راند بول.. الانتهازي الذي يطمح إلى رئاسة أميركا

10 يناير 2015
+ الخط -
حين طالب السيناتور الأميركي راند بول بقطع المساعدات عن الفلسطينيين لإجبار السلطة على سحب طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية، لم يكن يستهدف الفلسطينيين أنفسهم، بقدر ما كان يهدف إلى مغازلة دولة الاحتلال ومخاطبة ودّها، علّها تكون له عوناً في السباق المرتقب للبيت الأبيض في العام المقبل.

السيناتور بول، هو طبيب عيون في الأساس، ومن الوافدين الجدد على السياسة، بحسب المقاييس الأميركية. والده لا يزال عضواً في مجلس النواب الأميركي. أي أن الكونجرس الأميركي يجمع بين الأب الذي بدأ حياته السياسية منذ عقود، والابن الذي بدأ حياته السياسية قبل عقدين فقط، عندما شكل جمعية للدفاع عن دافعي الضرائب في ولاية كانتاكي.

وفي 2010 أصبح راند بول الابن عضواً في مجلس الشيوخ، وظل نجمه يتصاعد منذ ذلك الحين، إلى أن أصبح من المرشحين المحتملين للرئاسة عن الحزب الجمهوري في انتخابات 2016. ورغم أنّ هذا السيناتور من الداعمين لحزب "الشاي"، التيار الأكثر تطرفاً في الحزب الجمهوري الأميركي، والذي تأسس عقب الانتخابات الرئاسية في عام 2008، وهو ما يقلل حظوظه في الوصول إلى البيت الأبيض، غير أنّ عضويته في أهم لجنتين من لجان مجلس الشيوخ: الشؤون الخارجية والأمن الداخلي، إضافة إلى لجان أخرى، أتاحت له الفرصة في البروز كسياسي صاعد، لا يستبعد أن يتجاوز كل المقاييس المتعارف عليها.

ويُعرف عن بول أنّه بنى مجده السياسي عن طريق دغدغة عواطف المواطنين، بالدفاع عن أموال دافعي الضرائب، ومناداته الدائمة بقطع الموازانات. وبما أنّ الرجل قد حاز عضوية مجلس الشيوخ، فمن الصعب اتهامه بالفشل السياسي. ولكن نجاحه يستند إلى قاعدة مشتركة بين كثير من السياسيين الناجحين، من أولئك القادرين على مخاطبة العواطف وتأجيج الجماهير برفع شعارات للاستهلاك الإعلامي، من دون أن يكونوا بالضرورة مؤمنين بما يقولونه.
وعندما طرح السيناتور مشروع قانون في مجلس الشيوخ لقطع المعونات الأميركية عن الفلسطينيين، لم يكن يقصد بهذا المشروع سوى المزايدة الإعلامية، وتقديم أوراق اعتماده لمؤيدي إسرائيل، في محاولة منه لخطب ودهم، وضمان تأييده عندما يحين موعد خوض التصفيات الأولية لانتخابات 2016.


كما يحاول راند بول أن يمتطي مشروع القانون، الذي لا يتوقع أن يمرّ، لإصلاح الضرر الذي لحق به سياسياً، جرّاء مطالبته، في عام 2011، بقطع المعونات الخارجية التي تقدّمها الولايات المتحدة لدول أجنبية، بما في ذلك إسرائيل. وتحصل الأخيرة سنوياً على ثلاثة مليارات دولار أميركي. ولم ينجح راند بول في تنفيذ اقتراحه بقطع المعونات، لكنه نجح في استقطاب ودّ من يسميهم بدافعي الضرائب الضحايا. وحتى عندما أعلن بول في صفحته على "فيسبوك" عن مشروع قانونه المقترح للدفاع عن إسرائيل بقطع المساعدات عن الفلسطينيين، فإنه أشار بوضوح إلى دافعي الضريبة الأميركيين، قائلاً إنهم لا يجب أن يتحملوا تمويل أعداء إسرائيل.

وتعهد بول بأن يفعل كل ما في وسعه لقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، داعياً الكونجرس إلى "التوقف عن معاملة أعداء إسرائيل على أنهم حلفاء للولايات المتحدة".

 ويُدرك راند أنّ القانون الحالي الذي تُقدّم بموجبه الولايات المتحدة مساعداتها للسلطة الفلسطينية يتضمن بنوداً تتيح للحكومة الأميركية، لو أرادت، أن تنفّذ تهديداتها في حال نجح الفلسطينيون في الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتهديد مسؤولي الاحتلال، من دون الحاجة إلى سنّ قانون جديد. وفي ذلك دليل على أنّ مشروع راند للاستهلاك الإعلامي ليس إلا. فبموجب أحكام الموازنة الأميركية للعام المالي 2015، التي أُقرّت في أواخر الشهر الماضي، منح الكونجرس الأميركي الحكومة صلاحية وقف المساعدات المخصصة للفلسطينيين إذا حاولوا رفع قضية ضدّ إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب في أعقاب الحرب. غير أن الفارق بين القانون النافذ والمشروع الذي طرحه السناتور راند بول، مساء الثلاثاء، هو أن التجميد يمكن أن يتم لمجرد سعي الفسطينيين إلى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، دون انتظار قيامهم برفع قضية على إسرائيل في المحكمة نفسها.

غير أن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين بساكي، ألمحت يوم الأربعاء الماضي إلى احتمال اتخاذ قرار فعلي بقطع المساعدات، بموجب القانون النافذ، بقولها إن الإدارة الأميركية تلتزم بالقانون الخاص بتمويل الفلسطينيين، وهو تهديد فعلي بقطع المساعدات. وأضافت أن مستشاري وزارة الخارجية القانونيين يدرسون تبعات القانون الحالي الخاص بالمساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة للفلسطينيين والبالغة نحو 440 مليون دولار. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة، التي تسعى بجدية إلى منع عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية، هي نفسها ليست عضواً في المحكمة الجنائية، وبالتالي فإن المنطق السياسي والأخلاقي يقول إنها لا تملك أي حق لمنع انضمام غيرها إلى محكمة ليست هي عضواً فيها.
المساهمون