رجال الأعمال يناقضون أنفسهم ويطالبون "السيسي" بتقليص الدعم

21 مايو 2014
مصنع سيراميك يحصل على دعم طاقة بمصر (أرشيف/Getty)
+ الخط -

 كانت الفكرة السائدة تقول إن أول رافض لتقليص دعم الطاقة في مصر هم طبقة الأغنياء من رجال الأعمال، الذين كوّنوا ثروات طائلة من وراء هذا الدعم الحكومي، ورفضوا تقليصه على مدار عقود.

لكن ما يثير الدهشة هو أن شخصيات معروفة، ولها مصالح كبيرة في مصر من هذه الفئة، أعلنوا على النقيض من مواقفهم السابقة، موافقتهم على تقليص الدعم. بل تطور الأمر لأن يطالبوا الحكومة والرئيس المقبل الذي بات مؤكداً أنه "السيسي" بضرورة رفع دعم الطاقة. حتى أن بعضهم صوّر إبقاء الحكومة نظامَ الدعم على ما هو عليه على أنه "كارثة اقتصادية".

وحسب بيانات حكومية، يستفيد 20% من الأغنياء في مصر بأكثر من 80% من إجمالي دعم الطاقة الذي تقدمه الحكومة، والمقدر بحدود 130 مليار جنيه (18.5 مليار دولار) خلال العام الجاري.

وتحصل هذه الفئة على أغلب الدعم الذي تقدمه الحكومة للطاقة، عبر شراء كميات وقود كبيرة بأسعار مدعومة لتشغيل مصانعهم.

وكثيراً ما عبرت هذه الفئة عن رفضها القاطع لتقليص دعم الطاقة الذي تستفيد منه. حتى أن بعضهم كان يهدد بأنه سيكون مضطراً لتقليل أعداد العمالة في مصانعه، أو رفع سعر منتجاته لتعويض الفارق في سعر الطاقة في حال تقليص الدعم.

ويقف دعم الطاقة حجر عثرة في طريق الإصلاح الاقتصادي في مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، رغم إجماع الحكومات المتعاقبة على ضرورة تعديل نظامه.

وتشير بيانات وزارة المالية إلى إنفاق ما يقرب من تريليون جنيه (143 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي) على دعم الطاقة خلال السنوات العشر الماضية.

لكن الحكومات المتعاقبة في مصر، منذ عقود، لم تقدم على تقليص الدعم لحسابات تتعلق بتدني الأجور وارتفاع معدلات الفقر التي تصل إلى نحو 42% من إجمالي عدد السكان، ما قد يعرض المرشح الأقرب للرئاسة، المشير عبد الفتاح السيسي، لموجة احتجاجات شعبية قوية في حال التطرق إلى مسألة الدعم، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها مصر هذه الآونة.

ومع ذلك، فربما يأتيه المدد للسير في هذا المسار من فئة لم يكن أحد يتوقعها، تتمثل في بعض من أغنى أثرياء مصر الذين استفادت شركاتهم وأعمالهم استفادة كبيرة من سخاء الدولة.

وقال عدد من كبار الشخصيات في قطاع الأعمال، بما في ذلك قطاع الطاقة والصناعات التحويلية الكثيفة الاستهلاك للطاقة، لرويترز إنهم يأملون أن يمسك السيسي بأعنّة قضية دعم أسعار الوقود والكهرباء، حتى ولو كان في ذلك مجازفة بتفجّر احتجاجات في الشوارع، وذلك في سبيل تلافي انهيار الموازنة العامة.

وكان قطاع الأعمال أحد الأعمدة التي قام عليها حكم حسني مبارك على مدى 30 عاماً، ترسخ فيها نظام الدعم، ومن المرجح أن ينصت له السيسي الذي سيعيد فوزه المتوقع في انتخابات الرئاسة، يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، أحد رجال الجيش إلى مقعد الرئاسة بعد أن شغله رئيس منتخب لفترة وجيزة.

وتفاقمت مشاكل موازنة الدولة بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعقبت سقوط مبارك عام 2011، ثم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز الماضي، وما سبقه وصاحبه من اضطرابات. وتنفق الدولة 13% من الميزانية على إتاحة الوقود والكهرباء للشركات والمستهلكين بأسعار تقل كثيراً عن أسعار السوق.

وخلص قادة الأعمال الذين أجرت رويترز لقاءات معهم إلى أن النظام الاقتصادي الذي يعاني من عملة ضعيفة وبطالة مرتفعة، وعجز متزايد في الميزانية، نظام لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال، ويمثل خطراً على الاستقرار، بل وعلى أرباح شركاتهم أكبر من خطر الاضطرابات التي قد تنجم عن خفض الدعم.

* الخوف من الشارع

جلس "ملك الأسمدة" المصري شريف الجبالي خلف مكتبه، وهو يحرك السيجار بين أصابعه مجسداً ما يقول منتقدون إنه ارتباط رأس المال بالحكومة، مثلما كان الحال في عهد مبارك.

لكن الجبالي يصر على أن أعماله كلها على الملأ.

وقال: "نحن نحتاج الجماهير. لا يمكننا العمل في وضع نعيش فيه حياتنا، وننمو ونجمع المال ونعيش في مجمعات مغلقة، وبقية البلاد في حالة يرثى لها".

وتابع "لأنهم في اليوم التالي سيخرجون إلى الشوارع وستسود الفوضى إنتاجك وكل شيء".

ويقول كثيرون من قادة الأعمال إن الفقراء سيستفيدون في نهاية الأمر من إلغاء نظام الدعم الذي لم يخدمهم، بل زاد من أرباح كبار رجال الأعمال الذين تُدار مصانعهم بالوقود الرخيص.

وقال حسين صبور (77 عاماً) أحد أباطرة قطاعي العقارات والهندسة، الذي كون جانباً من ثروته من خلال شراكة مع أكبر بنوك القطاع العام: "يجب ألا نظل على تكاسلنا. لا يمكننا العيش في ظل دعم الحكومة لكل شيء".

وقال صبور الذي يتوجه إلى مكتبه المطل على النيل بسيارة ألمانية فارهة، تسير بوقود لا يكلفه سعر اللتر منه سوى أكثر قليلاً من ثمن زجاجة المياه، إن الاستكانة إلى دعم الوقود تضعف مصالح قطاع الأعمال.

وأضاف: "هذا وبال علينا جميعاً في الأجل الطويل إذا استمر بنا الحال على هذا المنوال".

ويعادل سعر لتر البنزين العادي، الذي يعتمد عليه معظم الفقراء من المصريين، حوالى 12 سنتاً أميركياً، أي أقل من 10% من سعر نوع الوقود المقابل في أوروبا.

ومن رجال الأعمال، الذين يرون أن نظام الدعم استنفد فوائده، أحمد أبو هشيمة رئيس شركة حديد المصريين، إذ قال: "النهاردة أنا باركب عربيتي وأنا راجل عنده مصنع. رجل أعمال. فلماذا تدعمني الدولة ؟ ..لا تدعموني".

* ذكرى الغضب

ولم يقل السيسي شيئاً يذكر سوى طمأنة الناخبين أن إصلاح نظام الدعم يجب أن يكون تدريجياً. والخيارات أمامه صعبة. فخفض الدعم قد يغضب الملايين الذي يعيشون في فقر، رغم مرور ثلاث سنوات على الإطاحة بمبارك التي أطلقت الآمال في مستقبل أفضل. أما إبقاء أسعار الطاقة منخفضة فقد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد.

وليس عليه سوى العودة بذاكرته إلى عام 1977 حتى يتذكر حجم المشكلة. فقد خفض الرئيس الراحل أنور السادات الدعم الحكومي لأسعار الخبز، ومواد غذائية أساسية أخرى إلى النصف، فكان رد الفعل أعمال شغب قتل فيها العشرات، ولم تنته إلا بنشر قوات الجيش ورجوع السادات عن قراره.

واستمر هذا الوضع في عهد مبارك، وظل الأغنياء يستفيدون من الدعم أكثر من استفادة الفقراء منه، ليس فقط لأنهم يستهلكون قدراً من الطاقة لسياراتهم وأجهزة التكييف أكبر مما تستهلكه الأغلبية الفقيرة.

فالمصانع الكبرى، مثل مصانع الأسمنت والصلب والأسمدة، تستخدم كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المدعوم منذ عشرات السنين، رغم أن الأسعار تتباين كما أن سعر الغاز الطبيعي للصناعة يمثل نحو ثلث السعر الساري في غرب أوروبا.

وخلال السنة التي أمضاها محمد مرسي في مقعد الرئاسة، عمل على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كان من شأنه فرض إجراءات تقشف وزيادة الضرائب وخفض الدعم مقابل قرض قيمته 4.8 مليار دولار.

ولم تدخل هذه الخطة حيز التنفيذ، وانتهت المفاوضات بلا أي اتفاق. ويقدر صندوق النقد أن دعم الطاقة يعادل ثلاثة أمثال ما تنفقه مصر على التعليم، وسبعة أمثال ما تنفقه على الصحة.

وقدمت الدول الخليجية التي أيدت الانقلاب على الرئيس المنتخب "مرسي"، إلى مصر مليارات الدولارات كمساعدات نقدية وعينية، بما فيها المنتجات النفطية، مما أتاح قدراً من حرية الحركة للحكومة المؤقتة التي يدعمها الجيش.

وبلغت مساعدات السعودية والإمارات والكويت لمصر، خلال الأشهر العشرة الماضية، نحو 21 مليار دولار.

وقال مسؤولون في الحكومة المؤقتة إن إصلاح الدعم قد يستغرق فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير المالية هاني قدري دميان إن الإصلاح الهيكلي يمثل أولوية، وأضاف أنه سيعني تحسين تخصيص الأموال بين الشركات والمواطنين العاديين.

أما السيسي فلم يذكر شيئاً عن إطار زمني لإصلاح الدعم.

ويتحدث السيسي عن محاولة الحد من استهلاك الطاقة المتزايد، مقترحاً على سبيل المثال أن يترجل الشبان والصغار إلى أعمالهم ومدارسهم، كما أشار إلى إمكانية استخدام لمبات إضاءة موفرة للطاقة.

لكن خبراء كثيرين يقولون إنه من المستبعد أن يقلل المصريون استهلاكهم للطاقة بدرجة ملحوظة إلى أن ترتفع الأسعار. وفي الوقت نفسه فإن المستثمرين الأجانب لن يشاركوا في تجديد شبكة الكهرباء، وبناء محطات جديدة، أو الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، إلى أن تعكس الأسعار التكلفة الفعلية لتوليد الكهرباء.

*ظهرك للحائط

وقال طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية، إنه لابد من تحرك الرئيس المقبل في اتجاه إصلاح الدعم.

وقال "ظهرك للحائط. فإما الاصلاح وإما الفشل وبالتالي ثورة."

وقال السيسي في مقابلة تلفزيونية في الفترة الأخيرة إن التحرك لإصلاح منظومة الدعم لن يتحقق على الفور، لأن الأولوية عنده لإعادة قطاع الصناعة إلى وضعه الطبيعي، ورفع مستوى المعيشة أولاً.

وقال تامر أبو بكر، رئيس شركة مشرق للبترول، إن دعم الطاقة أصبح "كارثيا".

وقدم أبو بكر، الذي شغل منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول لمدة أربع سنوات في عهد مبارك، تقريرا للحكومة الشهر الماضي دعا فيه إلى زيادات تدريجية للأسعار.

وقال: "نحن في منعطف خطير. لأننا في كل مرة كنا نقول انتظروا عندنا انتخابات، وعندنا هذا وعندنا ذاك. والآن نحن ننتظر وصول الرئيس. والوضع يزداد سوءا".

المساهمون