رسالة إلى إيد ميليباند

21 مايو 2015
+ الخط -
عزيري "إدوارد سامويل ميلبياند" أو اختصاراً "إيد":

أودُّ أن أعرب لكَ عن أسفي بأنّني سأكتبُ هذه الرسالة باللغة العربيّة، فلغتي الإنجليزية الرثَّة لا تسعفني أن أكتب لكَ بها أو أن أعبّر عمّا يعتملُ في صدري من مكنونات ومشاعر دفينة ستنقلها إليكَ هذه السطور، وحتّى إنْ وجدتُ من يترجمها لي ويصوغها بلغةٍ إنجليزية بيِّنة قدْ تصلُ إلى بريدك الإلكتروني في خانة الرسائل غير المرغوب فيها "سبام" أو أنّك قد لا تغويكَ قراءة رسالة واردة من شرق المتوسط حيث الحرب والدمار والإرهاب يزهرُ وينمو كأزهار الربيع التي ملأت ساحاتكم وحدائقكم.

منذ أيام خلت، وتحديداً في الثامن من مايو/أيار، كانت بلدك بريطانيا أو المملكة المتحدة، لا تغيب عنها الشمس، وكانت دولتكم الاستعمارية تسيطرُ على أرجاء متعددة من المعمورة، المهم كانت بلدكم تشهد انتخابات تشريعيّة طبعاً غير محسومة النتائج، كما هو الحال في شرقنا المحظوظ بنعمة "الانتخابات محسومة النتائج سلفاً"، أو التي تنتهي بأرقامٍ تقاربُ المائة بالمائة أو تزيد أحياناً في بعض الأوقات، وذلك نتيجةً لحبِّ الجماهير وشغفها بالقادة الاستثنائيين الذين أنعم اللهُ علينا بهم.

لكي أكون صادقاً لا تعنيني انتخاباتكم ولم أحفلْ بها كثيراً، لولا تصادفها مع الذكرى السبعين لانتصاركم أنتم وباقي الحلفاء على ألمانيا "الهتلرية" النازية؛ التي هرب منها والدك ذو الأصول اليهودية الفار والنازح من بلجيكا بعد أن اجتاحها الألمان والتجأ إلى بريطانيا حيث ولدت أنت فيها، وشاءت الأقدار أن تنافس اليوم أهلها الأصليين على رئاسة حكومتهم، يا للهول!! كم هم عنصريون هؤلاء الإنجليز؟؟، السبب الآخر لعدم اكتراثي بانتخابات بلادك هو عدم وصول الكثير من السوريين اللاجئين إليكم، وبالتالي لا تلعبُ قضية اللاجئين السوريين عندكم دوراً في الانتخابات، أو تصبحُ برنامجاً دعائياً لأحد أحزاب المعارضة الذي ينوي إن حالفه النجاح طردهم من بلده.


ما دفعني إلى الكتابة لكَ، ليس تعبيري عن إعجابي أو تفكَّهي بديمقراطيتكم الغنّاء، أو كتابة قصيدة تثني وتمدح الأجواء النزيهة التي سارت بها انتخاباتكم، كما يفعلُ البعض من "مرتزقة اللغة" في العالم العربيّ، فهذا صار شيئاً بديهياً وأمراً عادياً في أدبيات الحياة السياسيّة في بلادكم؛ بل إنّي مندهشٌ من قراركَ بالاستقالة من رئاسة الحزب بعد خسارة الانتخابات، هذا ما حفَّزني لأعاتبكَ كيف تتركُ هذا الكرسي وأنت في ريعان شبابك وقمة عطائك وعنفوانك؟ لا تعرف أنّ رؤساء الأحزاب إنْ وجدت في بلادنا (معارضة كانوا أو موالاة) يبقون جاثمين على كراسيهم إلى أن يسوقهم "عزرائيل" إلى القبر، وقد يرثُّ شاب مثلكَ كرسي الزعامة عن أبيه ولا يتركه حتى يموت هو الآخر، فكيف تترك المنصب بهذه البساطة والسهولة، سامحكَ الله على فعلتك وعملك اللامعقول، والذي يصعب على الشباب في عالمنا الثالث أو الهالك استيعابه أو تصديقه.

عزيزي "إيد" صحيحٌ أنّهم يعيبون عليكَ أنّك كُنتَ ظلاً لأخيكَ الأكبر ديفيد، والذي وصل إلى مكانة هامة في حزبكم "حزب العمال" وتولّى شؤون الخارجية وهو في أول عمره، ويتهامسون عليك بأنّك مشيت في دربه وحاكيتهُ في حياتك التعليمية والسياسية لاحقاً؛ حتى وصلت إلى اعتلاء هرم أكبر وأعرق الأحزاب في بلدك، ولم تبيض لديك شعرة واحدة، كما هو الحال عندنا؛ لأنهم يقرنون الخبرة والدهاء السياسي بعدد الشُعَيرات التي تلونت بالأبيض، لكنّكَ باستقالتك هذه جعلت الكبار والشيوخ يتفكَّرون قليلاً، فالبرفسور "أحمد داود أوغلو" رئيس الحكومة التركية وزعيم الحزب الحاكم، والذي تنتظره انتخابات مُقبلة لمَّح إلى أنّه سيحذو حذوكَ في الاستقالة إنْ خسر حزبهُ الانتخابات، ودعا شيوخ الأحزاب المعارضة وشبابها أن يفعلوا ذات الشيء في حال خسارتهم هم أيضاً.

(سورية)
المساهمون