رحيل مصطفى سويف: عالم النفس الذي شُغف بالأدب

28 يونيو 2016
(1924- 2016)
+ الخط -

في حواراته الأخيرة، يلمح المتابع لمسيرة عالم النفس المصري مصطفى سويف (1924- 2016)، الذي رحل أمس، توقفّه عند حادثتين أساسيّتين في بدايات حياته؛ الأولى حين ألقي عليه القبض إبان العهد الملكي عام 1943 بسبب التحاقه بمحاضرة حول المادية الجدلية فاتهم مع زملائه بـ"قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة" وحُكم عليه بالسجن تسعة أشهر، خرج منه بفهم جديد للسياسة وإمكانية التأثير فيها.

الثانية حين قرّر عقب ذلك بسنوات قليلة أن يهجر الكتابة الأدبية، بعد بضع قصائد وقصص قصيرة أحرقها في حمّام بيته، ليمضي واثقاً إلى دراسته الأكاديمية في علم النفس، لكنه لم ينس الأدب إذ اختار تخصص علم الجمال ضمن المدارس النفسية في مرحلة الماجستير، ليقدّم أطروحة عميقة بعنوان "الأسس النفسية للإبداع الفني: في الشعر خاصة"، والتي أعيد إصدارها في طبعات عديدة.

ظلّ سويف مسكوناً بدراسة سيكولوجيا الإبداع، وعبقرية الفن، وحاول أن يبحث عن علاقة الأدب بالمجتمعات وكيفية تخليقه وتمثيله لمبدعيه وللبيئة المحيطة بهم، وفي هذا المضمار أصدر كتابه "العبقرية في الفن" (دار القلم، 1960)، و"دراسات نفسية في الإبداع والتلقي" (دار الكتب الحديثة، 2000)، وفيه تظهر إحدى أبرز سمات سويف البحثية المتمثّلة بقدرته على شرح النظريات العلمية وتحليلها بطريقة ميسرة لغير المتخصّصين.

حكمت هذه الخلفيات والاهتمامات علاقته مع المثقف والمترجم المصري ثروت عكاشة، الذي شغل منصب وزير الثقافة في الحقبة الناصرية، فسمّاه أول رئيس لـ"أكاديمية الفنون" عند تأسيسها عام 1968 واستمر في إدارتها سنوات ثلاث. غير أن الأهم هو تخصيص جزء كبير من دراساته الأكاديمية في الإبداع والتذوّق الفني والتفضيل الجمالي بلغت 32 كتاباً ودراسة.

كان سويف شاهداً على الحياة الأكاديمية والسياسية منذ حُكم الملك فاروق حتى هذه اللحظة، وهو الذي نشأ في بيت شيخ أزهري، اكتسب فيه شغفه باللغة العربية وحفظه القرآن الكريم، وقصائد الشعر العربي القديم، وهي عتبة أفادت الأكاديمي والعالم المنفتح على علوم عصره، والسائر وفق إيقاعاتها الحديثة في الفنون جميعها.

منذ أن ابتعد صاحب "التطرّف كأسلوب للاستجابة" عن عالم السياسة، بدت انشغالاته منصبةً على التنقيب في دواخل الفرد وعلاقته بالسلطة، وتحديداً لدى المواطن المصري، فجاء كتابه "الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي - دراسة ارتقائية تحليلية" (دار المعارف، 1960) محاولة منه لإقامة نظرية في طبيعة العمليات النفسية الاجتماعية التي تربط الفرد بمجتمعه.

درس سويف، في كتابه هذا، الجذور العميقة بين الفرد والجماعة، باعتبارها أحد مظاهر القدرة على التكيّف، وقد أقام المؤلف دراسته في هذه الفصول على أساس من ملاحظاته الدقيقة المتتابعة التي أجراها على طفلته في حينها، كما اعتمد في دراسته لمرحلة المراهقة وخصائصها الإجتماعية على دراسة تجريبية إحصائية أجراها على أكثر من ألف مراهق مصري.

لم يثنه اهتمامه بالإبداع والدراسات الاجتماعية عن الانكباب على البحث في نظريات علم النفس وفي علم النفس التجريبي، فأضاف إلى المكتبة العربية عشرات المؤلفات؛ من بينها: "علم النفس الحديث"، و"علم النفس: دراسات نظرية وبحوث أمبريقية عملية"، و"مشكلات منهجية في بحوث علم النفس العيادي"، و"علم النفس: فلسفته وحاضره ومستقبله ككيان اجتماعي"، و"المخدرات والمجتمع".

يمكن القول إن سويف الذي كرّس عمره في البحث والتأليف طوال نصف قرن، استدار عند عقد التسعينيات من القرن الماضي ليتأمل مسيرته ضمن التطوّرات الاجتماعية الاقتصادية في بلاده، ويقدّم شهادات متفرقة لكنها متصلة، وكأنه يعيد النظر حيال موقعه في إطار الحياة العامة المصرية، ونشر في هذا السياق كتباً مثل: "مصر الحاضر والمستقبل"، و"مسيرتي ومصر: في دروب القرن العشرين"، و"نحن والمستقبل"، و"من بعيد ومن قريب".

شغف سويف بالثقافة لم ينفصل عن عائلته، حيث ارتبط بأستاذة اللغة والأدب الإنكليزي الناقدة فاطمة موسى (1927- 2007) منذ أيام الدراسة، وابنتهما هي الروائية البارزة أهداف سويف، إلى جانب شقيقين آخرين هما المهندس علاء سويف، وأستاذة الرياضيات والناشطة الحقوقية ليلى سويف التي لا يزال ابنها علاء عبد الفتاح معتقلاً سياسياً في سجون النظام المصري.

المساهمون