رصاص عشوائي يقتل أهل بنغازي

23 أكتوبر 2017
صغار يتدرّبون على السلاح (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -
استقبل مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث في بنغازي خمسة مواطنين مع إصابات متفاوتة في مستوى خطورتها من جرّاء تعرّضهم لرصاص عشوائي خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. إلى هؤلاء قُتِل أربعة مواطنين وأصيب اثنان في المدينة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي للأسباب نفسها.

والرصاص العشوائي ظاهرة تعاني منها بنغازي نتيجة انتشار السلاح فيها بصورة كبيرة، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة شهور على إعلان قائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر إحكام سيطرته عليها وطرد مناوئيه من مسلّحي مجلس شورى المدينة.

ولأنّ الأمر يثير غضباً شعبياً، عمد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قبل نحو شهر إلى إطلاق هاشتاغ #أوقفوا_الرصاص_العشوائي. من جهتهم، عبّر المتفاعلون معه عن صدمتهم إزاء عدم تعاطي السلطات المسلحة المسيطرة على المدينة مع مطالبهم بحماية أبسط حقوق المواطن وهو الحقّ في العيش والتنقل بسلام.

السلطات تتجاهل هذه الظاهرة بينما لا تتوفّر إحصائية دقيقة لعدد ضحايا الرصاص العشوائي من قتلى وجرحى، إلا أنّ هؤلاء الناشطين راحوا ينشرون على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي قصص مآسٍ في هذا السياق، كطريقة لتوثيقها والتعبير عن احتجاجهم عليها. ولعلّ أبرز تلك القصص، ما حدث للشاب ماهر القطعاني الذي قضى بعدما استقرّت رصاصة في قلبه، فيما كان جالساً في مقهى في شارع عشرين، أحد الشوارع الرئيسية في المدينة.

اللافت في قصة الشاب القطعاني أنّه من أفراد مديرية أمن المدينة، وعلى الرغم من الشائعات التي تقول إنّه كان مستهدفاً بتلك الرصاصة بغرض اغتياله، فإنّ صفحات التواصل التي تناولت مأساته أكّدت أنّ شهود عيان أفادوا بأنّ الرصاصة عشوائية وأنّ القطعاني لم يكن عنصراً أمنياً ذا توجّه يدعو إلى تصفيته. يُذكر أنّ القطعاني ترك وراءه ابنة وابناً دون السابعة.

إلى ذلك، احتلت قصة أسماء محمد صالح المجبري التي سقطت قتيلة أثناء مرورها عند مفترق السلماني وسط المدينة برصاصة استقرّت في رأسها، صفحات التواصل خلال الشهر الماضي. وقد استخدمت قضيّتها كوسيلة لشجب الأوضاع الأمنية في المدينة، واستنكار تجاهل سلطاتها التحقيق في تلك الحوادث الملاحقة. وممّا زاد وتيرة غضب المدوّنين هو أنّ المجبري كانت حاملاً وتنتظر مولودها خلال شهرين، بحسب ما جاء في تصريحات صحافية لفاديا البرغثي المتحدثة الإعلامية في مستشفى الجلاء. وقد نقل المدوّنون حينها عن أقارب المجبري أنّها امرأة تقيم مع أسرتها النازحة من منطقة الواحات جنوباً، وتعرف ظروفاً معيشية صعبة، الأمر الذي أضاف مأساة أخرى بفقدها وجنينها بالنسبة إلى أسرتها المنكوبة.



في السياق، يكشف مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أنّ 36 قتيلاً و264 جريحاً وُثّقت أسماؤهم رسمياً في مراكز شرطة بنغازي منذ مطلع هذا العام، لكنّ تلك الحوادث سُجّلت كلها "ضدّ مجهول". يضيف أنّه "في الواقع، لا سلطة حقيقية لمديرية أمن المدينة التي تتبع لها الشرطة، فالسلطة هنا للمجموعات المسلحة التي اقتسمت المدينة كمناطق نفوذ بعضها قبلي وبعضها أمني وبعضها الآخر ديني".

من جهته، يقول فرج عثمان، وهو ناشط يقيم خارج بنغازي، إنّه "لا يوجد سبيل للتعبير عن الغضب سوى صفحات فيسبوك، عبر نشر تلك المآسي، لعلّها تخلق وعياً جمعياً يشجّع الناس على الاحتجاج". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّهم يعانون من "تعدد الجهات الأمنية وعدم انضباط المسلحين في انتماءاتهم بطريقة واضحة لتلك الجهات، الأمر الذي يعوّق تقديم المواطن شكواه". ويؤكّد أنّ "مراكز الشرطة ما زالت معطلة، والمفعّل منها لا سلطة له على هؤلاء المسلحين".

ويأسف عثمان إذ إنّ "الصراعات التي تشهدها المدينة بين مجموعات مسلحة وشخصيات متنفذة تبحث عن مصالحها، جعلت قضايا المواطن بعيدة عن الاهتمام الرسمي". ويلفت إلى أنّ "مديرية أمن المدينة طالبت في مرّات عدّة بإصدار قانون يجرّم حمل السلاح، لكنّ استمرار المدينة من دون سلطة محلية ممثلة في مجلس بلدي فاعل أخّر صدوره".

في السياق، يتحدّث عادل الخراز عن شقيقته التي أصيبت برصاصة عشوائية في منطقة اللثامة شمالي بنغازي، ويلفت إلى أنّ "امتلاك السلاح لا يقتصر على المجموعات المسلحة، فهو في كلّ بيت". يضيف أنّ "شقيقتي أصيبت أثناء مرور موكب زفاف، كان بعض سائقي السيارات فيه يطلقون الرصاص من النوافذ". ويؤكد أنّ "المخاوف التي تساور المواطن تمنعني في أحيان كثيرة من تقديم شكوى. ربّما يكون صاحب ذلك السلاح متنفذاً". ويشير الخراز إلى أنّه يعرف بمآل أسرة مؤلفة من ثمانية أفراد في منطقة الماجوري، أصيب الوالد فيها برصاصة عشوائية في ساقه، وهو عاجز عن الحركة منذ ثلاثة شهور.