مبتكرة؟ أم يرضخ للأمر الواقع ويراقب مدى قدرة لاعبيه على مواجهة الوحش الكاشر المعروف باسم "الإرهاق البدني"!؟