رسائل أميركية للبنانيين: شينكر يربط ترسيم الحدود بالهدوء جنوباً

12 سبتمبر 2019
التقى شينكر عدداً من المسؤولين بينهم الرئيس ميشال عون(تويتر)
+ الخط -
ثلاثة أيام أمضاها مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، الذي خلف ديفيد ساترفيليد، في لبنان، قبل أن ينتقل إلى الأردن. جال الرجل على القيادات اللبنانية، وبعض رؤساء الأحزاب، كما التقى بعض رجال الأعمال، في زيارة استكشافية، لكنها تضمنت رسائل جديدة، قد تكون الأولى من نوعها بشكل علني، رابطاً ضمناً بين ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، وبين الهدوء جنوباً، والالتزام بالقرار الدولي رقم 1701، وكبح "حزب الله".

رسالة شينكر، الباحث السياسي سابقاً، والذي يدرك تماماً تعقيدات المشهد اللبناني، وصلت إلى من يعنيهم الأمر في لبنان، على الرغم من الطابع الاستكشافي للزيارة، بعد أن استلم مهمة سلفه، وفيها ما يمكن وصفه بأنه مقايضة، في وقت كان فيه الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، يجاهر فيه بالولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي، بقوله "نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله، وأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسي وهي داعمه الأقوى وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره"، رابطاً لبنان بالمنطقة وبصراعاتها، ورافضاً بذلك سياسة النأي بالنفس، التي أعاد شينكر تكرارها بوصفها التزاماً لبنانياً قدمه أمام المحافل الدولية، من الأمم المتحدة، إلى مؤتمر "سيدر" الذي ينتظر لبنان أمواله في حال الوفاء بالوعود التي قطعها.

ويبدو أن موقف نصر الله جاء رداً على رسالة شينكر، خصوصاً أن الأول كان واضحاً عندما رفض ضمناً الربط بين ملف ترسيم الحدود، الذي يريده لبنان لبدء استخراج النفط والغاز، في مرحلة اقتصادية دقيقة، وبين "حزب الله"، حتى إنه دعا إلى التفاوض مع "مندوب أميركي - صديق لإسرائيل"، من منطلق القوة، في إشارة إلى قدرات الحزب، و"توازن الرعب" الذي يقول نصر الله إن حزبه فرضه مع إسرائيل.
وما يعزز نظرية المقايضة التي تريدها الولايات المتحدة بين الترسيم وبين كبح جماح حزب الله حديث شينكر بوضوح خلال جولاته مع المسؤولين عن الصعوبات الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، وعن المنفعة التي ستترتب على حل الخلاف الحدودي، وهو قال ذلك بوضوح في تصريحاته عندما تحدث عن نسبة الدين التي يعاني منها لبنان، مضيفاً: "نحن ننظر اليوم إلى المنطقة الملاصقة لإسرائيل التي تستغلّ مخزونها من الغاز الطبيعي لأكثر من 40 عاماً، وفي حال وافق لبنان فإنّ موضوع استخراج الغاز، وتحديداً من البلوكين رقم 9 و10، سيحتاج إلى سنوات للاستفادة منه، وهذا يصبّ في مصلحة لبنان. ونحن نتمنّى أن يتمكّن لبنان من التوصّل إلى اتفاق مشترك على الحدود مع جيرانه، حتى يتمكّن من الاستفادة من المخزون الطبيعي في المنطقة البحرية".

كلام شينكر هذا جاء في الخطاب ذاته الذي تحدث فيه عن ضعف وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، محيداً لبنان الدولة.

لكن بغضّ النظر عن التراشق بالرسائل الضمنية بين شينكر ونصر الله، لم يحمل المسؤول الأميركي جديداً في ملف الترسيم - وفق مصادر سياسية واكبت الزيارة، ومحسوبة على فريق "14 آذار" السابق، الذين خصص الضيف جزءاً من الزيارة للقائهم - باستثناء ضرورة استكمال المساعي من حيث انتهى ساترفيليد، وضرورة انطلاق المفاوضات غير المباشرة بأسرع وقت ممكن، وخصوصاً بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

ويمكن تلخيص المواقف التي عبّر عنها شينكر أمام المسؤولين اللبنانيين، وفق المصادر ذاتها، إلى أكثر من جزء، الأول اقتصادي ومن ضمنه ملف الترسيم، والثاني متعلق بضرورة عدم تسليم القرار الداخلي اللبناني لـ"حزب الله"، وضرورة حماية لبنان عبر الالتزام بالقرارات الدولية، وسياسة النأي بالنفس، والشق الثالث متعلق باستمرار السياسية الأميركية في مواجهة الحزب عبر العقوبات، مع تأكيد تحييد لبنان عن هذه العقوبات، على الرغم من عدم تقديمه تطمينات بشأن الأشخاص الذين تردد أنه قد تطاولهم العقوبات نظراً إلى علاقاتهم بالحزب، ومن ضمنهم شخصيات سياسية لبنانية.


وأمام مواقف شينكر قدم المسؤولون اللبنانيون مواقف مكررة، تكررت سابقا أمام أكثر من مسؤول أميركي، ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، وتتعلق أولاً باستعداد لبنان لترسيم الحدود، ولإطلاق المفاوضات، وفق ما تم التوافق عليه سابقاً، لجهة رعاية الأمم المتحدة، وتلازم المسارات البرية والبحرية. أما عن "حزب الله" فقد سمع المسؤول الأميركي مواقف متعلقة بالتزام لبنان بالقرار الدولي رقم 1701، على الرغم من أنه تحدث أمام أكثر من مسؤول عن تهريب الأسلحة إلى "حزب الله"، كما سمع كلاماً متعلقاً بحق لبنان في حماية نفسه من الاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصاً بعد حادثة الطائرتين المسيرتين فوق الضاحية، وهو ما يعد خرقاً للقرار، وكذلك للسيادة اللبنانية، إضافة إلى التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس، على الرغم من مواقف نصر الله التي صعبت مهمة الترويج لهذا الموقف اللبناني، بعد أن عبّر بوضوح عن ارتباطاته بإيران.