رسائل الاستخدام الروسي المؤقت لقاعدة همدان

23 اغسطس 2016
التنسيق الإيراني الروسي لا يتوقف عند القواعد العسكرية(مايكل سفلتوف/Getty)
+ الخط -
حظي إعلان موسكو عن توجيه مقاتلاتها من طراز "توبوليف ـ 22" لمواقع في سورية مستخدمة مطار همدان غربي إيران، قبل أسبوع، بكثير من ردود الفعل على الساحة الإيرانية، لتأتي أبرز التصريحات على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في أول مؤتمر صحافي له، منذ توليه منصبه في يونيو/حزيران الماضي. وأكد أن الاتفاق على استخدام قاعدة همدان مع موسكو لم يكن من صلاحيات الخارجية، وأشار إلى أن مجلس الأمن القومي الذي يتولى أمانته علي شمخاني، والذي تم تعيينه سابقاً منسقاً أعلى للشؤون السياسية والعسكرية والأمنية بين إيران وروسيا وسورية، هو من يمسك بزمام هذا الأمر.

لكن قاسمي أكد انتهاء العمليات الموجّهة من قاعدة همدان، وذكر أن وجود روسيا في القاعدة الإيرانية كان مؤقتاً، وأنه جاء بناءً على طلب روسي وبتنسيق عالي المستوى بين طهران وموسكو وبموافقة إيرانية، لكنه انتهى بشكل سريع، على حد وصفه. وجاء الإعلان عن استخدام روسيا لقاعدة همدان عقب توجيه ضربات عدة لمواقع في سورية انطلاقاً منها. وأشار قاسمي للأمر في تصريحاته قائلاً إنه "لم يكن هناك اتفاق على إبقاء الموضوع سراً، لكن التنسيق بين الطرفين خلص إلى ضرورة مراعاة الظروف الإقليمية وحساسيتها، وتم الاتفاق على الإعلان عن العمليات المشتركة بعد مرور وقت عليها".

وأكد أنه لا يوجد لدى روسيا أي قاعدة في إيران، لافتاً إلى عدم استقرار مقاتلاتها فيها بالأساس، لكنه وصف التعاون بين الطرفين في ما يتعلق ببعض الأمور بـ"الاستراتيجي والمهم"، ومنها الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وقال إن إيران لن تتوانى عن تقديم كل ما هو لازم للقضاء على الإرهاب، في إشارة مبطّنة منه إلى إمكانية فتح القواعد العسكرية الإيرانية مجدداً أمام المقاتلات الروسية، وإلى احتمال أن يكون انتهاء العمليات انطلاقاً من همدان على شكل "تعليق مؤقت".

لم تقرأ هذه التصريحات بوتيرة واحدة في الداخل الإيراني، وكثيرون رأوا أنها توجه رسائل عدة، كونها تأتي بعد انتقادات برلمانية احتجت على فتح الأجواء الإيرانية أمام روسيا والسماح لها باستخدام قواعد البلاد العسكرية، وهو ما جاء أولاً على لسان النائب حشمت الله فلاحت بيشه خلال جلسة برلمانية عقدت أخيراً. واعتبر النائب الأمر مخالفاً للدستور الذي ينهى عن وضع أي قاعدة إيرانية تحت تصرف أي من الأطراف الأجنبية.

في السياق ذاته، وجّه البعض انتقادات مبطّنة للطرف الروسي الذي أعلن عن استخدام مطار همدان أولاً، ونشرت مواقعه صور المقاتلات في إيران، ثم أعقب ذلك إصدار تأكيدات من قبل مجلس الأمن القومي الإيراني. وقال وزير الدفاع حسين دهقان في حوار تلفزيوني إن روسيا طرف فاعل دولياً يعمل على إثبات دوره بشكل دائم، كما يحرص على القيام بدور مقابل ذلك الأميركي في الملف السوري. واعتبر أن إعلان روسيا عن استخدام مطار همدان بهذه الطريقة لم يكن بمحله، ما يعني وجود خلاف بين الطرفين حول كيفية الإعلان عن الأمر.





ولفت إلى أن استخدام القاعدة الإيرانية جاء من دون أي تعهد أو اتفاق مكتوب، وإنما وافقت طهران على مساعدة موسكو مؤقتاً للتحرك نحو سورية والتزود بالوقود على أراضيها كونها أقرب مسافة لهذا البلد، مؤكداً أن المقاتلات الروسية لن تستقر في إيران مستقبلاً. وكشف وزير الدفاع الإيراني عن أن الأمر برمته جاء بناءً على طلب من الحكومة السورية، فوافقت طهران على الأمر لإدراكها أهمية المساعدة في تأمين الدعم الجوي وتكثيف العمل الميداني في وقت تتلقى فيه جماعات المعارضة دعماً كبيراً من أطراف أخرى، بحسب قوله.

وبعدما قال دهقان في تصريحات سابقة إن اتخاذ قرار فتح القاعدة أمام القاذفات الروسية ليس من صلاحيات البرلمان الإيراني، صدرت تصريحات أخرى عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان نفسه علاء الدين بروجردي الذي ردّ على النواب المنتقدين للقرار بالقول إن "قاعدة همدان لم توضع تحت تصرف روسيا". وأضاف أنّ استخدام القاعدة ليس بالأمر الجديد، وإنما ما استجد هو الإعلان عنه. وأكد أن إيران تسمح للطائرات الروسية بالتزود بالوقود فحسب، واصفاً ما يجري بأنه ضمن إطار التعاون الرباعي المتفق عليه بين إيران، وروسيا، وسورية، والعراق.

وبعدما وقّع عشرون نائباً في البرلمان على عريضة للمطالبة بعقد جلسة غير علنية بحضور أحد المسؤولين في السلطات المعنية بهذا القرار، لبحث الموضوع وتقديم مبررات للأمر وطرح نتائجه المتوقعة، أوضحت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أنه تم تأجيل الأمر مبدئياً، ويبدو أن تعليق استخدام قاعدة همدان في الوقت الراهن قد يحل المسألة.

من جهته، رأى رئيس تحرير قسم الأخبار الدولية في وكالة "مهر" الإيرانية محمد قادري أن كل ما حدث يأتي ضمن إطار تكثيف عمل التحالف الرباعي، مشيراً إلى وجود دعم أميركي وحتى سعودي لفصائل المعارضة في سورية، وهو ما أخّر إنهاء العمليات الروسية ـ الإيرانية ـ السورية في حلب. وقال إن موسكو قررت تسريع الخطوات، ومن هذا المنطلق طلبت أن تتزود طائراتها بالوقود من قاعدة همدان، وبأن تحط فيها مؤقتاً لتحلق نحو سورية من جديد، وهو ما يعني اختصار المسافة وتوفير الوقت، بحسب رأيه.

وأضاف قادري في حديث لـ"العربي الجديد" أن التعاطي مع خبر استخدام مقاتلات روسيا للأراضي الإيرانية لم يكن دقيقاً، معتبراً بدوره أنه لم يكن هناك نية لإبقاء الموضوع سراً بشكل دائم، لكن كان هناك اتفاق إيراني روسي على تأخير الإعلان عنه للابتعاد عن التفاصيل الهامشية التي سيثيرها الموضوع إقليمياً ودولياً. ولفت إلى أن موسكو تصرّ على التركيز على دورها الإقليمي واستعراض ما تفعله.

وفي السياق ذاته، اعتبر الباحث في مركز دراسات إيران وآسيا المركزية والقوقاز، شعيب بهمن، إن التعاون العسكري الإيراني الروسي له أبعاد عدة ونواح مختلفة، واعتبر أن الإعلان عن استخدام قاعدة همدان أتى لتوجيه رسائل مفادها بأن هذا التنسيق سيشمل كل الأبعاد الممكنة ولن يتوقف عند هذا الحد. وأضاف بهمن لـ"العربي الجديد" أن هذه الرسالة موجّهة للمعارضة في سورية ولداعميها في الخارج. كما أن الإعلان عن انتهاء استخدام قاعدة همدان لا يعني إيقاف العمل المشترك أو عدم تكرار أمر مماثل مستقبلاً. وتوقع الاستفادة من كافة الإمكانات المتاحة مجدداً، وبأن يدخل العراق على خط هذا التعاون من خلال فتح أجوائه أمام الطائرات الروسية، قائلاً، "هذا يعني حرفياً تنفيذ الاتفاقيات الأمنية التي تم التوصل إليها سابقاً بين الأطراف الأربعة".