رحلة هشام جنينة من مكافحة الفساد إلى السجن الحربي

14 فبراير 2018
تعرض جنينة أخيراً لمحاولة خطف لترهيبه (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

ورط الرئيس عبد الفتاح السيسي، الجيش المصري، مرة أخرى، في أتون السياسة، إثر اعتقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، أمس الثلاثاء، تمهيداً لمحاكمته عسكرياً، عقب تصريحاته الجريئة عن امتلاك رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، وثائق وأدلة تدين الكثير من قيادات الحكم الحالية، بشأن الأحداث الجسيمة التي وقعت عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

وأصدر الجيش بياناً "اتهم فيه جنينة بإثارة الشكوك حول الدولة ومؤسساتها، في وقت تخوض فيه القوات المسلحة معركة في سيناء لاجتثاث جذور الإرهاب"، سبقه بيان اتهام عنان بمخالفة الأوامر العسكرية، عقب إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، دون إذن مسبق من الجيش، والتحريض ضد القوات المسلحة، والتزوير في محررات رسمية، بإدراج اسمه في قاعدة بيانات الناخبين.


وأفادت ابنة جنينة، ندى، بأن ثلاثين من رجال الأمن اعتقلوا والدها من منزله في منطقة التجمع الخامس، شرق القاهرة، من دون علم الجهة التي اقتادوه إليها، إذ من المرجح سجنه، رفقة عنان، في مقر الفرقة الثانية بالسجن الحربي بمنطقة "الهايكستب"، وهو نفسه المسجون فيه 21 ضابطاً من الجيش صدرت بحقهم أحكام، تراوحت بين السجن 10 و25 سنة، بعد توجيه اتهامات لهم بالتخطيط لانقلاب عسكري في عام 2015.

عبّر جنينة أخيراً عن تخوفه على حياة عنان داخل السجن، وإمكانية تعرضه للاغتيال، كما حدث مع قائد الجيش الراحل، عبد الحكيم عامر، مؤكداً في تصريحات صحافية أن محاولة اغتياله في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي "استهدفت منعه من تقديم طعن على استبعاد عنان من الانتخابات أمام المحكمة الإدارية العليا، والهيئة الوطنية للانتخابات".
وكانت نيابة القاهرة الجديدة قررت احتجاز 3 متهمين بتهمة التعدي على جنينة، ومحاولة خطفه واغتياله، عقب الاستماع إلى الأخير، الذي أكد أن الواقعة كانت محاولة لخطفه، وليس قتله، بهدف تخويفه، متهماً ضباط الشرطة بالتقصير في واجبهم تجاهه، وتركه ينزف قرابة خمس ساعات من دون تضميد جراحه، رغم وجود سيارة إسعاف على مقربة من المكان.
وكشف جنينة عن أن عنان أخبره بأن هناك حقائق كثيرة مخفية عن الرأي العام، سواء حول ما حدث قبل ثورة المصريين في عام 2011 أو بعدها، والتي تُغير كثيراً من صورة أشخاص كثيرين في السلطة، واحتفاظه بوثائق وأدلة مع شخصيات غير عسكرية خارج مصر عن ملفات فساد تدين قيادات بارزة، حالية وسابقة، في القوات المسلحة، وتلويحه بإظهارها في حال المساس به.
غير أن نجل عنان، سمير سامي، نفى حيازة والده لوثائق تدين الدولة أو قياداتها، قائلاً إنه طلب من محامي والده التقدم ببلاغ رسمي ضد جنينة، متهماً إياه بنسب معلومات كاذبة إلى والده، وهو ما تزامن مع تصريح محامي عنان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ناصر أمين، عن أن تصريحات جنينة "عارية تماماً من الصحة، ولا تمت للواقع بصلة".

مرشح رئاسي

وطُرح اسم جنينة كمرشح رئاسي قبل إعلان عنان ترشحه، كونه يحظى بتوافق بين قطاع عريض من القوى السياسية المعارضة، في ضوء تصريحاته في مايو/ أيار 2017، عن أن "الترشح في الانتخابات الرئاسية حق دستوري وقانوني لكل مواطن، سواء انتمى إلى أحزاب من عدمه"، وتأكيده أن "جنسية زوجته الفلسطينية، لن تُشكل عائقاً، إذا ما قرر الترشح، لتمتعها بالجنسية المصرية أيضاً".

ودعا جنينة الجبهة المدنية المعارضة إلى التوحد وعدم حدوث انقسام في ما بينها، مشدداً على أهمية الالتفاف حول مرشح يعبر عن القاعدة العريضة من القوى الديمقراطية، مع ضرورة "ضمان حدوث انتخابات نزيهة، تُعبر عن الديمقراطية الحقيقية.. وليست انتخابات شكلية هزلية، يتحكم فيها الأمن على غرار ما حدث في الانتخابات النيابية الأخيرة".
وتمنى جنينة أن تحظى الانتخابات الرئاسية برقابة قوية، وأن تكون هناك معايير تسمح بانتخابات حقيقية، وليست مُصطنعة، مشدداً في تصريحات لاحقة له على أن "الرقابة الدولية على الانتخابات الرئاسية باتت واجبة، وليست اختياراً، أو ترفاً نسعى إليه"، محذراً في الوقت ذاته من صناعة أجهزة الدولة العميقة، أو الأجهزة الأمنية، من يؤدي دور المنافس.

كشف الفساد

وأثناء توليه رئاسة أكبر جهاز رقابي في مصر، كشف جنينة عن الكثير من وقائع الفساد في أجهزة الدولة، قُدرت بنحو 600 مليار جنيه خلال ثلاثة أعوام فقط، ما دفع السيسي إلى إصدار تشريع يسمح له بعزل رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، وأقرّه مجلس النواب، الموالي له، فور انعقاده في يناير/كانون الثاني 2016.
وفي 28 مارس/آذار 2016، أعفى السيسي جنينة من منصبه، وعين بدلاً منه رئيس نيابة أمن الدولة العليا (سيئة السمعة)، المستشار هشام بدوي، وهو ما تلاه صدور قرار قضائي بمنع جنينة من السفر إلى الخارج، بعد التحقيق معه على خلفية بلاغات كيدية قُدمت ضده "على خلفية تصريحاته عن تضخم حجم الفساد داخل وزارات وهيئات وجهات سيادية".

لجنة السيسي

وعمد رئيس البرلمان، علي عبد العال، إلى تعطيل قرار النواب بالتصويت مرتين لصالح تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن تصريحات جنينة عن الفساد، بالمخالفة للدستور واللائحة المنظمة، في حين شكل السيسي لجنة مضادة لتقصي الحقائق عن تقرير جهاز المحاسبات، والتي زعمت أن التقرير الصادر برئاسة جنينة "مبالغ فيه"، ويتعمد "التضليل"، بحجة أنه "تجميع مفتعل لوقائع حدثت على مدار عشرات السنوات، من دون تصويب".
واعتبرت لجنة السيسي، التي ضمت في عضويتها ممثلين عن أجهزة سيادية متهمة بالفساد، تصريحات جنينة المتكررة حول الفساد بأنها "تضر بمصالح البلاد في المرحلة الراهنة"، بدعوى أن هناك منظمات أجنبية كانت تشارك في وضع دراسة عن قيمة الفساد في مصر، بما يؤثر على عملية جذب الاستثمارات داخل البلاد، مختتمة تقريرها بالقول: "الكلمة مسؤولية!".

فساد حكومة الانقلاب

وأصدر الرئيس محمد مرسي، في سبتمبر/ أيلول 2012، قراراً، بتعيين جنينة رئيساً لجهاز المحاسبات لمدة أربع سنوات، وهو أهم جهاز رقابي على السلطة التنفيذية في مصر، ويهدف إلى الرقابة على أموال الدولة، ومحاربة الفساد في أجهزتها، والشخصيات العامة الاعتبارية الواردة في قانون الجهاز، إلى جانب معاونته مجلس النواب في تحقيق الرقابة والشفافية.
وكشف جنينة عن حصول وزير العدل في أول حكومة عقب الانقلاب على مرسي، المستشار عادل عبد المجيد، على مبلغ مليون و142 ألف جنيه، بالمخالفة للقانون، وعارضه في قرار منح ضباط القوات المسلحة حق الضبطية القضائية، علاوة على فضح فساد وزارات كالكهرباء، والطيران المدني، بما في ذلك منحها مكافآت مالية ضخمة، لقيادات أمنية كبيرة، من دون إذن صرف.

تيار الاستقلال

وجنينة تخرج من كلية الشرطة في عام 1976، وعمل ضابطاً بمديرية أمن محافظة الجيزة، قبل انتقاله إلى العمل في النيابة العامة حتى أصبح قاضياً، ثم رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة، وعُرف كأحد رموز "تيار استقلال القضاء"، الذي اشتهر بمعارضة نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ودعمه ثورة 25 يناير، إلى أن ترشح لحقيبة العدل في حكومة هشام قنديل، إبّان حكم مرسي.

وشارك جنينة في إنجاز قانون عودة مجلس القضاء الأعلى عام 1984، وفي وضع مشروع تعديل قانون السلطة القضائية عام 1990. ولطالما طالب بتطهير جهاز الدولة من الفاسدين، بوصفه نجل المستشار أحمد جنينة، أحد أبرز رموز تيار الاستقلال في عهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، الذي كان ضمن القضاة الذين شملتهم مذبحة القضاة الشهيرة في عام 1969.
كما ترشح لرئاسة مجلس إدارة نادي القضاة في عام 2009، بهدف استكمال مسيرة المستشار زكريا عبد العزيز، بالرغم من علمه المسبق بصعوبة المعركة التي خاضها ضد وزير العدل في حكومة الانقلاب لاحقاً، المستشار أحمد الزند، ليخسر الانتخابات ومعه قضاة تيار الاستقلال - باستثناء أربعة قضاة - وينتهي عهد سيطرة تيار الاستقلال على النادي.

تحيا مصر

وحصل "العربي الجديد" في وقت سابق على معلومات موثقة من جهاز المحاسبات، تؤكد تلقي الجهاز تعليمات صريحة من رئاسة الجمهورية، بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق "تحيا مصر"، سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي نص الدستور المصري على خضوعها لرقابة الجهاز.
وكشفت المستندات عن وجود صراع خفي بين أجهزة الدولة المسيطرة على الصندوق من جهة، وإدارة الجهاز، برئاسة جنينة، قبل أشهر قليلة من صدور قرار السيسي بعزله من منصبه، بسبب رفض تلك الأجهزة خضوع الصندوق بأية صورة للرقابة، والذي لم ينشر أي قوائم مالية منذ إنشائه في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، في ظل انعدام الرقابة الرسمية على المليارات من أمواله.

المساهمون