رجال أعمال تونس يغزون عالم السياسة من بوابة الانتخابات

03 أكتوبر 2014
9 رجال أعمال يترشحون على قوائم "النهضة" (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

لم تعرف الانتخابات في تونس قط كل هذا الولع والإقبال من قبل المشاهير ورجال الأعمال عليها. حتى انتخابات 2011، بما عرفته من زخم ثوري وتعدّد القوائم الانتخابية بشكل كبير، لم تشهد كل هذا الإقبال من قبل عشرات المشاهير في الرياضة والثقافة والأعمال.

وفتح دخول عدد كبير من رجال الأعمال التونسيين الانتخابات التشريعية والرئاسية جدلاً واسعاً حول الأسباب الحقيقية وراء هذا "الولع السياسي المفاجئ" لأصحاب المال والأعمال بالشأن السياسي، مع سعي واضح من أحزاب عديدة لاستقطاب أهم الأسماء التي تحظى بالشعبية والتأثير في دوائرها الانتخابية في مختلف المحافظات.

قبل الثورة، كان دور رجال الأعمال في الانتخابات الشكلية يقتصر على تمويلها وتنظيم حفلات الزينة والاحتفال بالمرشح والفائز الوحيد، ولم يكن مسموحاً لهم بالاقتراب من الشأن السياسي عموماً، والانتخابات خصوصاً، باستثناء قلّة تُعد على أصابع اليد الواحدة.

غير أنّ دخول عدد كبير منهم بهذا الشكل "المفاجئ" الانتخابات أثار حفيظة واستغراب كثيرين، بالرغم من أن الترشح للانتخابات يمثل حقاَ شخصياً كفله الدستور لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، كما نوَّه بذلك رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار.

ولم يقتصر وجود رجال الأعمال على قوائم حزب بعينه، وإنما شمل أحزاباً عديدة، خصوصاً ما يُسمى بالأحزاب الكبرى؛ فقوائم حركة "النهضة" منحت الفرصة لـ9 رجال أعمال من الحجم الثقيل دفعة واحدة، أبرزهم المدير العام لشركة "سيفاكس أيرلاينز" محمد فريخة، في مقدّمة قائمة "صفاقس" الهامة، والذي ترشح أيضاً للانتخابات الرئاسية برغم معارضة "النهضة".

بدورها، منحت حركة "نداء تونس" رئاسة قائمة "سوسة" لرضا شرف الدين، وهو رجل أعمال ورئيس النجم الساحلي، إضافة إلى زهرة إدريس والمنصف السلامي، في قائمة "صفاقس"، وسلوى اللومي الرقيق في دائرة نابل.

كما ترشح النائب الحالي ورجل الأعمال مهدي بن غربية، عن قائمة "التحالف الديمقراطي" في بنزرت، وياسين إبراهيم عن حزب "آفاق تونس"، وعلي سلامة عن حزب "المبادرة"، وعلي الحفصي ومحسن حسن عن "الاتحاد الوطني الحر"، ومحمود الماي عن الحزب "الجمهوري" في قائمة "فرنسا"، والتيجاني الحداد عن قائمة الحركة "الدستورية"، والقائمة تطول وتكاد تشمل أغلب الأحزاب.

لم يتوقف دخول رجال الأعمال عالم السياسة عبر الترشح للانتخابات، بل قام عدد منهم بتأسيس أحزاب يديرونها بأنفسهم مثل سليم الرياحي، الذي أسس الحزب "الوطني الحر". والرياحي هو أثرى أثرياء تونس وصاحب القناة التلفزيونية "التونسية" ورئيس فريق "النادي الأفريقي". كذلك فعل العربي نصرة، الذي أسس حزب "صوت الشعب". وكان العربي يملك القناة التلفزيونية "حنبعل" ويعمل في المجال العقاري. كما أسس العياشي العجرودي حزب حركة "التونسي"، وهو صاحب القناة التلفزيونية الجنوبية.

وترشّح كل من الرياحي ونصرة للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى ترشح رجال الأعمال ياسين الشنوفي وفارس مبروك وسفيان بن ناصر وصلاح الدين بن جويرة ونزار التازني وغيرهم. هذا من دون الأخذ بعين الاعتبار رجال الأعمال الذين يدعمون من بعيد مختلف الأحزاب في الانتخابات.

وأثار هذا "الهجوم الشرس" لرجال الأعمال على الانتخابات حفيظة عدد من الأحزاب والسياسيين، على غرار زعيم "الجبهة الشعبية"، حمة الهمامي، الذي وصفه بـ"التهافت من أجل المال وليس من أجل البرنامج السياسي للمترشح"، معتبراً ترشح رجال الأعمال للانتخابات "شكلاً من أشكال سرقة الثورة عبر الانتخابات"، مستنكراً "توظيف بعض رجال الأعمال لخدمة أجندات حزبية واستقطابهم على رأس قوائم انتخابية طمعاً في أموالهم ومراكزهم الاجتماعية".

واعتبر خليل الزاوية، القيادي في حزب "التكتل" الذي يتزعمه رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر (مرشح رئاسي)، أن "التكتل لم يعتمد على رجال الأعمال والرياضيين ولاعبي كرة القدم لاستقطاب الناس وإحراز الشعبية، واعتمدنا على كفاءاتنا ومناضلينا، على خلاف الأحزاب الأخرى التي تبحث عن الأصوات مهما حصل وعلى حساب مبادئها".

في حين رأى زعيم حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، أن "ترشيح رجال أعمال من طرف حركته ليس عيباً ما داموا نظيفي الأيدي وليست لهم ملفات فساد".

واعتبرت منظمة الصناعة والتجارة التي تضم كل رجال الأعمال أن من حقهم الترشح كمواطنين بحكم ما يتيحه القانون، مشدّدةً على أنّ الاتحاد محايد، لكن الشأن السياسي والاقتصادي والأمني يهمه، في حين عبرت بعض قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال في تونس) عن خشيتها من توجه المجلس النيابي المقبل نحو غالبية ليبرالية.

وعبر عن هذا التخوف أيضاً أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والمدير العام لمركز الدراسات والبحوث الوطنية، رضا الشكوندالي، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن دخول رجال الأعمال إلى المجلس النيابي والحكومة المقبلة لا يمكن أن يكون إلا في خدمة رجل الأعمال نفسه؛ فتفكير رجل الأعمال والمؤسسة الاقتصادية قائم على المنطق الربحيّ الصرف، وتزاوج المال بالسياسة يشكّل خطراً كبيراً، لأنه سيدفع بتوجيه القوانين الاستثمارية والاستثمارات الحكومية المباشرة نَحْو القطاعات التي يمثلونها، وبالتالي، فإن عملية توجيه السياسات الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة من خلال وجود رجال الأعمال المكثف في المجلس التشريعي أو السلطة التنفيذية سيكون خطيراً على الاقتصاد الوطني.

وقلّل الشكوندالي في المقابل من تأثير رجال الأعمال على منصب الرئاسة، على اعتبار أن الصلاحيات الممنوحة دستورياً للرئيس لا تسمح بالتأثير المباشر في الشأن الاقتصادي على المستوى الوطني. غير أنّه نبّه إلى إمكانية أن يؤثر ذلك في الدبلوماسية الاقتصادية.

في المقابل، رأى رجل الأعمال والخبير الاقتصادي محسن حسن، المترشح بدوره للانتخابات التشريعية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المرحلة الحالية اقتصادية بالأساس، وهو ما يتطلب إدارة للشأن الوطني من قبل كفاءات وخبرات مشهود لها في المجال الاقتصادي، بغرض تجاوز المشاكل التي تعرفها تونس من تراجع للنمو والتصدير وتردٍّ للمالية العمومية ومواجهة البطالة النوعية، مشدّداً على ضرورة إجراء تشريعات تضمن تطهير البيئة الاستثمارية ومنظومة تنظم الاستثمار والمعادلات البنكية.

وخلص حسن إلى أنه على الرغم من شرعية التأسيسي الانتخابية "فلا بد اليوم من مجلس يقوم على الكفاءة والواقعية والمعرفة الاقتصادية، ويكون قادراً على القيام بالمهام التي تتطلبها المرحلة".