رئيس "النواب" الأميركي بول ريان: جمهوري جديد بأفكار قديمة

29 أكتوبر 2015
الشاب الجمهوري الصاعد بول ريان (شيب سمودفيللا/getty)
+ الخط -

ابتداءً من اليوم، يتولى رئاسة مجلس النواب الأميركي قيادي جمهوري صاعد اسمه بول ريان (45 عاماً)، خلفاً لرئيس المجلس المستقيل جون بوينر الذي يتقدم على خلفه في السنّ بـ21 عاماً، ويتقدّم عليه في مستوى انفتاحه على الخصوم وتقبّله لهم بدهر من الزمن.

اقرأ أيضاً: أسوأ أزمات الجمهوريين الأميركيين: لا متطوّع لرئاسة مجلس النواب 

كان السلف يمثل جناح اليسار في الحزب الجمهوري الأميركي، فيما ينتمي الخلف إلى أقصى اليمين المحافظ. وهذا التغيير له قصة ومبررات يمكن استخلاصها من التأمّل في السيرة الذاتية لرئيس مجلس النواب الجديد.

ورغم حداثة سن باول ريان نسبياً بالمقارنة مع بقية قيادات الحزب الجمهوري، إلا أنه لا يعد شخصاً طارئاً على الحياة السياسية الأميركية، أو قادماً من خارج المؤسسة الحزبية. وكان المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 2012 ميت رومني، قد اختاره نائباً للرئيس في بطاقته الانتخابية.

وصفه رومني حين اختاره نائباً له في الانتخابات، بأنه يتمتع بملكات قيادية فكرية عظيمة الشأن. وواجه به رومني في تلك الانتخابات الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، ولكن الأخيرين فازا في النهاية عليهما.

ويرأس ريان لجنة الميزانية بمجلس النواب ويمثل مقاطعة جينزفيل بولاية ويسكونسن، ذات المناخ الأشد برودة بين ولايات الشمال الأميركي.

ومن المعروف أن أول ما يضعه أعضاء مجلس النواب الأميركي من اعتبارات عندما يختارون رئيساً للمجلس هو أن تتوفر فيه جميع المواصفات والشروط المطلوبة في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية أو نائب الرئيس، وهذا بالفعل ما ينطبق على بول ريان.

ورغم أن مجلس الشيوخ الأميركي يسبق مجلس النواب في الأهمية التشريعية والسياسية، إلا أن رئيس مجلس الشيوخ، حسب الدستور، هو نفسه نائب الرئيس الأميركي حتى وإن أوكل مهامه في المجلس لغيره. وبالتالي، فإن رئيس مجلس النواب هو الرجل الثالث وليس الرابع كما يعتقد البعض.

وإلى جانب مهامه التشريعية الحيوية، يشغل رئيس مجلس النواب الأميركي موقعاً أقرب ما يكون إلى موقع "ولي ولي العهد" في الأنظمة الملكية، إذ إن الدستور الأميركي ينص على توليه رئاسة الولايات المتحدة تلقائياً بدون انتخابات في حال وفاة الرئيس ونائبه في وقت واحد أو مقتلهما معاً، أو إحالتهما للمحاكمة لسبب من الأسباب.

وينيط الدستور الأميركي مسؤولية اختيار رئيس المجلس بأعضاء مجلس النواب دون أي تفصيل. وبما أن الجمهوريين، على مدى السنوات الماضية، هم أصحاب الغالبية في مجلس النواب، ظلّت الرئاسة تحت هيمنتهم، ولا يملك أعضاء مجلس النواب الأميركي المنتمين للحزب الديمقراطي، إلا الموافقة على من يختاره أصحاب الغالبية.

وشغل الرئيس السابق للمجلس جون بوينر، المنصب منذ عام 2011. لكنه أعلن في سبتمبر/ أيلول 2015 أنه سيتخلى عن منصبه في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أي اليوم. وبرّر استقالته بأنها تأتي من أجل مصلحة الحزب والمؤسسة، ولـ"تجنيب الحزب الجمهوري أضراراً فادحة بعد تفاقم الأزمة الداخلية بالحزب".

وكان الصراع الداخلي بالحزب قد تسبب في إغلاق الحكومة الفيدرالية في أكتوبر 2013، بضغط من الجناح المحافظ في الحزب المسمى بحركة "الشاي"، التي رفضت دعم استراتيجية زعماء الجمهوريين المعتدلين ومن بينهم جون بوينر.

وتزايد الضغط على بوينر في ظل تنامي الجناح المتشدد داخل الجمهوريين، الذي رأى فيه متخاذلاً أمام البيت الأبيض، الذي يشغله الديمقراطيون.

اقرأ أيضاًبونر يرضخ للضغوط ويستقيل من رئاسة مجلس النواب الأميركي 

ولم يعترض الأعضاء الأكثر تشدّداً في مجلس النواب على ترشيح الحزب الجمهوري لبول ريان ليكون رئيساً لمجلس النواب، إذ إنّ النواب المتشدّدين ينظرون إليه على أنّه منهم، في حين ينظر إليه الجمهوريون المعتدلون على أنه سياسي طموح وواعد. ومما يؤكد على أن ريان أكثر قرباً إلى المتشددين، أن قضيته الرئيسية في مجلس النواب هي خفض الميزانية العامة للحكومة الفيدرالية.

ومن ميّزات ريان أنه تدرّج في الحصول على الخبرة من أسفل السلّم إلى أعلاه، بحيث بدأ متدرباً في الكونغرس ثم أصبح مساعداً لعضو جمهوري بمجلس الشيوخ من ويسكونسن، قبل أن يرشح نفسه إلى عضوية مجلس النواب، ثم ينتخب رئيساً للجنة الميزانية بالمجلس، بعدما حقق حزبه مكاسب كبيرة في انتخابات عام 2010، واستعاد السيطرة على المجلس من الديمقراطيين.

ويتمتع ريان بشخصية شبابية وملامح رياضية تضفي شيئاً من الجاذبية، يفتقد إليها الكثير من الجمهوريين الذين تغلب على قياداتهم الكهولة والخمول.

ومن سماته التي يفاخر بها دوماً قوله إنه يعطي الأولوية لقضاء الوقت مع عائلته الصغيرة في ويسكونسن. وعندما عرض عليه زملاؤه الجمهوريون أن يرشح نفسه لرئاسة مجلس النواب كان أول شرط ألا تؤثر مسؤوليته الجديدة على التزاماته العائلية. وهوجم بقوة بسبب هذا الشرط من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، إذ أعاد الديمقراطيون تذكيره بأنه اعترض على تشريع اقترحته إدارة أوباما العام الماضي يقضي بمنح الموظفين الأميركيين إجازات عائلية مدفوعة الأجر عند إنجاب زوجاتهم للأطفال. واتهم بعض المعلقين ريان بأنه يحابي أسرته ويرفض أن تتمتع بقية الأسر الأميركية بالحق في قضاء وقت عائلي مشترك مثلما يريد لنفسه.

وتدعى زوجة ريان، جانا ليتل، وهي محاسبة ومحامية متخصصة في شؤون الضرائب، ولهما ثلاثة أطفال. وقد توفي والده وجده بأزمات قلبية في الخمسينات من العمر، ولهذا فإن بعض زملائه يقولون عنه بأنه مسكون بالخوف من الموت المبكر بأزمة قلبية، وينهك نفسه في ممارسة الرياضة من أجل الحفاظ على صحته.

كما أنّ ريان متحدث بارع ويجيد المناظرات التلفزيونية والتعبير عن قناعاته الفكرية بسلاسة. وبسبب قدرته على الإلقاء والمناظرة والنقاشات الفكرية، تتسابق القنوات التلفزيونية على استضافته.

ويركّز دوماً أثناء مشاركته في البرامج على تقليل الإنفاق وإلغاء البرامج العامة الحكومية ذات الطابع الاشتراكي، مثل تقديم كوبونات الطعام للفقراء وتوفير الضمان الصحي للمسنين.

واللافت، أخيراً، أن قواعد الحزب الجمهوري باتت تميل أكثر نحو اختيار قيادات أكثر محافظة وتشدّداً نحو اليمين، فيما شباب الحزب الديمقراطي، بالمقابل، لم يعد يعتريه أي تردد في دعم قيادات جديدة أكثر ميلاً لليسار، بل وأحياناً قيادات اشتراكية أو ليبرالية متطرفة. وهذا يعني أن التيار الوسطي الذي صنعه الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون بدأ يتلاشى وأصبح المجتمع الأميركي على موعد مع هوّة كبيرة، إذ بدأ الشرخ بين الفريقين يزداد اتساعاً.

المساهمون