رصاص الاحتلال المطاطي يستهدف عيون الفلسطينيين

24 ابريل 2017
الفلسطينيا​ن أحمد أبو الحمص ولؤي عبيد (العربي الجديد)
+ الخط -



في غرفة العناية المكثفة في مستشفى هداسا الإسرائيلي، المقامة على أراضي بلدة عين كارم الفلسطينية المهجرة غرب القدس المحتلة، ترقد فاطمة جبر محمود عبيد (52 سنة)، وهي فلسطينية من بلدة العيسوية شمال القدس، فقدت عينها اليسرى بعد إصابتها بعيار مطاطي أطلقة جنود الاحتلال عليها، بينما كانت أول أمس، السبت، في شرفة منزلها في حارة عبيد.

ويؤكد محمود عبيد، "أبو داود"، زوج السيدة فاطمة، لـ"العربي الجديد"، أن قناصا من جنود الاحتلال استهدف زوجته بينما كانت تراقب من الشرفة مواجهات في الحي بعيدا عن منزلها، فأصاب عينها اليسرى إصابة مباشرة أدت إلى استئصالها أمس الأحد، في حين تحطمت عظام الوجه، وتكسرت أيضا أسنان الفك السفلي.

يضيف أبو داود: "لم تفعل شيئا ولم ترتكب ذنبا. هي لم تشارك شبان البلدة مواجهاتهم مع جنود الاحتلال، بل كانت على مسافة تزيد عن كيلومتر من موقع المواجهات، ما زالت في العناية المكثفة فاقدة الوعي وفي حال الخطر الشديد. استأصلوا العين، وقاموا بترميم عظام الوجه، والفم. لكنها ما زالت تعاني فقدان الوعي".

ويصف أبو داود جنود الاحتلال الذين أصابوا زوجته بـ"القتلة المجرمين. لو أن الجندي لم يكن متعمدا، ما كانت الرصاصة أصابتها. كان قناصا. وكان يقصد ضربها في العين".

ويؤكد نجلها، داود، رواية والده عن ظروف وملابسات الحادث، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن استهداف والدته مقصود، وأن شبانا وأطفالا من بلدته استهدفهم رصاص الاحتلال المطاطي في السابق، فمنهم من فقد عينه كما والدته، ومنهم من أصيب بعاهات دائمة، وبعضهم لا زال في الأسر بعد إصابته، كما هو حال ابن بلدته علاء صلاح، الذي فقد عينه اليسرى في ظروف مشابهة.

أجواء الحزن والغضب كانت واضحة في حديث الابن والزوج، حيث يمضيان أوقاتهما في مستشفى هداسا، في حين تزدحم غرفة الانتظار بالمستشفى بأربع بنات واثنين آخرين من الأبناء، وكذا العديد من الأقارب الذين ينتظرون بقلق بالغ مصير الأم الفلسطينية الغائبة عن الوعي.

كان داود نجل السيدة فاطمة حاضرا إلى جوار والدته، حين حضر محقق من شرطة الاحتلال ليدون بعض التفاصيل عن ظروف الإصابة. يقول لـ"العربي الجديد": "أبلغت المحقق أن والدتي لم تفعل شيئا. لقد أصبتموها عن عمد وعن بعد مئات الأمتار. مع ذلك كان جوابه نحن نجمع الأدلة. ما هي الأدلة التي يجمعها وحالة والدتي وتقاريرها الطبية شاهد على جريمتهم؟".

لا يثق داود ووالده بتحقيقات الاحتلال. فهي لن تعيد للأم عينها التي فقدتها. "إذا كان غريمك القاضي لمين تشكي؟ حينما تحقق الشرطة مع نفسها فماذا ستكون النتيجة؟". يختم داود حديثه.

جرائم متكررة

ما حدث مع المقدسية، فاطمة عبيد، أعاد إلى الأذهان ملابسات إصابة بالرصاص المطاطي، أفقدت الفلسطيني لؤي عبيد (39 سنة)، وهو قريب فاطمة، عينه عام 2015، كان هو الآخر يقف على شرفة منزله في الطابق الثالث، وأصيب برصاصة قناص أدت إلى كسور في الأنف، اضطر لاحقا إلى الخضوع لعملية تجميل في الوجه.

يعمل لؤي عبيد سائقا في شركة للحافلات، وفي يوم إصابته، كان قد وصل للتو إلى منزله، وبينما كان يرقب ما يحدث من مواجهات قريبا من منزله، أصيب بعيار مطاطي أفقده عينه.

واتهم عضو لجنة المتابعة في قرية العيسوية، محمد أبو الحمص، سلطات الاحتلال بتعمد إيقاع الضرر البالغ بأبناء البلدة، بمن فيهم النساء، من خلال رصاص القنص، ويقول أبو الحمص، لـ"العربي الجديد": "الشاب علاء صلاح، من أبناء البلدة، فقد هو الآخر عينه جراء الإصابة بعيار مطاطي بينما كان متواجدا داخل بيته، وتم اعتقاله لاحقا وهو يمضي الآن محكومية مدتها خمس سنوات، ما يرفع عدد المقدسيين من العيسوية، الذين فقدوا عيونهم جراء الإصابات بالعيارات المطاطية إلى ست إصابات".

أما إصابة الفتى أحمد أبو الحمص، بعدة طلقات مطاطية قبل نحو عامين، فكادت أن تودي بحياته، ومكث بسببها في العناية الفائقة لنحو ثلاثة أسابيع، وخلّفت لديه إعاقة دائمة، وبدلا من أن يلاحق جنود الاحتلال الذين اتهموا بالتسبب بإصابته أغلق ملف التحقيق من قبل وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة.

يقول محمد أبو الحمص: "أجريت لأحمد في حينه عمليّة جراحيّة، استمرّت نحو 6 ساعات لإيقاف النّزيف الذي أصابه في الرأس، وتسبب في كسر بالدّماغ، جرّاء إصابته بعيار مطاطيّ من مسافة قريبة بينما كان عائدًا من مدرسته. فوجئ أحمد، فور مغادرته منزل شقيقته بينما كان يسير في الشّارع الرّئيسيّ، بعناصر حرس الحدود الإسرائيلي أمامه، فأطلقوا نحوه العيارات المطّاطيّة دون سبب، ما أدّى إلى إصابته في رأسه".

وساق أبو الحمص مثالا آخر لتعرّض الشاب رأفت عبيد، من العيساوية للإصابة بالمطاطي العشوائي، بينما كان في طريقه لجلب خطيبته، "حيث أصيب هو الآخر في عينه إصابة خطيرة. ويرى أبو الحمص أن تركيز جنود الاحتلال رصاصهم على الوجه وتحديدا العين يبدو متعمدا والهدف منه التسبب بإعاقات دائمة".

جمعية "حقوق المواطن" الإسرائيلية، أشارت في تقرير لها العام المنصرم حول استخدام جنود الاحتلال للرصاص المطاطي، إلى أن شرطة الاحتلال أطلقت عام 2014 ما يزيد على 35 ألف رصاصة غالبيتها في شرقي القدس، وفي عام 2015 أكثر من 22 ألف رصاصة، وعام 2013 أطلقت 7162 رصاصة، و5859 رصاصة في 2012، وعام 2011 أطلقت 5859 رصاصة.

ويشير التقرير إلى حدوث انتقال حاد من استخدام الرصاص المطاطي الأزرق الخفيف إلى الرصاص المطاطي الأسود الثقيل والخطير، والذي أدخله الاحتلال حيز الاستخدام عام 2014، وهو أطول قليلاً وذو وزن ثقيل (62 غراماً) مقابل 30 غراماً وزن الرصاص الأزرق.

والرصاصة المطاطية من النوع الأسود تصيب بجروح سطحية مؤلمة، وقد تؤدي إلى كسر في العظام، إلا أن خطورتها تزيد بشكل كبير إذا أصابت الأطفال أو العجائز، ويصل أثرها إلى حد القتل الفوري، كما حصل مع الطفل المقدسي، محمد سنقرط، في أغسطس/آب 2014، عندما أصيب في رأسه وتوفي متأثراً بجراحه.