رثاء مفتعل للتعددية

14 مارس 2015
قادر عطية، رسم على جدار (جزء من العمل، 2010)
+ الخط -

احتوى عدد مجلة "شؤون خارجية" (Foreign Affairs) الأخير على مقال عنوانه "فشل التعددية الثقافية" للكاتب البريطاني من أصل هندي كنان مالك. جاء العنوان بصيغة قطعية لا تحتمل أية علامة استفهام أو تساؤل، وقد سبقه إلى هذا الاستنتاج أو الرثاء محللون وسياسيون مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والوزير الأول البريطاني ديفيد كاميرون.

"أعداء" التعددية الثقافية (Multiculturalism) عادة ما يوجهون اللوم ويحمّلون المسؤولية في المقام الأول للجاليات المسلمة في أوروبا من أصول تركية ومغاربية وأسوية وغيرها، خصوصا بعد سبتمبر 2001.

لكن الملاحظ أن القائلين بفشل التعددية الثقافية يعجزون عن تقديم بديل مقنع. مثلاً يرى مالك في ختام مقاله أن الحل يكمن في الدمج بين جزء من التعددية الثقافية في نموذجها البريطاني، وجزء من النزعة الاندماجية في نموذجها الفرنسي، بعد أن يقر بفشلهما. وكأن الجمع بين نموذجين فاشلين ينتج ثالثاً ناجحاً.

ثم إذا سلّمنا بفشل التعددية الثقافية كقيمة، فإن ما يقابلها هو الأحادية التي أنتجت الفاشية والنازية والطالبانية والداعشية. قد ينطبق الحديث عن التعددية الثقافية على مقولة أن الديمقراطية نظام سيئ ولكن لا يوجد أفضل منها.

إن التعددية الثقافية في مفهومها العميق اعتراف بقيمة التعايش بين ثقافات مختلفة، ولكن في إطار مفهوم جديد وموسّع للهوية الوطنية.

فهل يعقل الإلحاح على الجذور اليهودية والمسيحية لأوروبا من دون الإشارة إلى الإسلام؟ كأن البوسنة وألبانيا وتركيا لا توجد فيها أغلبيات مسلمة، وكأن الإسلام لم يترك أثراً في جنوب إيطاليا وإسبانيا.

إن المشكلة الكبرى في أوروبا اليوم هي اعتبار الإسلام دين مهاجرين فقط وليس مواطنين، كأن الملايين من الأوروبيين من أصول إسلامية والمولودين في أوروبا وحاملي الجنسية، ليس لهم أي محل من الإعراب.


* روائي وأنثروبولوجي جزائري مقيم في نيويورك

المساهمون