29 اغسطس 2021
رحلة عوّاد السوري
عواد هو مواطن صالح بحسب مفهوم المواطنة الذي وضعته الجهات المختصة لتحديد صفات المواطن. يستيقظ صباحاً ليذهب إلى مكتبه في المديرية العامة للعاطلين عن العمل في دمشق. يدخل مكتبه في تمام الساعة الثامنة، ولا يغادره قبل الساعة الثالثة ليعود إلى منزله الكائن في الضواحي الفقيرة يكمل نهاره في متابعة قناة سبيستون.
في طريق عودته من دوامه، أوقفه حاجز للنظام وهو على دراجته الهوائية ذات العجلتين وقد أكد قائد الحاجز أن عواد بن عباس ورئيفة تولد 1977 مطلوب لإحدى الجهات الأمنية الساهرة على راحة المواطن. وأمر باعتقاله على الفور بعد السطو على دراجته الهوائية ليأخذها لولده جعفر ذي العشر سنوات.
بدأت رحلة عواد بين الفروع الأمنية وهي رحلة طويلة لا يعرفها إلا المواطن السوري. وكان لا يخرج من الفرع إلا بعد توقيعه على ملف حافل بالجرائم الوطنية، وآخرها التعامل مع العدو الإسرائيلي وتزويده بمعلومات خطيرة عن الموقع النووي السوري في بقعة ما من أرض الوطن.
عادت زوجته وأولاده إلى قريتهم البعيدة عن العاصمة لتخبر والده باختفائه ذات يوم وهي تتوقع جازمة أنه تزوج عليها من أخرى، فقد أحست تغيراً في عواطفه تجاهها في الفترة الأخيرة. لكن والده بدأ اتصالاته ببعض معارفه وأصدقائه القدامى من العسكريين، وأصحاب النفوذ الذين خدمهم طيلة ثلاثين عاماً كسائق لدى قائد أحد الألوية العسكرية.
مضت ستة أشهر ولم يحصل والده على أية معلومة وقد فرغ جيبه من المال الذي دفعه على المحتالين الوطنيين، وحصراً بالدولار لدعم صندوق البنك الوطني بالقطع الأجنبي. أما عوّاد فقد انتهى به الحال في سجنٍ صحراوي بعيد عن العاصمة بعد أن حُكم عليه بالسجن المؤبد لخطورته والتهديد الذي يشكله على أمن الوطن.
في يوم صيفي حار كان السجان يمارس هوايته المفضلة في تعذيب السجناء وكان عواد حينها قد فَقَدَ نصف وزنه. فوجئ الجميع بهجوم شرس من فصيلٍ عسكري ما، يعمل على أرض الوطن التي تعج بالمتحاربين والأعداء. وبعد انفجار سيارة مفخخة انبطح السجانون والسجناء. وتم الاقتحام من جميع الجهات لينتهي بالسيطرة على السجن واعتقال كل من بقي على قيد الحياة وكانوا خمسة من بينهم عواد. فاقتادهم أحد عناصر الفصيل إلى مقرهم الكائن في صحراء الوطن للتحقيق معهم لمعرفة السجين من السجان.
وبعد تحقيق مطول وحفلات تعذيب لتحصيل الاعترافات، تأكد المحققون أن عوّاد كان سجيناً ولم يكن سجاناً فأخلوا سبيله ليهرب على غير هدى في صحراء الوطن الواسعة.
بعد مسير طويل أنهك قواه قادته قدماه إلى بئر بترول تشرف عليها مجموعة من الإخوة وأمهم العجوز، يستخرجون منها البترول ويكررونه بالطريقة البدائية لاستخراج المحروقات وبيعها في المناطق المحررة من النظام. فسقط على الأرض مغشياً عليه من التعب فحمله أبناء العجوز إلى غرفة صغيرة لتقوم والدتهم بتمريضه حتى استعاد وعيه.
وبعد أن تناول وجبة طعام وأصبح قادراً على الكلام سألته العجوز من أين أنت وما الذي جاء بك إلى هنا؟ تنهّد عواد وقال:" أنا من تل الصقلان كنت معتقلاً وأخلي سبيلي فجئت إليكم". نهضت العجوز على قدميها وقالت متعجبة:" تل الصقلان"؟! أجابها ببلاهة واستغراب:" نعم. وما الغريب في الأمر؟". قالت العجوز:" أنتم من قتل ولدي ماهر". أحسّ عواد بتنميل في قدميه ورأسه ولم يعد يعرف كيف يبرر لها وضعه الحرج:" يا خالة أقسم بالله أنا غادرت القرية منذ عشرة أعوام وكنت موظفاً في الشام ولم أزر قريتي منذ ذلك اليوم. أصلاً أنا لا أعرف أحداً فيها والله العظيم".
لم تعره العجوز انتباهاً وأكملت قائلةً:" كان ولدي ماهر يخدم في العسكرية ولم يؤذ أحداً على الإطلاق حيث أن عمله يقتصر على رشاش مثبت على أحد الأبنية العالية، لكن أولاد الحرام قتلوا المسكين بكل وقاحة وإجرام". تلعثم عوّاد وبدأ ينهال عليها بالأحاديث والآيات التي لا تحمل شخصاً خطيئة غيره وأنها تخاف الله ولا تحب الظلم وهذا بادٍ على وجهها فكيف لا وسيماهم في وجوههم. سكتت العجوز وبعد تدخل أحد أبنائها أقرت بالعفو عنه وأنها ستسمح له بالمغادرة مع أول سيارة تتزود بالمحروقات من بئرهم وما أكثرها.
لم يمضِ الكثير من الوقت حتى وصلت سيارة تحمل خزاناً كبيراً ملأه صاحبها بالديزل ثم حمل معه عوّاد وانطلق عبر الصحراء باتجاه مركز المدينة القريبة التي سينطلق منها عواد إلى قريته.
كان طيران الحربي الرشاش لا يغادر الأجواء بحثاً عن صيده الثمين من سيارات نقل المحروقات وسعيد الحظ من كان ينجو منها.
وبينما كان السائق يحدثه عن بطولاته الكثيرة في حربه مع طائرات النظام وكيف كان ينجح في كل مرة من الإفلات منها، انقضت الطائرة على سيارتهم مما دفع السائق لفتح الباب والقفز منها على وجه السرعة دون أن يوقفها لكن عواد الذي لا يعرف كيف يتعامل مع الموقف بقي في السيارة المنطلقة باتجاه شجرةٍ على مدخل المدينة لم يتعرف إلى نوعها إلا بعد اصطدام السيارة بها وتحطم الزجاج في وجهه.
نزل من السيارة وانطلق باتجاه السائق ليعرف ما الذي حصل معه ليجده مفارقاً الحياة بعد إصابته بشظية في الرأس. لكن أهل المدينة الذين تجمعوا مكان الحادث أخذوا السيارة بحملها تكرّموا عليه بنقله إلى كراجات المدينة ليتابع طريقه نحو بلده.
وصل عوّاد قريته وهو لا يصدق أنه ما زال على قيد الحياة. وبعد التبريكات والتهاني من الأقارب والأصدقاء والجيران قامت قوة مسلحة باعتقاله بسبب بعض الشكوك التي تدور حول غيابه، فكثير من الأقاويل كانت تتحدث عن انضمامه لجيش النظام قبل عودته إلى بلدته جاسوساً وعميلاً.
نجحت مساعي والده بعد شهرين فأُطلق سراحه بكفالة. فقرر بعدها على الفور الهرب إلى تركيا ليتخلص من كابوس الوطن. لكن ذلك لم يتحقق بسبب قنصه على الحدود من قبل الجندرمة التركية ولم يستطع أحد سحب جثته التي أصبحت طعاماً لضباع الغابات الحدودية.
في طريق عودته من دوامه، أوقفه حاجز للنظام وهو على دراجته الهوائية ذات العجلتين وقد أكد قائد الحاجز أن عواد بن عباس ورئيفة تولد 1977 مطلوب لإحدى الجهات الأمنية الساهرة على راحة المواطن. وأمر باعتقاله على الفور بعد السطو على دراجته الهوائية ليأخذها لولده جعفر ذي العشر سنوات.
بدأت رحلة عواد بين الفروع الأمنية وهي رحلة طويلة لا يعرفها إلا المواطن السوري. وكان لا يخرج من الفرع إلا بعد توقيعه على ملف حافل بالجرائم الوطنية، وآخرها التعامل مع العدو الإسرائيلي وتزويده بمعلومات خطيرة عن الموقع النووي السوري في بقعة ما من أرض الوطن.
عادت زوجته وأولاده إلى قريتهم البعيدة عن العاصمة لتخبر والده باختفائه ذات يوم وهي تتوقع جازمة أنه تزوج عليها من أخرى، فقد أحست تغيراً في عواطفه تجاهها في الفترة الأخيرة. لكن والده بدأ اتصالاته ببعض معارفه وأصدقائه القدامى من العسكريين، وأصحاب النفوذ الذين خدمهم طيلة ثلاثين عاماً كسائق لدى قائد أحد الألوية العسكرية.
مضت ستة أشهر ولم يحصل والده على أية معلومة وقد فرغ جيبه من المال الذي دفعه على المحتالين الوطنيين، وحصراً بالدولار لدعم صندوق البنك الوطني بالقطع الأجنبي. أما عوّاد فقد انتهى به الحال في سجنٍ صحراوي بعيد عن العاصمة بعد أن حُكم عليه بالسجن المؤبد لخطورته والتهديد الذي يشكله على أمن الوطن.
في يوم صيفي حار كان السجان يمارس هوايته المفضلة في تعذيب السجناء وكان عواد حينها قد فَقَدَ نصف وزنه. فوجئ الجميع بهجوم شرس من فصيلٍ عسكري ما، يعمل على أرض الوطن التي تعج بالمتحاربين والأعداء. وبعد انفجار سيارة مفخخة انبطح السجانون والسجناء. وتم الاقتحام من جميع الجهات لينتهي بالسيطرة على السجن واعتقال كل من بقي على قيد الحياة وكانوا خمسة من بينهم عواد. فاقتادهم أحد عناصر الفصيل إلى مقرهم الكائن في صحراء الوطن للتحقيق معهم لمعرفة السجين من السجان.
وبعد تحقيق مطول وحفلات تعذيب لتحصيل الاعترافات، تأكد المحققون أن عوّاد كان سجيناً ولم يكن سجاناً فأخلوا سبيله ليهرب على غير هدى في صحراء الوطن الواسعة.
بعد مسير طويل أنهك قواه قادته قدماه إلى بئر بترول تشرف عليها مجموعة من الإخوة وأمهم العجوز، يستخرجون منها البترول ويكررونه بالطريقة البدائية لاستخراج المحروقات وبيعها في المناطق المحررة من النظام. فسقط على الأرض مغشياً عليه من التعب فحمله أبناء العجوز إلى غرفة صغيرة لتقوم والدتهم بتمريضه حتى استعاد وعيه.
وبعد أن تناول وجبة طعام وأصبح قادراً على الكلام سألته العجوز من أين أنت وما الذي جاء بك إلى هنا؟ تنهّد عواد وقال:" أنا من تل الصقلان كنت معتقلاً وأخلي سبيلي فجئت إليكم". نهضت العجوز على قدميها وقالت متعجبة:" تل الصقلان"؟! أجابها ببلاهة واستغراب:" نعم. وما الغريب في الأمر؟". قالت العجوز:" أنتم من قتل ولدي ماهر". أحسّ عواد بتنميل في قدميه ورأسه ولم يعد يعرف كيف يبرر لها وضعه الحرج:" يا خالة أقسم بالله أنا غادرت القرية منذ عشرة أعوام وكنت موظفاً في الشام ولم أزر قريتي منذ ذلك اليوم. أصلاً أنا لا أعرف أحداً فيها والله العظيم".
لم تعره العجوز انتباهاً وأكملت قائلةً:" كان ولدي ماهر يخدم في العسكرية ولم يؤذ أحداً على الإطلاق حيث أن عمله يقتصر على رشاش مثبت على أحد الأبنية العالية، لكن أولاد الحرام قتلوا المسكين بكل وقاحة وإجرام". تلعثم عوّاد وبدأ ينهال عليها بالأحاديث والآيات التي لا تحمل شخصاً خطيئة غيره وأنها تخاف الله ولا تحب الظلم وهذا بادٍ على وجهها فكيف لا وسيماهم في وجوههم. سكتت العجوز وبعد تدخل أحد أبنائها أقرت بالعفو عنه وأنها ستسمح له بالمغادرة مع أول سيارة تتزود بالمحروقات من بئرهم وما أكثرها.
لم يمضِ الكثير من الوقت حتى وصلت سيارة تحمل خزاناً كبيراً ملأه صاحبها بالديزل ثم حمل معه عوّاد وانطلق عبر الصحراء باتجاه مركز المدينة القريبة التي سينطلق منها عواد إلى قريته.
كان طيران الحربي الرشاش لا يغادر الأجواء بحثاً عن صيده الثمين من سيارات نقل المحروقات وسعيد الحظ من كان ينجو منها.
وبينما كان السائق يحدثه عن بطولاته الكثيرة في حربه مع طائرات النظام وكيف كان ينجح في كل مرة من الإفلات منها، انقضت الطائرة على سيارتهم مما دفع السائق لفتح الباب والقفز منها على وجه السرعة دون أن يوقفها لكن عواد الذي لا يعرف كيف يتعامل مع الموقف بقي في السيارة المنطلقة باتجاه شجرةٍ على مدخل المدينة لم يتعرف إلى نوعها إلا بعد اصطدام السيارة بها وتحطم الزجاج في وجهه.
نزل من السيارة وانطلق باتجاه السائق ليعرف ما الذي حصل معه ليجده مفارقاً الحياة بعد إصابته بشظية في الرأس. لكن أهل المدينة الذين تجمعوا مكان الحادث أخذوا السيارة بحملها تكرّموا عليه بنقله إلى كراجات المدينة ليتابع طريقه نحو بلده.
وصل عوّاد قريته وهو لا يصدق أنه ما زال على قيد الحياة. وبعد التبريكات والتهاني من الأقارب والأصدقاء والجيران قامت قوة مسلحة باعتقاله بسبب بعض الشكوك التي تدور حول غيابه، فكثير من الأقاويل كانت تتحدث عن انضمامه لجيش النظام قبل عودته إلى بلدته جاسوساً وعميلاً.
نجحت مساعي والده بعد شهرين فأُطلق سراحه بكفالة. فقرر بعدها على الفور الهرب إلى تركيا ليتخلص من كابوس الوطن. لكن ذلك لم يتحقق بسبب قنصه على الحدود من قبل الجندرمة التركية ولم يستطع أحد سحب جثته التي أصبحت طعاماً لضباع الغابات الحدودية.