طرحت "حركة البناء الوطني" ( فصيل من "إخوان الجزائر") سلسلة من التحفظات بشأن مسودة الدستور عبر رئيسها عبد القادر بن قرينة، الذي أكد، في تصريح مكتوب، أن "الوثيقة كان متوقعاً منها أن تكرس مطالب الحراك وشعاراته، وتتضمن الديباجة جميع مطالبه بكل تفاصيلها، وتبرز تطلعات الشباب الذي أطلقه، وتعمل قطيعة حقيقية مع كل ممارسات الماضي البالية، وتؤسس لبناء طبقة سياسية جديدة غير ملوثة ولا متورطة في فساد سياسي ولا مالي".
وسجل بن قرينة أن "صلاحيات الرئيس بالوثيقة تحتاج تدقيقاً أكثر، بما يستجيب لبناء دستور يوازن بين السلطات، والجزائر واحدة وشعبها واحد واللغة الوطنية الرسمية واحدة وغير قابلة للنقاش والمزايدة، وللرضوخ أمام جماعات الضغط"، في إشارة إلى رفض الحركة إبقاء اللغة الأمازيغية في الدستور لغةً وطنيةً ورسميةً ثانيةً، والتلميح إلى وجود ضغوط سياسية لإبقائها ونقلها إلى صنف "المواد الصماء" التي لا تعدل مطلقاً.
واعتبر بن قرينة أن إتاحة الدستور للجيش الجزائري بالمساهمة خارج الحدود "يحتاج إلى توضيحات وتحديد"، بسبب ما قد يترتب عنه من مخاطر، فـ"المهام الملقاة على كاهل جيشنا ثقيلة وكبيرة ومتشعبة، ورغم ذلك، الوثيقة طرحت بجرأة كبيرة مساهمة جيشنا خارج حدودنا، وهذا يحتاج لتوضيح أكثر حتى لا نستنزف جيشنا في معارك يفتعلها الكبار وندفع ثمنها نحن والصغار، ويبقى ظهر الجزائر عارٍ".
Facebook Post |
وحذر بن قرينة مما وصفه بـ"فتح الباب أمام النظام الفدرالي" في الجزائر، لكون "الوثيقة أعطت قوانين خاصة لبعض البلديات تحتاج توضيحاً، فلعله يفتح الباب أمام الفدرالية، أو لإعطاء خصوصيات معينة تكون باب جهنم الذي سوف يفتح على وحدة أرضنا وشعبنا وديننا ولغتنا"، منتقداً ما وصفه بـ"تناول حرية المعتقد بجرأة، بحيث لا تجد تمييزاً بين عقيدة الأمة الجزائرية وبين كل ما هو دخيل"، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون "الغرض منه تمزيق وحدتنا وأن يكون أداة ضغط لبناء أقليات كيفما كان شكلها".
وتحفظت "حركة البناء" على علوية الاتفاقيات الدولية على القوانين المحلية، برغم أنها قد تتضمن ما يناقض قيم المجتمع، و"بشكل تصير هي المحدد القانوني"، مضيفاً أن "الوثيقة تضمنت العديد من الحقوق لم تكن في سابقها، فهي بالضرورة محل ترحيب منا، ولكن لا ندري ما معنى إطلاق الحريات العامة وعدم تقييدها إلا بقانون، وكثير من الممارسات المرفوضة شعبياً وحضارياً يضعها أصحابها في خانة الحريات ولم يقيدها أي قانون".
وكانت رئاسة الجمهورية قد طرحت، أمس الخميس، مسودة التعديلات الدستورية، ووجهت نسخاً منها ورسائل بشأنها إلى كل القوى السياسية والمدنية والنقابات والشخصيات الوطنية، تضمنت إصلاحات سياسية، أبرزها تعيين نائب لرئيس الجمهورية، ودسترة الحراك الشعبي، والسماح لقوات الجيش بالقتال في الخارج بعد موافقة البرلمان. وأعلنت الرئاسة أن هذه المسودة أولية وقابلة للتعديل والزيادة والحذف، قبل أن تتم إعادة صياغتها مجدداً، وطرحها لاستفتاء دستوري في غضون الشهرين المقبلين.
من جهته، نشر القيادي في "حركة مجتمع السلم" نصر الدين حمدادوش موقفاً أولياً، لمح فيه إلى امتعاض من المسودة ومخرجات اللجنة الدستورية، واعتبر أن طريقة صياغة المسودة هي التي أدت إلى ذلك، موضحاً: "من معايير النّجاح في الدساتير الديمقراطية - وفق نظريات وأدبيات القانون الدستوري - هي طريقة إعداد الدستور وإخراجه، والمحتوى والمضمون المعبّر عن مدى ديمقراطية هذا الدستور".
وأعاد حمدادوش نشر موقف سابق أكد فيه أن أي تعديل دستوري جديد يستوجب أن يتضمن "حسماً واضحاً في هوية وطبيعة النظام السياسي، هل هو رئاسي أم شبه رئاسي أم برلماني، واعتماد مبدأ الانتخاب وليس التعيين في السلطة القضائية والسلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، والتنصيص بكلّ وضوح على المهام الدستورية للمؤسّسة العسكرية، بما لا يسمح لها بالتدخّل في الحياة السياسية"، وهي أمور "لم يجب عنها الدستور الجديد" ، بحسب قوله.
Facebook Post |
بدورها، رفضت قوى "تكتل البديل الديمقراطي"، الذي يضم مجموعة أحزاب سياسية تقدمية كـ"جبهة القوى الاشتراكية" و"حزب العمال الاشتراكي" و"الاتحاد من أجل قوى التغيير"، وهيئات مدنية كـ"الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، جملة وتفصيلاً مسودة الإصلاحات الدستورية.
ووصف التكتل، في بيان له، اليوم الجمعة، عقب اجتماع استثنائي لقياداته، المسودة بأنّها "ضد إرادة غالبية الجزائريين، وانفرادية تكرس مرة أخرى ثقافة الاستبداد التي تسببت في الوضع الذي تعيشه البلاد، وهي خريطة طريق خاصة بالحكومة تطرحها في وضع استثنائي لاستبعاد الشعب الجزائري مرة أخرى من اختيار مستقبله". واعتبر أن "أزمة الشرعية التي ضربت النظام منذ الاستقلال لا يمكن حلها من دون نقاش شعبي واسع النطاق يؤدي إلى عملية تأسيسية ذات سيادة، تؤدي إلى تكريس الديمقراطية الحقيقية"، مشيراً إلى أن "الحل يكون في الإجماع الوطني".
وفي المواقف، قال المتحدث باسم "جبهة العدالة والتنمية" محمد الأمين سعدي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إن الحزب بصدد دراسة المسودة لصياغة موقف بشأنها يعلن في وقت لاحق.
وبدوره، قال المتحدث باسم حزب "العمال" جلول جودي إنّ قيادة الحزب ستجتمع، الأحد المقبل، لاتخاذ موقف نهائي من المسودة الدستورية، ولمح إلى رفض واضح لمضمونها وللطريقة التي تمت صياغتها بها، عبر لجنة معينة من قبل الرئيس.
الناشطون أيضاً...
وفي مقابل التحفظ السياسي، تغطي ردود فعل الناشطين السياسيين المدنيين، حتى الآن، على مجمل المواقف المعلنة بشأن التعديلات الدستورية، وتباينت المواقف إزائها بين رافض لمضمون المسودة، ومتحفظ على بعض بنودها.
ورأى الناشط الحقوقي البارز في الحراك الشعبي المحامي عبد الغني بادي في المسودة الجديدة "دستوراً يخدم السلطة"، وقال إنّ "الدستور الذي لا يجلس الجزائريون معاً لكتابته لا معنى له، هذا دستور السلطة وحدها ستطبق منه فقط ما يخدمها".
واعتبر الناشط السياسي أحمد بطاطاش، وهو قيادي سابق في "جبهة القوى الاشتراكية"، أن "غياب برلمان شرعي ومنتخب يتولى مناقشة جدية للدستور يسحب الشرعية من أي تعديل دستوري"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد": "أي مشروع للدستور أو لتعديله يجب أن يخضع للنقاش في مجلس منتخب بكل حرية وشفافية، ثم يعرض لاستفتاء الشعب".