رسائل الغارات الإسرائيلية على حلب

29 مارس 2019
تحظى حلب بأهمية كبيرة لدى إيران (جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -


حملت الغارات الإسرائيلية على محيط مطار حلب الليلة ما قبل الماضية رسائل عديدة، تشير جميعها إلى جدية الجهد الإسرائيلي الأميركي، وكذلك الروسي، لتحجيم دور إيران في كل سورية، لا في الجنوب السوري فقط أو بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.

ورأى مراقبون أن الغارات التي استهدفت ما تبدو مستودعات أسلحة إيرانية في محيط مطار حلب، وأدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن كامل المدينة لبعض الوقت، ما كانت لتتم لولا وجود ضوء أخضر روسي، تعبيراً عن انزعاج موسكو من محاولات النظام الأخيرة التقارب مع طهران على حساب العلاقة مع روسيا، في ظل اختلاف الرؤيتين الروسية والإيرانية لسبل الحل السياسي في سورية خلال المرحلة المقبلة. وسارع وزير الاستخبارات والخارجية والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إلى تبني مسؤولية الغارات. ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية "13"، أمس الخميس، عن كاتس قوله: "كما يعرف الإيرانيون، فإن إسرائيل هي التي قامت بشن الهجمات في سورية".

وحسب مصادر ميدانية من جهة المعارضة، فإن المناطق التي استهدفتها الغارات في محيط مطار حلب الدولي وقرب مطار النيرب ومنطقة الشيخ نجار في المنطقة الصناعية، تشهد نشاطاً عسكرياً لإيران وحرسها الثوري، يتضمن مستودعات لتخزين الأسلحة وإنتاج بعضها. وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين في المعارضة على دراية بالوجود العسكري الإيراني في المنطقة، بأن مخزن ذخيرة كبيراً ومركزاً للإمدادات اللوجستية تابعَين لفصائل تدعمها إيران داخل المنطقة الصناعية، تلقيا إصابات مباشرة. وأضافا أن ضربات أخرى أصابت محيط مطار النيرب على مشارف حلب، في ثاني ضربة من نوعها على منشأة تستخدمها قوات إيرانية في أقل من سنة واحدة. وكانت إسرائيل قصفت في يوليو/ تموز عام 2018، مطار النيرب العسكري في حلب ومحيطه، ما أسفر في حينه عن مقتل عدد من قوات النظام السوري.

من جهته، قال المحلل العسكري السوري العميد أحمد رحال لـ"العربي الجديد"، إن أهم الرسائل التي حملتها الغارات على حلب هي "توسيع خط ابتعاد إيران عن الجولان السوري الذي كان 80 كيلومتراً ووصل الآن إلى حلب"، مشيراً إلى أن هذا "وارد في وثيقة التنسيق العالي الروسي - الإسرائيلي التي توصل إليها الجانبان أخيراً". ولفت رحال إلى أن الصاروخ الذي أطلق على تل أبيب من قطاع غزة أخيراً هو من نوع "أس واي 301"، مداه 120 كيلومتراً، وهو صاروخ صيني مطور إيرانياً، وربما تعتقد إسرائيل أن للمواقع الإيرانية في حلب دوراً في تطويره، لذلك فهي تحاول ضرب مصدر إنتاج هذه الصواريخ في حلب.



وفي إشارة الى احتمال أن تكون الغارات الإسرائيلية تحظى بقبول روس ضمني، رأى رحال أن الدفاعات الجوية السورية لم تردّ على الضربات الإسرائيلية، خلافاً لإعلان الناطق العسكري التابع للنظام، ذلك أن القوات الروسية في سورية ربطت جميع النقاط العسكرية السورية بقاعدة حميميم، بعد إسقاط تلك القوات مقاتلة روسية العام الماضي. واعتبر رحال أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تحجيم دور القوات الإيرانية في سورية، وفي سياق تناغم روسيا مع الرغبة الدولية والإقليمية بإنهاء الوجود الإيراني في سورية. وبيّن أن روسيا تحاول وضع خطوط حمراء لإيران في ريف حلب، بعدما منعت دخولها ومليشياتها إلى المدينة، منذ استعادتها من يد المعارضة نهاية عام 2016. ورأى أن الغارات الإسرائيلية تأتي في سياق مواصلة روسيا التعبير عن غضبها، من تزايد محاولات النظام التفلت من التنسيق مع موسكو والارتماء في حضن إيران، وخصوصاً بعد زيارة رئيس النظام الأخيرة لطهران، واجتماع رؤساء أركان النظام وإيران والعراق في دمشق أخيراً، إذ تقرأ روسيا هذه التحركات على أنها عرقلة لجهودها في قطف ثمار استثمار تدخّلها العسكري في سورية ودعمها السياسي لنظام بشار الأسد، إذ تحاول إيران عرقلة هذه الجهود، ودفع الأسد إلى التشدد وعدم التعاطي بإيجابية مع الجهود السياسية الروسية الرامية إلى تشكيل لجنة دستورية، ومحاولة استجلاب دعم دولي لإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين السوريين.

وتحظى مدينة حلب بأهمية كبيرة لدى إيران، وخصوصاً ريفها الجنوبي، وتعتبرها نقطة ارتكاز عسكرية أساسية لها في سورية. وكان وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي زار حلب في أغسطس/ آب 2018، والتقى بعدد من الوحدات العسكرية الإيرانية المنتشرة في محيطها. ورأى المحلل السياسي شادي عبدلله، أن التصعيد الإسرائيلي قد يكون مرتبطاً من جهة أخرى بالانتخابات الإسرائيلية، إذ يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إظهار إنجازاته للإسرائيليين، من الحصول على اعتراف أميركي بضم القدس المحتلة، ومن ثم ضم الجولان وصولاً إلى التصدي بقوة للنفوذ الإيراني في سورية ولبنان. وأضاف عبدلله في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل تراقب أيضاً المحاولات الإيرانية للاستحواذ على ميناء اللاذقية السوري، كبوابة على البحر المتوسط في إطار خططها لبناء خط تجاري بين طهران والبحر المتوسط. ولا يستبعد عبدلله أن يكون الميناء عرضة لهجمات إسرائيلية مماثلة، فيما لو تم استخدامه لنقل السلاح الإيراني، وهو ما تحاول موسكو منع حدوثه.