وسبق أن دعا السيسي المصريين لتحمل ما وصفه بـ"الحرمان"، على رغم تعهده الدائم باستمرار توفير السلع والخدمات وحماية محدودي الدخل، وهي تعهدات لا تعكسها الحالة الراهنة للسوق المصرية التي تشكو نقص الوقود وبعض السلع الأساسية، كالسكر والأرز والزيوت.
وأوضحت المصادر أن "السيسي، الذي حضر الندوة بصحبة قائده السابق المشير حسين طنطاوي، ذكر لمقرّبين منه أنه سيخصص خطابه بالكامل لتفنيد الادعاءات والرد على الاتهامات بشأن الأزمتين الدبلوماسيتين مع السعودية وإثيوبيا، إلّا أنه فاجأ الحضور باتخاذ الحديث عن السعودية مدخلاً لتبشير المواطنين بمزيد من الضغوط الاقتصادية التي ستواجههم، بحجة أنها ضرورية لتتمتع مصر بإرادة حرة".
وأشارت المصادر إلى أن "حديث السيسي عن الضغوط الاقتصادية قوبل بتساؤلات عدة بين الضباط والجنود والإعلاميين الذين حضروا الندوة، وانتقد معظمهم ممارسة المزيد من الضغط على الشعب في وقت تحاول فيه الأجهزة الأمنية السيطرة على الغضب الشعبي جراء سوء الأوضاع الاقتصادية، تحسباً للتظاهرات المرتقبة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".
وشدّدت المصادر على أن "السيسي أراد بحديثه التمهيد للجيش أولاً وللشعب ثانياً، بأن هناك قرارات صعبة ستتخذ على الصعيد الاقتصادي، قاصداً بذلك أن يكون الجيش متأهباً للتعامل مع أي حراك جماهيري، باعتبار أن هذه القرارات شرط للحفاظ على استقلال القرار الوطني. وهي الصورة التي أراد السيسي إيصالها للجماهير، مستغلاً في ذلك الأزمة الأخيرة مع السعودية، والحشد الإعلامي في اتجاه ما يصفه المقربون من النظام بتبعية مصر للسعودية سياسياً".
ورأت المصادر أن "السيسي قصد في خطابه استغلال الأزمة مع السعودية إيجابياً للإسراع في تطبيق القرارات الصعبة التي ينتظرها صندوق النقد الدولي لتفعيل اتفاق إقراض الحكومة المصرية، وذلك باستخدام عبارات ضمنية كاستقلالية القرار".
في المقابل، لم يكن السيسي جاداً في تعامله الخطابي مع الأزمة، فعلى شاكلة بعض الإعلاميين المقرّبين منه ومن السعودية في آن، كمصطفى بكري، حاول السيسي تخفيف حدة الكلام الذي أطلقه إعلاميون مقربون لنظامه في اليوم الأول من إعلان السعودية وقف إمداداتها البترولية لمصر، وذلك بادعاء أنه "لا توجد مشكلة، وأن موقف مصر المؤيد لمشروع القرار الروسي بمجلس الأمن بشأن سورية لم يغضب الخليج، وأن وقف الإمدادات ليس مرتبطاً بالسياسة الخارجية، بل بظروف الشركة المصدرة". وفسّرت المصادر أسلوب السيسي بأنه محاولة مبطنة للتهدئة مع السعوديين، استعداداً لإرسال وفد استخباراتي وأمني ودبلوماسي رفيع إلى الرياض لاسترضاء الإدارة السعودية، واحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم.
وشدّدت المصادر على أن "السيسي وحكومته، على الرغم من محاولات تخفيف الأزمة، باتوا يعلمون أن التحالف مع السعودية أكثر هشاشة مما يتصورون، وأنه لا يجب على القاهرة الاعتماد بصورة أكبر على الرياض، وعليها تنويع مصادر استيراد الوقود واستجلاب الدعم المالي، تحسباً لقرارات سعودية مفاجئة مستقبلاً".
في السياق نفسه، أفاد مصدر دبلوماسي مصري، بأن "الاتصالات ما زالت مستمرة بين الجانبين المصري والسعودي لاحتواء الأزمة الأخيرة، وأن مسؤولين سعوديين أبدوا، أمس الجمعة، لنظرائهم المصريين ترحيبهم بلهجة السيسي ونفيه لوجود خلافات، باعتبار ذلك دليلاً على رغبته في عدم التصعيد".
وأضاف المصدر المصري أن "هناك تعليمات واضحة صدرت من أجهزة سيادية للإعلاميين المصريين، منذ يوم الأربعاء، بتهدئة نبرة الهجوم على السعودية، والاكتفاء برفع شعار مصر لن تركع الذي ذكره السيسي خلال ندوة الجيش، وذلك لعدم إثارة أو استفزاز الجانب السعودي، وبحجة عدم إعطاء الفرصة للإعلام المصري المعارض للاصطياد في الماء العكر".
من جهته، اعتبر مصدر في وزارة المالية أنه لا توجد أي معلومات لدى الجانب المصري حالياً عن مستقبل باقي الودائع المالية التي وعدت بها السعودية مصر، في زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة إلى القاهرة (إبريل/ نيسان الماضي)، إذ يتبقى مبلغ قدره 2.5 مليار دولار كانت المملكة قد وعدت بضخه لوزارة التعاون الدولي، في صورة مساعدات، مقسمة على اتفاقيات استثمارية وتنموية، كقرض حسن بالتقسيط، كانت المفاوضات قد توصلت إلى إمكانية سداد القسط الأول منه بقيمة مليار دولار في يناير/ كانون الثاني المقبل.
هذا بالإضافة إلى 1.5 مليار دولار لإنشاء صندوق تنمية مشترك بين البلدين لم يتم توضيح نية المملكة في المضي قدماً به أم تعليقه لأجل غير مسمى. ورأى المصدر أن "الوضع الاقتصادي المصري هش بما لا يسمح حالياً بأي خلاف مع السعودية تحديداً"، مشيراً إلى أن "تعليق الإمدادات البترولية شهراً أو شهرين آخرين سيصيب السوق المصرية في مقتل، حتى لو تم الاتفاق مع الكويت أو الإمارات أو الجزائر على إمداد مصر باحتياجاتها مقابل مبالغ ميسرة".