رسالة من غريب

16 نوفمبر 2015
أمي العزيزة... (Getty)
+ الخط -

أمي العزيزة،

مضى وقت ولم أسمع منك. أرجو أنك والجميع بخير.

أعتقد أنهم ما عادوا يحبونني هنا يا أمي. أصابني هذا الشعور مؤخراً، وأريد أن أعترف لك به، فأنا أخشى أن أقول هذا الكلام لأيّ كان. ما عدت أثق بأحد.

ينظرون إليّ بكثير من الريبة حيثما توجّهت. أعتقد أنني ما عدت أعجبهم وأثير الشبهات. حتى لغتي الأصليّة، عندما أستخدم إحدى كلماتها عن طريق الخطأ، صارت تصيب الجميع من حولي بالدهشة. أشعر بهذا في كلّ الأماكن التي أقصدها. وقد قرّرت أخيراً أن أحدّ من تنقلاتي. أقضي وقتي ما بين العمل ومطالعة ما تيسّر من كتب وسماع الموسيقى.

لا أعلم إن كان قراراً صائباً المجيء إلى هنا. حسناً. أعرف أنك ضحّيت كثيراً كي أتمكن من الوصول إلى هذه البلاد. اللحظة التي حملت فيها مصاغك ورحت تدورين بين المحال للحصول على السعر الأفضل لن أنساها ما حييت. كان محزناً بالنسبة لي أن تفعلي ذلك، وبالأخص عندما بعتِ تلك القلادة التي احتفظتِ بها من يوم زواجك، وكنت تعلّقينها في عنقك في كل مناسبة عزيزة.

البداية هنا لم تكن سهلة يا أمي كما أخبرتك سابقاً. لكن هذه الفترة أصعب. أنت تتابعين الأخبار وترين ما يحصل في هذا العالم المجنون. يبدو أن الجنون والموت والدم لم يعد حكراً على بلادنا وحدها. باتت هذه العناوين تطاردنا أينما ذهبنا. ربما صَغُرَ العالم إلى هذه الدرجة يا أمي، وربما كان هذا قدرنا. لا أدري.

الناس هنا متحضّرة. مع ذلك أشعر دائماً أن شيئاً ما يجعلني ناقصاً ويميّزني عنهم. هم لا يقولون ذلك أبداً، لكنني أشعر به. أحسّ أحياناً، عندما أكون في العمل، أنني كمن يسرق اللقمة من بطونهم، مع أنني متأكد من أن أحداً منهم لن يرتضي القيام بهذا العمل، فأجره قليل. رغم ذلك، لا أفهم شعور الذنب الذي يظلّ يطاردني. أرجو أن أكون مخطئاً.

أحاولُ طوال الوقت أن أكون لطيفاً. أبتسم، ولو اضطررت لاصطناع الابتسامة. وكلما رأيت أولاداً يلعبون تذكّرتُ أخوتي الصغار وقلتُ في نفسي: يجب أن أحقق شيئاً ما هنا. أليس هذا ما وعدتك به؟

أخاف على هذه البلاد كثيراً. أخاف عليها أكثر من أهلها وأخاف عليها أكثر من بلادنا. أصلّي دائماً ألّا يصيبها أذىً، فناسها لا يستحقون وبينهم أخيارٌ كثر. أخاف عليها أيضاً لأنني أشعر بغربةٍ مضاعفة إذا ما أصابها مكروه.

لا أحب السياسة ولم أحبّها يوماً. لماذا كان على الحياة أن تكون صعبةً إلى هذه الدرجة في بلادنا؟

لا تخافي. لن أستسلم. سأصبر من أجلك ومن أجل أبي وإخوتي. هكذا وعدتك، وسأفي بوعدي.

أمي العزيزة،

يحزُّ في نفسي أنني لم أعانقك كثيراً قبل السفر. اشتقت لك كثيراً.

قبلاتي..

اقرأ أيضاً: علاقات "ذكيّة"
دلالات
المساهمون