يشهد الصحافيون والناشطون العاملون في المجال الإعلامي في العراق الكثير من الصعوبات والتهديدات بالقتل أو بإيقافهم عن العمل، كما يتعرض العديد منهم للاختفاء القسري والضرب والاعتداء من قبل أجهزة الأمن، في ما تصفه نقابة الصحافيين العراقيين بأنّ "الصراع في العراق هو الأكثر فتكاً بالصحافيين على مدار العقود الماضية"، إذ شهد مقتل 500 صحافي وعامل إعلامي في جميع المناطق منذ الاجتياح الأميركي.
يروي مراسل راديو "الغد"، كريم حساوي تجربته، قائلاً: "كان الخوف يلاحقني منذ أول يوم دخلت فيه قسم الصحافة في كلية الآداب جامعة الموصل، لكون تلك الفترة كانت عصيبة وكانت مدينة الموصل تفقد صحافياً تلو الآخر بسبب عمليات التصفية. بعد فترة، فقدنا إحدى زميلاتي، الصحافية نورس النعيمي، التي تم اغتيالها بعد خروجها من الكلية، وهذا ما زاد يقيني بصعوبة العمل في هذا المجال خاصة في بلدنا الذي يشهد صراعاً مستمراً على مختلف المستويات".
ويبيّن حساوي لـ"العربي الجديد" أنّ "المصاعب والمتاعب التي يواجها الصحافي كثيرة، منها صعوبة الحصول على المعلومة خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك لتوتّر الوضع الأمني والمعارك ضد تنظيم "داعش"، وقد تعرضت للكثير من المشاهد الإنسانية الصعبة سواء تلك التي حدثت معي أو التي شهدتها بنفسي. أذكر جيداً حين كنت متواجداً في منطقة التدقيق الأمني، المكان الأول الذي يتم فيه استقبال العوائل بعد تحريرها... كانت المناظر مؤلمة حقاً".
ويضيف "شاهدتُ أطفالاً في الشارع يبكون وقد فقدوا جميع أفراد عائلاتهم، وأطفالا آخرين من الموصل القديمة كانوا "مجرّد هياكل عظمية". كان عليّ كصحافي أن أغطّي ذلك لكن الوضع الأمني كان خطراً للغاية، ولا يمكن المجازفة بتصوير تلك المشاهد، إلا أنني قمت بتدوينها".
ويشير الحساوي إلى أنّ العمل الصحافي في العراق يعدّ مجازفة، لكن "حين نقوم بنقل الأحداث وتبيان الحقيقة للعالم عما يحدث في بلدنا نجد أن ذلك العمل يستحق أن نقدم له كل التضحيات". ويطالب الحساوي الحكومة العراقية بحماية الصحافيين وتقدير جهودهم وتضحياتهم وتوفير راتب تقاعدي لعوائل الشهداء من الصحافيين.
من جانبه، يرى الناشط المدني دريد حسن (30 عامًا) أنّ "العمل في مجال الإعلام لا يختلف كثيراً عن العمل في جبهات القتال". ويضيف "الاختلاف في نوعية الاستهداف بين مباشر وغير مباشر. تُعدّ الصحافة ونقل الحقيقة خاصةً إن كانت تمس شخصيات حزبية وسياسية، جريمةً، تحديداً في بيئة مثل العراق، من أكثر البلدان خطورة على العمل الصحافي. كلّ من تسول له نفسه قول الحقيقة أو نقلها حتى وإن كان ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، يتعرّض للخطر، حتى أنّ الكثير من رواد المواقع يخشون حتى إبداء إعجابهم ببعض المنشورات إذ إنّ هناك خلايا إلكترونية تتجسس وتراقب كل من ينتقد أو يسيء إلى الأحزاب الحاكمة".
ويُبيّن حسن لـ"العربي الجديد" أن "أكثر الناشطين والمدونين يختفون خلف أسماء مستعارة، خوفاً وتحسباً للملاحقات والتهديدات التي طاولت العديد من الناشطين والحقوقيين الذين يعملون لنقل الأحداث وانتقاد الواقع الأمني والخدمي وانتقاد الفساد المستشري في البلاد".
إحصاءات رسمية
يؤكّد نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي أنّ الأسرة الصحافية فقدت 470 صحافياً منذ 2003، أغلبهم في ساحات المعارك، وبينهم نحو 25 صحافية.
وسجّل المرصد العراقي للحريات الصحافية، منذ أيار/مايو 2016 حتى أيار/مايو 2017، مقتل 21 صحافيًا، ما يشير إلى أن العراق يبقى البيئة الأكثر خطورة على الصحافيين برغمِ الدعوات إلى إجراءاتٍ أكثر حمايةً لهم، وما أُقِرَّ من قوانين.
كما سجلت خلال الفترة ذاتها، 375 حالة انتهاك بحق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، بينها 78 حالة احتجاز واعتقال، و58 حالة اعتداء بالضرب، وواجه آخرون دعوات قضائية من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين وأعضاء في مجالس المحافظات، وفقاً لتقرير مرصد الحريات الصحافية.
ويصنف مرصد الحريات الصحافية أعداد القتلى من الصحافيين بحسب الجهة التي نفّذت عملية القتل، فمنهم 190 صحافياً قتلوا على أيدي مسلحين مجهولين، و32 لقوا حتفهم أثناء تواجدهم في أماكن حدثت فيها انفجارات نفذها مجهولون، و20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الأميركية، بينما قتل صحافيان بنيران القوات العراقية، فيما لا يزال 14 من الصحافيين في عداد المفقودين.
من جانبها، طالبت منظمة "أمارجي" لحرية التعبير، ومقرها باريس، الاتحاد الأوروبي، بفتح ملف الاختفاء القسري في العراق، وطالبت بمعرفة مصير ناشطين حقوقيين تم اختطافهم من قبل مليشيات الحشد الشعبي منذ أكثر من سنتين.
واعتبرت المنظمة الحقوقية أنّ وضع حرية التعبير والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين في العراق حالياً هو في أسوأ حالاته منذ عام 2003. وأرجعت ذلك إلى سيطرة المليشيات والجماعات المسلحة العشائرية والتابعة للأحزاب الحاكمة على المدن العراقية، وفرضها أجندات دينية متشددة تمنع الناشطين من القيام بالكثير من الفعاليات بذريعة تعارضها مع الشريعة أو أنها تسيء إلى بعض الرموز الدينية أو السياسية في داخل العراق أو خارجه بما يشمل رموز بعض دول الجوار، في إشارةٍ إلى ممارسات وانتهاكات مليشيات الحشد الشعبي.
وأوضحت المنظمة أنها تتلقى أسبوعياً العديد من البلاغات من صحافيين وناشطين يؤكدون تعرضهم إلى التهديد بالقتل والتصفية من المليشيات والجماعات الدينية المتطرفة بسبب مزاولة عملهم الصحافي أو انتقاد أحد رموز السلطة أو الأحزاب الدينية أو اتهامهم بالإلحاد لمطالبتهم بتطبيق العلمانية في العراق وإبعاد البعض.
ويعدّ العراق من أكثر البلدان خطورة في العالم على الصحافيين، إذ يحتل المرتبة 158 من أصل 180 بلداً في الترتيب العالمي لحرية الصحافة، بحسب تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود.