رحيل جورج نصر: أول لبناني في "كانّ"

23 يناير 2019
جورج نصر متأمّلا ملصق "إلى أين؟" في "كانّ" (فيسبوك)
+ الخط -
قبل 6 أشهر وبضعة أيام على احتفاله بعيد ميلاده الـ92، رحل المخرج السينمائي اللبناني جورج نصر، تاركًا مشاريع روائية ووثائقية عديدة، لم يتمكّن يومًا من تحقيقها. ورغم أن لموقعه في صناعة الأفلام اللبنانية مكانةً معقودة على ريادة التأسيس الثاني، إنْ جاز التعبير، للسينما في لبنان، في نهاية خمسينيات القرن الـ20 (التأسيس الأول، المرتبك والتائه بين جنسيات وهويات مختلفة، بدأ نهاية عشرينيات القرن نفسه)، إلاّ أن إنجازه السينمائي مُختصَرٌ في 3 أفلام روائية طويلة و9 أفلام وثائقية، ومسار طويل من الأحلام المعطّلة، والرغبات الموؤودة، والانهماك في التدريس الجامعي، واكب بفضله أجيالاً ساعية إلى الفن السينمائيّ، في بلدٍ مُحبط ومنهار.


كما أنه خاض تجربة العمل النقابي، عضوًا في "نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان" ورئيسها، مشتغلاً بجهد ملحوظ لتنظيم النقابة وتحويلها إلى داعم فعلي للفنانين، ولتأسيس صندوق لدعم السينما في لبنان. ولعلّ هذا العمل النقابي، الذي لم يتخلّ عنه سنين طويلة، رغم الإحباطات والتحدّيات، يبقى علامة أساسية ومهمّة في ذاكرة البلد، أو على الأقلّ في ذاكرة سينمائيين كثيرين يصعب عليهم تناسي جهوده الكبيرة من أجلهم.

في مقابل قلّة أعماله، كان جورج نصر أول سينمائيّ لبناني يُشارك في مهرجان "كانّ" الدولي، بفيلمه الأول "إلى أين؟"، عام 1957. وهذا دافع لتييري فريمو، المدير الفني للمهرجان نفسه، إلى اختيار هذا الفيلم بعد ترميمه، لعرضه ضمن "كلاسيكيات كانّ"، في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017)، بمناسبة مرور 60 عامًا على ذاك الحدث. مناسبةٌ تسمح بتوجيه أكثر من تحية سينمائية لنصر، في بيروت تحديدًا، إذْ تمّ ترميم أفلامه بالتعاون مع "أبّوط للإنتاج"، التي أنتجت فيلمًا وثائقيًا عنه بعنوان "نصر" (2017) لبديع مسعد وأنطوان واكد، وإصدار كتاب باللغة الفرنسية بعنوان "جورج نصر: السينما الداخلية" عن "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة" (جامعة البلمند)، بإشراف غسان قطيط، وإقامة عروض مختلفة لـ"إلى أين؟".

الروائي الأول هذا متأتٍ من دراسة أكاديمية لنصر في الولايات المتحدة الأميركية، ومن تأمّل له في أحوال المهاجرين اللبنانيين والعرب هناك. فـ"إلى أين؟"، ورغم ميل تمثيلي فيه إلى تقنية المسرح، يبحث في التأثيرات المختلفة التي تصنعها الهجرة على المُهاجِر نفسه، كما على أهله وعائلته، في زمن الخروج من الحرب العالمية الثانية، والسعي إلى ترتيب أمور العيش في وضع اجتماعي واقتصادي خانق.


مرّت 5 أعوام قبل تحقيق الروائي الثاني له، بعنوان "الغريب الصغير" (1962)، باللغة الفرنسية. وهذا انتقال من تعاون تمويلي مع إلوثار ألفترياديس إلى إنتاجٍ سينمائي مع ماريو عرقتنجي، وانتقال من ريفٍ يشهد هجرات متتالية لأبنائه إلى مدينة ساحلية يُقيم فيها صبيّ يحلم بأن يُصبح قائد طائرة، لكنه يعيش مصائب وأهوالا يومية، في غياب شقيقه المسجون بتهمة القتل. ذلك أن شقيق المقتول يُهدِّد الصبي يوميًا ويمارس عليه أسوأ المطاردات.

هذه المرة، سينتظر جورج نصر 12 عامًا كي يُنجز فيلمه الثالث "المطلوب رجل واحد" (1972)، أي قبل 3 أعوام على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). أما إنجازه فيحدث بفضل التعاون مع "نقابة الفنانين السوريين"، استنادًا إلى سيناريو للسوري الياس مقدسي الياس، ومشاركة تمثيلية لسوريين أيضًا، أبرزهم إغراء وهاني الروماني. كما أن أحداث الفيلم "تدور في مكان ما في سورية، قبل أعوام قليلة"، كما في تقديمه: قصة حب بين هاني وليلى، شقيقة صديقه فارس. لكن الأمور تتعقّد مع اقتران ليلى بصديق والدها، ما يؤدّي إلى سلسلة مغامرات.

أفلامه الوثائقية، التي بدأ تحقيقها مطلع الستينيات الفائتة، مندرجة بغالبيتها في إطار "الأفلام المطلوبة"، أي تلك التي يُكلَّف بإنجازه لحساب مؤسّسات رسمية لبنانية، أبرزها وزارات الدفاع (4 أفلام) والسياحة (2) والتخطيط (1) والإعلام ـ قسم السينما (1). علمًا أن أول وثائقي له بعنوان Cette Ville Cite أنجزه عام 1962 لحساب "استديو نير إيست".

في الحرب الأهلية، لم يتمكّن جورج نصر من تحقيق مشاريع كثيرة له، وهذا رافقه حتى وفاته صباح اليوم. لكن هوسه وولعه بالسينما يحضران في وجدان كثيرين ممن عرفوه، وتتلمذوا على يديه، والتقوه في مناسبات مختلفة.

المساهمون