رجل واحد لا يكفي

24 سبتمبر 2016

(فرانس برس)

+ الخط -

 كتبت صديقة، قبل أيام، على صفحتها في "فيسبوك" منشورا تطلب فيه من النساء البقاء وحيدات من دون رجال، فالرجل لا تكفيه امرأة واحدة، ويحتاج، بذرائع عديدة، إلى أكثر من امرأة. تذكّرت، وأنا أقرأ منشورها، نقاشا قديما مع صديق شاعر حول الموضوع. قال إن المرأة أكثر إخلاصاً من الرجل لأسباب بيولوجية، فيزيولوجية وسيكولوجية، على عكس الرجل الذي لا يستطيع الاكتفاء بامرأة واحدة، لأن طبيعته تتطلب ذلك! من يتذكّر فيلم "امرأة واحدة لا تكفي"، للمخرجة إيناس الدغيدي وبطولة أحمد زكي، يمكنه أن يفهم المنطق الذكوري الذي استطاعت المخرجة التقاطه في علاقة الرجل بالنساء، فالبطل يقيم علاقةً مع ثلاث سيدات: ليدي أرستقراطية جميلة  تفتح له آفاقا جديدة في عمله، وشابة متمرّدة مثقفة تغطي المنطقة المتمردّة داخله، والتي تحاول الأرستقراطية تدجينها، وسيدة بسيطة تعوّضه بحنانها عن حاجته إلى حنان والدته ودفئها. يكتشف البطل أنه يعشق الثلاث بالمقدار نفسه، وأنه ليس قادراً على الاستغناء عن أيٍّ منهن، فلكل منهن صفة تكمل الأخرى.

حسناً، من حق الرجل أن يبحث عن هذه الصفات كلها، وإن التقت جميعها في امرأة واحدةٍ سيكون الأمر عظيماً. عملياً، من الصعب جمعها في سيدة واحدة، فيجد الرجل مبرّراً منطقياً لتعدّد علاقاته، متذرعا بطبيعته البيولوجية. ولكن، من قال إن المرأة لا تحتاج شيئاً كهذا أيضاً؟ تحتاج  لورداً يفتح أمامها أفق الحياة، ويدلّلها كما تستحق من الدلال. وتحتاج رجلاً مثقفاً ومتمرّداً يجعلها تعيش حالة شغف مستمرة. وتحتاج رجلاً بسيطاً يسميها "تاج رأسي"، ويمنحها من الدفء والحنان الفطري ما لا يقدر عليه غيره. تحتاج شريكاً غير أناني في العلاقة الجسدية، متفهماً وخبيراً وغيرياً. تحتاج المرأة كل هؤلاء، وطبيعي أيضا أن من الصعب أن تجتمع كل هذه الصفات في رجل واحد، بل ربما هذا ضربٌ من المستحيل، غير أن  نساءً قليلاتٍ يقمن علاقات متعدّدة، ليس لأن طبيعة المرأة البيولوجية لا تقبل ذلك، فهي  بيولوجياً  وفيزيائيا أكثر قدرة من الرجل على التعدّد، بل لأنها تحمل موروثاً ثقيلاً وقديماً جداً عن مفهوم العيب والحرام، تشكل في لا وعيها واختلط مع الوعي. ولأنها أيضاً مكبلة بقيود اجتماعية، باتت جزءاً من شخصيتها، إلى حد أنها تنكر وجودها، ولا تجرؤ حتى على التفكير بها.

يتيح المجتمع والتربية والبيئة للرجل هذه التعدّدية، من دون أن يوسم الرجل بأي وسم سيىء، بينما تمنع هذه التعدّدية عن المرأة، وتوسم من تفعلها بصفاتٍ بالغة الشناعة، غالبا ما تطلقها عليها نساء من بنات جنسها، غير أن ثمة شيئاً آخر في حكاية الرجل والمرأة، هو الحب الذي تتعامل معه المرأة بوصفه حياةً بكاملها، حياتها هي التي لا تكتمل إلا به، فتكتفي بالرجل الذي تحبّه، حتى لو لم يحقّق لها سوى اليسير مما تطلبه من الحب، أو مما تستحقه في علاقة حب أو شراكة، حتى اللواتي تخلصن من قيودهن الاجتماعية، واللواتي نزعن عن أرواحهن ثقل الموروث العتيق عن العيب والحرام، حين تحب إحداهن، فإنها تكتفي برجلها، إلى حد أن جسدها يرفض قبول ملمس جلد رجل آخر. لا يحدث هذا إلا مع قلة قليلة جداً من الرجال ترى في الحب حياةً كاملةً، لا جزءا جانبيا من الحياة، فيكتفي الرجل الذي من هذه القلة بشريكة واحدة، حتى لو لم تحقق له كل ما يبتغيه من الحب، وما يستحقه منه أيضا، ليس لأنه بيولوجياً مختلف عن باقي الرجال، بل لأن بنيته العاطفية مختلفة!

انتبهوا، أيها السادة الرجال، قريباً ينزاح ثقل الموروث عن كاهل المرأة، وتضع جانباً كل ما كبّل حياتها، وقيّد حرية جسدها. قريباً، ستعلن أن رجلاً واحداً لا يكفي، وإن اكتفت برجل واحد، فلأنها تحبه ذلك الحب الذي يشكّل كل عالمها، لا لأنها ترى عكس ذلك عيباً أو حراماً.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.