ردّ على ردّ علي العبد الله بشأن أكراد سورية
تحت عنوان (ردّ: خورشيد دلي وأكراد سورية... الموضوعية يا صاحبي)، نشرت "العربي الجديد" مقالاً في صفحة قضايا، يوم 26 / 1 / 2015، للصديق على العبدالله، أثار فيه جملة من القضايا التي وردت في مقالتي المنشورة يوم 16 / 1 / 2015 تحت عنوان (أكراد سورية... جدل الخيارات وهاجس المصير). واللافت في ردّه أنه حمل المطالبة بالموضوعية، في حين احتوى الردّ نفسه على قضايا واستنتاجات وآراء ووقائع لا يمكن وصفها بالموضوعية، إذ إن جلّها تدخل في إطار التجربة الشخصية والرأي السياسي، وربما نقص في المعلومات، مع الإشارة إلى أن كل ما سبق لا يقلل من المواقف النضالية المشرفة للصديق العبدالله، في دفاعه عن الحرية والديمقراطية.
يقول العبدالله إن الربط بين تأسيس أول حزب كردي (الديمقراطي الكردستاني) بممارسات دولة الوحدة وإجراءاتها ضد الكرد أمر غير صحيح، على اعتبار أن الوحدة أعلنت في 22 فبراير/شباط 1958 في حين أن الحزب الكردي تأسس قبله بأشهر، وتحديداً في 15/ 6/ 1957، بمعنى أن هناك خطأ تاريخياً وقعتُ فيه، فالوحدة أعلنت بعد تأسيس الحزب. وفي السياق نفسه، يقول إنني نسبت إجراءات ضد الكرد إلى عهد الوحدة، وهذا غير صحيح أيضاً، حسب العبدالله، على اعتبار أن الإحصاء الاستثنائي تم يوم 5/ 10/ 1962، فيما وقع الانفصال في 28/9/1961. وفي الحالتين، هناك فارق التاريخ الذي هو أشهر. ولكي نصل إلى الموضوعية التي تطالب بها يا صاحبي، لا أعتقد ان الأمور تورد هكذا، وإنما بوضعها في نصابها الصحيح. ولكن، كيف؟
أولاً: الربط بين تأسيس أول حزب كردي وأيديولوجية الوحدة ربطٌ فكري وسياسي واجتماعي، في السياق التاريخي للحدثين، وليس خارجهما. ثم، يا سيدي، لم يهبط الإعلان عن الوحدة في فبراير/شباط عام 1958 فجأة على مسؤولي البلدين، فقد بدأت الجهود لتحقيقها، منذ انتخاب شكري القوتلي رئيساً لسورية عام 1955، وتوجّه الأخير بدعم من الاتحاد السوفييتي إلى التحالف مع جمال عبد الناصر. وبين عام 1955و1958، جرت بين الجانبين (السوري والمصري) اجتماعات واتفاقيات كثيرة، بل وتظاهرات في شوارع حلب ودمشق تطالب بالوحدة مع مصر. وقتها، يا صاحبي، كانت هناك شعارات تنادي بإنقاذ العروبة في الجزيرة (المنطقة الشرقية من سورية). وطبعاً المقصود هنا الأكراد. وعليه، لا يمكن فصل تأسيس أول حزب
كردي في سورية عن هذا المناخ القومي الصاعد، بشقيه الناصري والبعثي في ذلك الوقت. والموضوعية، هنا، لا تكمن في أن الحزب الكردي تأسس، قبل الإعلان عن الوحدة بشهور، كما إنني قلت إن الحزب جاء تعبيراً عن الوجود القومي الكردي، وهو ما لم تشر إليه، كي تكتمل الموضوعية التي تطالب بها.
ثانياً: بخصوص إجراءات لم تحصل خلال فترة الوحدة (1958-1961)، مثل الإحصاء الاستثنائي، يا صاحبي، إن قلت أيديولوجية الوحدة، وليست فترة الوحدة. وهناك فرق كبير بين الأمرين، خصوصاً أن الأيديولوجية هي تعبير عن منظومة تفكير وقيم. لا تأتي بتوقيع هذا الإعلان أو ذاك. كان المقصود جملة الإجراءات التي اتخذت، في فترة الصعود القومي الجامح، وانعكاسه على كيفية النظر إلى قضايا الشعوب والأقليات القومية والدينية. ليس في سورية فقط، وإنما في مجمل العالم العربي. وهنا، دعني أذكر لك الحقائق التالية عن فترة الوحدة هذه المرة كي تكتمل الصورة:
1- بعد فشل سلطات الوحدة في إقناع الحزب الكردي بإصدار بيانٍ، يعلن دعم الكرد الوحدة، تم اعتقال معظم قيادة الحزب الكردي في أغسطس/آب عام 1960، وبأمر مباشر من عبد الحميد السراج. وتمت محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة العسكري، وزجهم في سجن المزة. والمفارقة، يا سيدي، أنه عندما اعتقل السراج عقب فشل الوحدة، تم القبض عليه مختبئاً في منزل روشن بدرخان، زوجة السياسي الكردي المعروف جلادت بدرخان!.
2– في أثناء فترة الوحدة، تمت إحالة معظم الضباط الأكراد إلى التقاعد، أو حتى إقالة بعضهم، وأذكر هنا، مثالاً، رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين وشقيقيه، زكي وعبد الباقي، وكذلك العقيد وجيه البرازي الذي أحيل إلى التقاعد، مع أنه لم يكن بلغ الأربعين من العمر.
3- لم تكن قضية الإحصاء بنت يوم 5 / 10/ 1962، فقد سبقت الإجراء اجتماعات وبيانات كثيرة بهذا الخصوص، بل سبقه مرسوم رئاسي بشهور.
والخلاصة، هنا، أن الأمر بدا وكأنك تريد تبيض صفحة الوحدة من كل ما سبق، في حين هناك مئات الوقائع التي تؤكد أن أصل المشكلة الكردية في سورية بدأت بسبب الأيدولوجيا التي طغت في هذه المرحلة. على الأقل، قبل هذه المرحلة، كانت الحالة الكردية وطنية سورية بامتياز.
عن الديمقراطية وقوس المطالب
يصر العبدالله على (أن نضال الأحزاب الكردية لم ينظر إلى قضية الحرية والديمقراطية في سورية باعتبارها هدفاً كردياً). ليس دفاعاً عن الأحزاب الكردية التي تشعبت وتعددت، هذه الأيام، أكثر من القبائل والعشائر. إلا أنك تظلم هذه الأحزاب في قولك السابق، فهذه الأحزاب، والتي كانت برامجها متشابهة إلى حد التماثل، كانت تطالب، دوماً وفي مقدمة برامجها
السياسية، بتحقيق الديمقراطية والحرية في سورية. وكانت لها عبارتها الشهيرة (إن حل القضية الكردية في سورية مرتبط بتحقيق الديمقراطية والحرية)، كما أنها في ممارستها العمل السياسي كانت دوماً بوصلتها تتجه نحو دمشق مركزاً للحل. وقد عملت مع النظام وقوى المعارضة معاً، من أجل حل عادل لهذه القضية.
ولعل ما ذكرته عن تجربتك الشخصية، وعن مشاركة أحزب كردية، في ندوات منتدى جمال الأتاسي و"إعلان دمشق" وغير ذلك، يؤكد مدى رهان الأكراد على الديمقراطية، ليس لتحقيق تطلعاتهم فحسب، بل لتحقيق الديمقراطية في البلاد. أما عن قوس المطالب، يقول العبدالله عن قولي (إنه قبل بدء شرارة الأحداث في درعا لم يكن بوسع الأكراد الحديث علناً عن حقوقهم القومية، أو رفع علم يرمز إلى قوميتهم أو التعلم بلغتهم ...) غير دقيق. ما هو غير دقيق في هذا الكلام؟ هل كان هناك تعلم أو تعليم باللغة الكردية مثلاً؟ هل كانت هناك مكاتب أو مقار للأحزاب الكردية، أو مسموح لها بعقد اجتماعات علنية، أو رفع علم أو رمز حتى لو كان حزبياً؟ أعتقد أنت تعرف، أكثر من غيرك، كيف سيكون مصير الشخص الذي سيقوم بمثل هذا الأمر في اليوم التالي، إن لم يكن في الساعة نفسها.
كذلك بشأن قوس المطالب، هي بالفعل اتسعت وبشكل كبير عن السابق، فإذا كان هناك في السابق حزب كردي تحدث عن الفيدرالية، أو شكل من أشكال الحكم الذاتي في ندوة أو ملتقى ما، فإنه، عملياً اليوم، هناك واقع جديد بكل معنى الكلمة، فالإدارة الذاتية، سواء كنا ضدها أو معها، أضحت واقعاً ملموساً ليس في المناطق الكردية فحسب، بل في المشهد السوري ككل، حيث يطالب الأكراد بالاعتراف الدستوري بهم.
عن تبادلية الثقة
أولاً، أتفق معك أنه هناك معارضات سورية وليست معارضة واحدة، ولكل واحدة أجندتها التي قد تتعارض مع الثانية، أو الثالثة، إلى حد التناقض، بل والاقتتال. ثانياً، بالنسبة للأسباب التي ترى أنها أدت إلى غياب ثقة المعارضة السورية بالأحزاب الكردية. لعمري، إنك تورد أسباباً غريبة، كالتي تقول بوجود (تحالف وتنسيق بين الأحزاب الكردية والنظام، طوال عقد ثمانينيات القرن الماضي، بذريعة التصدي المشترك لنظام صدام حسين). لا أعرف ماذا أقول فعلاً؟ هل أقول صباح الخير بعد كل هذه السنوات؟ أم أقول أرجع إلى عشرات القياديين الأكراد الذين اعتقلهم النظام في تلك الفترة، بحجة التعامل أو التحالف مع نظام صدام؟ وهنا، بمناسبة الحديث عن التحالفات، دعني أنتقل إلى ما سميته استدعاء تحالف الزمن الماضي، وكيل الاتهامات إلى مكون سياسي كردي، هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. تتحدث عن تحالف بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني، بزعامة عبدالله أوجلان، في ثمانينات القرن الماضي، وأقول هذا صحيح، وكل طرف أراد الاستفادة من الآخر في معركته مع تركيا، لكنك نسيت أنه بعد اتفاقية أضنة بين سورية وتركيا عام 1998 تحالفت السلطات في الدولتين ضد الحزب المذكور، وسلمت السلطات السورية عشرات من قياديي الحزب المذكور إلى الجانب التركي، وكانت استخبارات الأخير تعمل حتى في الإحياء الكردية في دمشق ( ركن الدين، وادي المشاريع، زورآفا) لملاحقة الناشطين الكرد المحسوبين على الحزب.
أما بشأن الاتهامات لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب حول (ملاحقة معارضي النظام باغتيالهم، أو اعتقالهم وتسليمهم إلى أجهزة المخابرات، والاعتداء على القرى العربية ودفع المواطنين العرب إلى النزوح، واستدراج رد فعل عربي لدفع الكرد إلى النزوح ....) مع أن الرد على هذه الاتهامات من حق الحزب الكردي، إلا أنني أجدني مضطراً للحديث قليلاً عن هذا الأمر، لطالما الأمر ورد في إطار الرد على ما كتبته. أولاً، يا سيدي، ليس هناك عداء تاريخي بين العرب والكرد في هذه المناطق، بل على العكس تماماً، هناك تعايش وتداخل اجتماعي وحضاري منذ القدم بين الجانبين. وما سبق لا يعني عدم حصول مشكلة طارئة، هنا أو هناك، من هذا الطرف أو ذاك، بفعل وتخطيط من أجهزة وجهات أرادت، وتريد، تخريب
هذه العلاقة لحساب مصالحها وتحقيق أهدافها. ثانياً: الهجمات على بعض القرى العربية من وحدات حماية الشعب، أخيراً، جاءت بعد الحرب التي أعلنها "داعش" على المناطق الكردية، فمن بدأ بالهجوم على رأس العين (سري كانيه) مبكراً ... وصولاً إلى الهجوم على عين العرب (كوباني) وغيرها من المدن والبلدات الكردية؟ ما جرى ويجري يأتي في سياق الحرب المعلنة بين "داعش" والكرد في هذه المناطق، وليست بين الكرد والعرب، كما يفهم من سياق حديثك. ثالثاً: بقدر ما تعتقد أن هناك تحالفاً بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، بقدر ما يتحدث أنصار الطرف الأخير عن أن النظام هو الذي يقف وراء هجوم "داعش" على المناطق الكردية في الجزيرة، للتخلص من الواقع الذي أوجدته الإدارة الذاتية فيها، خصوصاً في ظل قناعة النظام بأنه بات منتصراً في هذه الأزمة. رابعاً: بخصوص غياب الثقة بين الكرد والمعارضة، من أين ستأتي الثقة يا صديقي؟ بالتأكيد، ليس من الفراغ، وإنما من العمل والمواقف. وهنا السؤال: هل المعارضة السورية، وأقصد تحديداً الائتلاف والمجلس الوطني، أقرَّ، في كل مواثيقه لسورية المستقبل، أياً من الحقوق التي يطالب بها الأكراد، على الرغم من مطالبة الأكراد بذلك مراراً؟ هل يعقل أن يكون أول بيان للمجلس الوطني السوري، بعد تأسيسه عام 2011، بخصوص الأكراد أن يكون إدانة عمليات حزب العمال الكردستاني؟ الحديث طويل لا تتسع المساحة له. وأختم بالتأكيد مجدداً أنه لا يمكن النظر إلى مصير أكراد سورية خارج مصير الشعب السوري، وأن الضرورة والمصلحة تتطلبان من الجميع الانفتاح والإيجابية، بعيداً عن التصورات المسبقة والأيديولوجيات القومية والدينية، فالمنشود دولة ديمقراطية تعددية، تؤمن الحرية والحقوق للجميع قبل كل شيء.