06 أكتوبر 2016
رسالة يجب أن تصل
محمد ريان (فلسطين)
فور سماعنا كلمة غزة، تومض في مخيلتنا صورة عامود دخان أسود، مصحوبا بكتلة لهب أحمر تتصاعد إلى السماء، يرافقها صوت انفجار عنيف، يهز أرجاء المدينة عن آخرها، وانهمار لشظايا بنايةٍ سكنيةٍ، تتهاوى على الأرض بعد أن دمرتها قذائف طائرات ألـ إف 16 الإسرائيلية، وتبرق ومضةً أُخرى لشبابٍ ينتمون إلى المقاومة، يعانقون البنادق كأنها أحلامهم الوردية. يتمخترون بمسير عسكري في الطرقات بعِزة وأنفة، يشهرون أسلحةً وعتادًا، صدّوا به العدو عن مدينتهم، وكسروا أنفه على حدود كرامتهم، تهتف حناجرهم لأجل وطن مسلوب وحق مهدور. ومع كل ومضةٍ، تزحف من أعماقنا وخزةٌ تحز الفؤاد على حال غزة التي ينهش خاصرتها حصار جائر، ويخيم عليها ظلام دامس، فتبدو مثل بقعة منسية من بقايا العصور الوسطى، تحيط بها الأسلاك الشائكة، وأبراج المراقبة العسكرية من كل اتجاه، مغلقة على سكانها بإحكام، مثل علبة أطبقت على ما فيها، يُمنع أهلها من السفر، وإن كان لحاجة إنسانية، أو حتى لضرورة حياتية، كفلتها الشرائع الدولية والمواثيق القانونية، يتوارثهم الضَنك والهَمّ من بأس ما حيك ضدهم من مؤامراتٍ ملعونة، وما فرض عليهم من عقوبات جماعية بشعة، فلا يخرجون من أزمةٍ، إلا وكيد لهم ما هو أدهى منها وأمرّ، وقد يمر بين ومضة وومضة مشهد لأطفال يبكون والدهم الموسّد أمامهم بثياب الشهادة في طقوس الوداع الأخير، بعد أن ودّعوه صباحاً حين نهض يتوسل السماء بأن تُغدق عليه الرزق، كي يستطيع أن يمنح تلك الأكباد المتلوية جوعاً، ما يستحق أن تُشرق له نواجذهم، وعجوز تصرخ في وجه الكاميرا تستدعي فينا نخوة شرفٍ أو بقيةً من عروبةٍ، تغنت بها في مدارج العمر كلها، حتى بلغت أرذله، من دون أن يطل عليها الفارس العربي المبجل الذي سيحيل العدو رمادًا، ويقتص لها ممن سلب الأرض وهتك العرض.
تنبض هذه الصور في أذهاننا عن قطاع غزة، حتى صار مرادفًا للفقر والقلة والأزمات والمعاناة، وللصمود والتضحية والفداء والعزة والكرامة. ومع ذلك، فهو في أذهان أخرى ليس إلا اختصاراً للتمرد والانقلاب والمقامرة بأرواح الأبرياء.
غير أن تلك القيثارة التي يحتضنها شاب عشريني أمام نَصب الجندي المجهول غرب مدينة غزة، ويغازل أوتارها بمهارةِ مَن خرَّجته أرقى معاهد الموسيقى العالمية، يحلق بها بعيداً عن الحزن، ويبحر معها في فضاء الأمل، يحاول بشغفٍ أن يظهر ما تزخر به غزة من إبداع يستحق الإعجاب، وجمال يستحق التأمل، وحب للحياة، وتوق إليها، ويلفت الأنظار لمبدعين وموهوبين أفذاذ يتقنون فنون السعادة، كما يتقنها من يستظل بظل إيفل، فحينما يهز أوتار قيثارته تتحرّر الألحان من قيودها فتثور ترانيمها العذبة، وتسمو تعابيرها الفاتنة، ويفوح عبيرها الشادي، فتنتعش الأفئدة، وإن كانت ترزخ تحت هَمَّ طائل، وتتمايل القلوب المثقلة بالشقاء، تمايل الياسمين، إذا داعبته نسمات الربيع. انتزعت تلك القيثارة بعزيمة باسمة من بين ركام الحروب المتتالية، والأزمات المتتابعة، لتصوغ بألحانها رسالة للعالم أجمع، مفادها: إننا نستحق الحياة الكريمة، فأفسحوا لنا الطريق.
تنبض هذه الصور في أذهاننا عن قطاع غزة، حتى صار مرادفًا للفقر والقلة والأزمات والمعاناة، وللصمود والتضحية والفداء والعزة والكرامة. ومع ذلك، فهو في أذهان أخرى ليس إلا اختصاراً للتمرد والانقلاب والمقامرة بأرواح الأبرياء.
غير أن تلك القيثارة التي يحتضنها شاب عشريني أمام نَصب الجندي المجهول غرب مدينة غزة، ويغازل أوتارها بمهارةِ مَن خرَّجته أرقى معاهد الموسيقى العالمية، يحلق بها بعيداً عن الحزن، ويبحر معها في فضاء الأمل، يحاول بشغفٍ أن يظهر ما تزخر به غزة من إبداع يستحق الإعجاب، وجمال يستحق التأمل، وحب للحياة، وتوق إليها، ويلفت الأنظار لمبدعين وموهوبين أفذاذ يتقنون فنون السعادة، كما يتقنها من يستظل بظل إيفل، فحينما يهز أوتار قيثارته تتحرّر الألحان من قيودها فتثور ترانيمها العذبة، وتسمو تعابيرها الفاتنة، ويفوح عبيرها الشادي، فتنتعش الأفئدة، وإن كانت ترزخ تحت هَمَّ طائل، وتتمايل القلوب المثقلة بالشقاء، تمايل الياسمين، إذا داعبته نسمات الربيع. انتزعت تلك القيثارة بعزيمة باسمة من بين ركام الحروب المتتالية، والأزمات المتتابعة، لتصوغ بألحانها رسالة للعالم أجمع، مفادها: إننا نستحق الحياة الكريمة، فأفسحوا لنا الطريق.
مقالات أخرى
13 سبتمبر 2016
07 سبتمبر 2016
03 يوليو 2016