رسائل التعاون المصري ـ الإسرائيلي: دعم دولي وأمن سيناء

15 مايو 2016
شكري: نتعاون مع إسرائيل للحفاظ على أمننا(صفا كركان/الأناضول)
+ الخط -
اعترف النظام المصري الحالي، بصراحة، بوجود قدر كبير من التنسيق العالي مع إسرائيل، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري. تصريحات شكري ربما لم تحمل جديداً في طبيعة علاقة نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع إسرائيل، لكن هذه الجرأة فاجأت قطاعاً كبيراً من الشعب المصري ومراقبين.

وأكد وزير الخارجية المصري على أهمية استمرار التعاون الأمني مع إسرائيل، معتبراً أن "مصر تتعاون مع الكثير من الدول بما فيها إسرائيل لتحقيق هدفنا المشترك بهزيمة الإرهاب والحفاظ على أمننا القومي، وسنستمر بذلك التعاون بشكل فعّال". وتضمنت تصريحات شكري دلالات كبيرة على أن التعاون مع الكيان الصهيوني مرتبط بشكل أساسي بالأوضاع في سيناء (شرق مصر)، والتبادل المعلوماتي حول الجماعات المسلحة، بحسب مراقبين. ويعتبر هؤلاء أن إسرائيل أصبحت الحليف والصديق الأقوى لمصر في عهد السيسي، الذي يُعتبر عهده "العصر الذهبي" للتطبيع، وهو ما يبدو واضحاً من تصريحات الرئيس المصري نفسه والسياسات المتبعة، سعياً لمزيد من التقارب.

وجاء كلام شكري خلال وجوده في الولايات المتحدة على هامش جلسات مجلس الأمن، وهي رسالة للمجتمع الدولي والولايات المتحدة بأن النظام الحالي ينفتح على إسرائيل تماماً، وفقاً للمراقبين أنفسهم. ويقول الباحث المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، محمد عصمت سيف الدولة، إنّ هذه التصريحات خفيفة الوطأة أمام سياسة السيسي التي ذهب فيها إلى أبعد ممّا وصل إليه أي رئيس سابق في التقارب مع إسرائيل والتنسيق معها. ويضيف سيف الدولة أن "النظام الحالي أخلى الحدود الدولية، وهجّر سكانها لينفّذ الطلب الإسرائيلي القديم بإنشاء منطقة عازلة، على الرغم مما يمثله ذلك من خطر مع عدو متخصص في اغتصاب واستيطان الأراضي العربية"، على حدّ تعبيره.

ويلفت الباحث ذاته إلى أن السيسي انحاز إلى إسرائيل في عدوانها على غزة صيف 2014، وشارك في إحكام الحصار عليها، فهدم الأنفاق التي رفض الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك هدمها، مع إغلاق المعبر العربي الوحيد مع غزة. ويشير إلى أن السيسي علّق إعادة إعمار غزة بشرط نزع سلاح المقاومة، حين اشترط استلام السلطة الفلسطينية مسؤولية غزة، وهذه الأخيرة تلتزم بموجب اتفاقية أوسلو بنزع السلاح الفلسطيني. ويعتبر أن "إعلام السيسي حاول شيطنة والطعن في كل ما هو فلسطيني، لتصبح فلسطين العدو، وإسرائيل شقيقة، وتقدم آخرون بدعاوى قضائية لتصنيف المقاومة الفلسطينية كمنظمات إرهابية"، على حد قوله.




ويشدد سيف الدولة على أنه "في سابقة هي الأولى من نوعها، قامت إسرائيل بالدور الرئيسي، بالتعاون مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، للضغط على الإدارة والكونغرس الأميركيين، لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر. ويضيف أنّ "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ردّد مرات عدة أنّ هناك علاقات ومصالح وتحالفات استراتيجية بينه وبين مصر ودول عربية أخرى لمواجهة العدو المشترك المتمثل في الإرهاب الفلسطيني. كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن أسباب الإفراج عن الطائرات الأباتشي لمصر، هي بهدف الدفاع عن الأمن المصري الإسرائيلي الأميركي المشترك"، وفقاً لسيف الدولة.


ويستغرب الباحث تصريحات السيسي في منابر الإعلام الأوروبية عن أنّه في حال قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، فإنه على استعداد لإرسال قوات مصرية لطمأنة إسرائيل، فضلاً عن تفاخره أمام الإعلام والوفود الغربية بأنه كثير الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي. ويتطرق إلى الحديث عن إعادة السفير المصري إلى إسرائيل بعد أربع سنوات من سحبه على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، كما أعاد فتح مقر جديد للسفارة الإسرائيلية في مصر. ويقول سيف الدولة إنّ "الأخطر من كل هذه الأمثلة على قوة علاقة السيسي بإسرائيل، أنه يؤدي هذا الدور تحت شعارات ورايات الوطنية والاستقلال، بينما كان كل من الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومبارك، على الأقل، واضحين، يعلنان صراحة أن 99 في المائة من أوراق اللعبة في أيدي الولايات المتحدة".

بدوره، لا يستبعد دبلوماسي مصري سابق أن تؤثر تصريحات شكري على صورة مصر أمام الرأي العام المصري والعربي. ويضيف الدبلوماسي الذي شغل منصب مساعد وزير خارجية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقات مع إسرائيل وصلت لدرجة غير مسبوقة، وهو أمر مقلق في الحقيقة". ويشير إلى أنّه "من الطبيعي، وفقاً لمعاهدة السلام بين الطرفين، وجود قدر من التنسيق الرسمي، لكن ما يحدث هو نقلة في العلاقات، وغير مفهومة أو مبررة إلّا في إطار حاجة النظام لدعم على المستوى الدولي"، على حدّ تعبيره. ويشدد على أنه "ثمة تغيّر في عقلية الأنظمة السياسية التي تشكل خطراً على المفاهيم التي تؤمن بها الشعوب العربية، وإنْ كانت ليست مؤثرة على المستوى القريب، لكن بالتأكيد سيكون لها تأثير سلبي على الأجيال الجديدة، وهو ما ترغب به إسرائيل". ويلفت إلى أن "تصريحات شكري ترتبط بإيصال رسائل إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بقوة العلاقات مع الاحتلال لنيل الرضى ومزيد من الدعم. لكن انعكاساتها خطيرة على الداخل المصري والمنطقة العربية شعبياً، لأن الحكام لا يجدون أي مشكلة في التعاون مع الكيان الصهيوني"، وفقاً للدبلوماسي ذاته.

من جهته، يؤكد مصدر عسكري مصري لـ"العربي الجديد"، أن التعاون مع إسرائيل لا يتعلق إلّا بسيناء فقط، من خلال التبادل المعلوماتي، وإنْ كان بشكل بسيط من جانب إسرائيل. ويقول المصدر نفسه إن الجيش المصري يسمح بتواجد طائرات من دون طيار إسرائيلية للقيام بعمليات رصد لتحركات المسلحين وقصف أهداف للبؤر الإرهابية. ويضيف أن هذا التنسيق ليس للضباط والأفراد شأن فيه، بل يتعلق بقرارات القيادات العليا في الجيش المصري.