في 2008، أصدرت عملاً بنفس العنوان؛ "الأسطورة الوطنية"، لم يكن طبعة ثانية من كتابها الأوّل، فقد كان يحمل عنواناً فرعياً مغايراً؛ "تاريخ فرنسا في زيارة أخرى"، وفيه تعيد النظر في أطروحتها بالذات، في ما يشبه التخوّف من أن تتحوّل نظرتها المضادة للأسطرة التاريخية إلى أسطورة جديدة، وهو ما يظهر في السنوات الأخيرة حين ترفع كتاباتها في شكل أطروحة مضادّة الشعارات اليمينية.
بصفة عامة، تقوم كل مقاربة سيترون على مجال قلّما غذّى الدراسات التاريخية، وهو علوم التربية، ومن هنا استمدّت كل رؤيتها. بدأ ذلك مع أطروحتها الجامعية التي درست فيها تشكلّ "مجتمع أساتذة التاريخ" وكانت توجّهها في البداية مُنصَبّاً نحو قراءة تطوّر فكرة الفئات المهنية، غير أن هذه الأطروحة قادتها إلى إشكاليات تدريس التاريخ ثم انفتحت على إشكاليات المدرسة بشكل عام، وهو موضوع أوّل أعمالها المنشورة؛ "المدرسة المعطّلة" (1971)، قبل أن تظهر في الساحة الفكرية مقاربات بول ريكور وجاك دريدا النظرية، والتي جعلت منها سيترون متكأ لها في مغامرة فكرية أوسع تبحث عن استخدام التاريخ وبناء أساطير من عناصره، مركّزة بالخصوص على "الأسطورة الوطنية" التي ابتدعتها الجمهورية الثالثة في فرنسا.
وحين نتحدّث عن الجمهورية الثالثة فإننا نتقاطع بالضرورة مع تاريخنا العربي، فقد قام هذا النظام بين 1870 إلى حدود إسقاط ألمانيا النازية له في 1940 مع غزو باريس. هذه الفترة تتقاطع مع مرحلة استعمار فرنسا لبلدان عربية؛ تونس والمغرب وسورية ولبنان، وقد أديرت هذه البلدان من مركز فرنسي، كان يشرف عليه رجال حاملون لفكرة "الأسطورة الوطنية" بما تتضمّنه من أفكار التفوّق الحضاري على مناطق أخرى، وبالتالي تبرير كل اعتداء عليها ويصبح بعد ذلك أمراً طبيعياً لا يحتاج إلى مساءلة أخلاقية.
ويوجد في كتابات سيترون مستوى آخر على نفس الدرجة من الأهمية لدى القارئ العربي، وهو أن السرديات التاريخية المكرّسة في جميع بلدان المنطقة قامت على أسطرة، أحياناً مبالغ فيها لشخصيات وأحداث، تحتاج هي الأخرى إلى عودة جريئة وإعادة تركيب وفق تحوّلات وتشكّلات المجتمعات الجديدة.
هذه الإشكالية ينبغي طرحها قبل كل شيء في نفس الإطار الذي طرحته المؤرخة الفرنسية، أي من خلال عملية التدريس؛ تلك اللحظة تتناقل فيها الأجيال المعارف، وتتحوّل الكثير من النقاط الإشكالية إلى مسلمات ومعطيات تفقد التاريخ من محتوياته، وتجعل منه مجرّد أداة.