ردود فعل محلية وعربية ودولية وشعبية بعد الحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري

19 اغسطس 2020
انقسام على المحكمة وعلى أحكامها (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

توالت ردود الفعل المحلية والعربية والدولية، كما الشعبية، على الحكم الذي أصدرته غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان يوم الثلاثاء، في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري (في 14 فبراير/شباط 2005)، بعد جلسة علنية استغرقت أكثر من أربع ساعات عقدت في لاهاي – هولندا، على أن تحدد المحكمة بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول المقبل موعداً لإصدار العقوبة بحق سليم جميل عياش، فيما ستبطل فوراً مذكرات التوقيف الصادرة بحق المتهمين الثلاثة، أسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي، وحسن حبيب مرعي.

وأكدت الشخصيات السياسية في "تيار المستقبل" الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري قبولها الحكم باعتباره أدان سليم جميل عياش، وهو من قياديي "حزب الله" اللبناني، واضعة الكرة في ملعب الحزب الذي عليه أن يتعاون مع الأجهزة القضائية والقرار الدولي بتسليم المذنب، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف غيابية باعتبار أن "حزب الله" غطى المتهمين الأربعة منذ البداية ورفض تسليمهم، وأكد سابقاً أنّه سيتعامل مع القرار كأنه لم يصدر، وشكك في المحكمة الدولية منذ إنشائها، ورفض الاعتراف بها أو التعاون معها. علماً أنّ الموقف الشعبي لمناصري "تيار المستقبل" يعبّر بقسمٍ كبير منهم عن خيبة أمله من الحكم الذي طاول شخصاً واحداً، وبقيت أمور كثيرة قيد الشك من دون أن يصار إلى تثبيتها.

وتوجه أمين عام "المستقبل" أحمد الحريري إلى جمهور التيار وعائلات الشهداء بالقول: "المحكمة الدولية قالت كلمتها بوضوح وصدق. إدانة لمرحلة سياسية ونظام أمني هيّأ الظروف لجريمة الاغتيال، وحكم بحق مسؤول عن التنفيذ من حزب الله. العدالة انتصرت، والمحكمة كشفت الحقيقة، والمفرقعات السياسية لا تعطي صك براء للمجرمين".

وقال مستشار الرئيس سعد الحريري، غطاس خوري: "المحكمة الدولية قالت كلمتها بكل تجرد ومهنية عالية. نقبل الحكم ونطالب بتسليم المدان وننتظر العقاب. ولا ننسى عدالة السماء".

وأكد النائب في "تيار المستقبل" محمد الحجار، لـ"العربي الجديد"، أنّ القرار كان منتظراً لمعرفة من اغتال الرئيس الحريري، وعملنا طويلاً لهذا اليوم، نحن الذين طالبنا بالمحكمة الدولية نتيجة انعدام الثقة بالأجهزة القضائية والأمنية التي كانت تتولى زمام الأمور بتاريخ وقوع الجريمة. وأشار إلى أنّ "الحقيقة باتت معروفة، واليوم ننتظر العدالة التي تتمثل بإلقاء القبض على عياش المدان من قبل المحكمة".

ولفت الحجار إلى أنّ "هذه المرة الأولى التي نعرف فيها هوية القاتل والمجرم على صعيد الاغتيالات التي طاولت مسؤولين لبنانيين، وتم إدانة القائد العسكري في "حزب الله""، مشدداً على أنّ "رقم المدانين ليس مهماً، فالعدالة لا تكمن في العدد، وعياش هو أعلى المتهمين رتبةً، وهذا يكفي، والمتهمون الآخرون اعتبروا غير مذنبين لعدم توفر الأدلة الكافية بحقهم، وبالتالي على "حزب الله" أن يتلقّف الحكم إذا كان يريد فعلاً الاستقرار في البلد ويذهب ليسلّم القاتل إلى العدالة الدولية".

وفي وقت يلتزم فيه "حزب الله" الصمت، ورفض عدد من نوابه التعليق على الحكم، أشار مصدر في الحزب، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الموقف لم يتغيّر من المحكمة الدولية، و"حزب الله" حرص رغم ذلك على تهدئة المناصرين وعدم النزول إلى الشارع"، ومنع الاصطدام مع جمهور "تيار المستقبل" الذي كان قد احتشد في بيروت والطريق الجديدة، وعند ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري، بالتزامن مع كلمة الرئيس سعد الحريري، قبل أن يغادرَ فور انتهاء تصريح الأخير. 

وشهدت العاصمة اللبنانية منذ الصباح إجراءات أمنية مشددة لمنع حصول أي توتر أمني في الشارع.

وعلّق رئيس مجلس النواب نبيه بري على الحكم بالقول: "كما خسر لبنان، في 14 فبراير/ شباط 2005، باستشهاد الرئيس رفيق الحريري قامة وطنية لا تعوض اليوم، وبعد حكم المحكمة الخاصة، يجب أن نربح لبنان الذي آمن به الرئيس الشهيد وطناً واحداً موحداً، وليكن لسان حال اللبنانيين العقل والكلمة الطيبة، كما عبر الرئيس سعد الحريري باسم أسرة الراحل".

وأكد "تكتل لبنان القوي" الذي يرأسه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، خلال اجتماعه يوم الثلاثاء: "تمسّكه بالعدالة ولو أتت متأخرة 15 سنة، وكشفت الحقيقة المتمثلة في براءة متهمين لطالما اتهموا بالسياسة، هذا مع غض النظر عن خلاف اللبنانيين حول المحكمة الدولية"، وفق تعبيره، مشدداً على تمسكه بشمولية العدالة لجميع جرائم الاغتيال السياسي التي وقعت في لبنان، داعياً إلى "استخلاص العبر من جريمة الاغتيال بالتأكيد أن ما يجب أن يوحد اللبنانيين هو رفض العنف السياسي الذي سجّل في تاريخ لبنان المعاصر".

في السياق، وزع المكتب الإعلامي للنائب جميل السيد (كان من الضباط الأربعة الذين تم توقيفهم أربع سنوات قبل إطلاق المحكمة الدولية سراحهم) فقرة الحكم المتعلقة باعتقاله في القرار الذي أصدرته اليوم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وقضت بـ"إلزام الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية بالتعويض عليه وظروف اعتقاله بناء لشهود الزور، وتواطؤ القضاة اللبنانيين، ولجنة التحقيق الدولية".

دولياً، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى احترام حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك في بيان ألقاه المتحدث باسمه ستيفان دوغاريك من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وقال إنّ "الحكم هو انعكاس لالتزام المجتمع الدولي بالعدالة عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في 14 فبراير"، مؤكداً أهمية "استقلالية ونزاهة المحكمة".

ورحّبت الولايات المتحدة، الثلاثاء، بإدانة المحكمة عياش.

وجاء في بيان لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن "إدانة عياش تسهم في تأكيد ما بات العالم يدركه أكثر فأكثر، وهو أنّ حزب الله وأعضاءه لا يدافعون عن لبنان كما يدّعون، بل يشكّلون منظمة إرهابية هدفها تنفيذ الأجندة الطائفية الخبيثة لإيران".

وتابع بومبيو: "على الرّغم من أنّ عيّاش لا يزال طليقاً، يؤكّد قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أهمية إحقاق العدالة ووضع حدّ للإفلات من العقاب، وهو ما يعدّ إلزامياً لضمان الأمن والاستقرار والسيادة في لبنان".

وغرّد وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي، على حسابه عبر "تويتر"، مشيراً إلى أن الحكم الصادر عن المحكمة الدولية هو "خطوة نحو تحقيق العدالة، وعلى من ارتكب هذه الفظائع أن يحاسب".

عربياً، أشارت وزارة الخارجية السعودية إلى أنّ "حكومة المملكة ترى في الحكم ظهوراً للحقيقة، وبداية لتحقيق العدالة بملاحقة المتورطين وضبطهم ومعاقبتهم". وقالت: "حكومة السعودية بدعوتها لتحقيق العدالة ومعاقبة "حزب الله" وعناصره الإرهابية تؤكد ضرورة حماية لبنان والمنطقة والعالم من الممارسات الإرهابية لهذا الحزب، الذي يعتبر أداة للنظام الإيراني، وثبت ضلوعه في أعمال تخريبية وإرهابية في بلدان عدة، وكانت جريمة اغتيال الحريري إحداها وأكثرها تأثيراً على أمن واستقرار لبنان"، وفق تعبيرها.

شعبياً، اختلفت ردود الفعل بشأن حكم المحكمة الدولية، وهي التي لطالما انقسمت الآراء حولها، بين من يعتبر أن الحكم غير مقنع ولم يشفِ غليل جمهور الرابع عشر من آذار، وتحديداً مناصري "تيار المستقبل"، بعد 15 سنة على حصول عملية الاغتيال، وأشار آخرون إلى أنّ المحكمة الدولية أنفق عليها ملايين الدولارات ولم تخرج إلا بقرار مليء بوقائع لم يجر تثبيتها، وبقيَ الشك موجوداً، ما أسقط التهم عن المتهمين الثلاثة، مقابل من يرى أنّ المحكمة أثبتت أنها غير مسيّسة وعادلة، ويكفي إدانتها لمسؤول كبير في "حزب الله" لإظهار الجهة التي هي وراء الجريمة، وليس من صلاحية أو مهمة المحكمة الاتهام سياسياً، وهنا مهمة مجلس الأمن، ويستبعد هؤلاء أن يقوم "حزب الله" بتسليم عياش.

كما انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي للمدان سليم عياش (مواليد 1963) مرفوعة في بلدته حاروف الجنوبية، عبّر من خلالها أبناء البلدة عن فخرهم بعياش.

وأكدت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان بالنتائج التي توصلت إليها، أن جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري معقدة ومنظمة، ونفذت من قبل فريق اغتيال كان لسليم جميل عياش دور محوري فيه.

وأقرت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان اتهامات الادعاء ضد سليم جميل عياش بصفته شريكا في المؤامرة لارتكاب جريمة إرهابية، وبأنه مسؤول كشريك في المؤامرة في عملية اغتيال رفيق الحريري. إضافة إلى ذلك، فإن غرفة الدرجة الأولى توصلت إلى إدانة سليم جميل عياش بقتل 21 شخصا آخر، إضافة إلى قتل رفيق الحريري عمداً باستعمال مواد متفجّرة ومحاولة قتل 226 شخصاً.

وأحيط المدعي العام علماً بقرار غرفة الدرجة الأولى بتبرئة حسن حبيب مرعي، حسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا. والمدعي العام بصدد مراجعة دقيقة للنتائج التي توصلت إليها غرفة الدرجة الأولى التي تكمن وراء قرار التبرئة، واعتبار ما إذا كان الاستئناف مبرراً. ويحق للمدعي العام استئناف قرار التبرئة في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ النطق بالعقوبة.

المساهمون